التغلغل الشيعي بالمغرب إبراهيم الصغير

لقد ظل الحديث عن الشيعة والتشيع في المغرب، وعدد المتشيعين، وخطرهم على الوحدة الدينية والوطنية للمغاربة، في نظر الكثيرين حديثا مبالغا فيه ومضخما بشكل كبير، ممن يقزمون ظاهرة التشيع في المغرب ويعتبرونها مجرد تشيع أفراد لا أكثر.
وهو طرح أبدت الأيام مجانبته للصواب، وأكدت الوقائع انخداع أصحابه بالتقية والمراوغة التي غطى بها المتشيعون المغاربة على أجندتهم وتحركاتهم زمنا طويلا.
تقية لم تنفع مع الباحثين والأساتذة المهتمين ممن خبروا المشروع الصفوي الفارسي والأطماع التوسعية الإيرانية، وانتبهوا إلى ما يحاك ضد المغرب، من مؤامرات طائفية تخريبية.
هذا وإن المعطيات التي ترشح يوما بعد آخر، بخصوص هذا الملف، تنبئ باختراق شيعي كبير للعديد من المجالات الحياتية المغربية، وتغلغل عميق في مفاصل متعددة.
تغلغل انتقلت معه الحالة الشيعية بالمغرب من المحاولات الفردية إلى العمل المؤسساتي، ومن العشوائية إلى التنظيم، مما يجعلنا أمام ظاهرة كبيرة ومشروع تبشيري منظم يهدد أمن المغرب واستقراره، بضرب وحدته الدينية وتماسكه المجتمعي.
ومن هنا تأتي هذه المحاولة لتسليط الضوء على مكونات الحالة الشيعية بالمغرب ومحاولاتها المستميتة من أجل الاختراق والتغلغل في المملكة المغربية السنية.

تاريخ التشيع في المغرب
لقد عرف المغرب منذ وصول الإسلام إليه بأنه بلاد أهل السنة والجماعة على مستوى العقيدة والسلوك، اختار أهله المذهب المالكي في الفقه مذهبا رسميا، مؤسسين بذلك دولة سنية فريدة، تعتز بدينها وتحافظ على ثوابتها.
ثوابت توارثها المغاربة جيلا بعد آخر، في شكل أمانة ثقيلة هي أساس الهُوية المغربية الأصيلة، التي تقتضي صيانَتَها والحفاظَ عليها. وهذا جوهرُ ما دعا إليه ملك البلاد في خطاب العرش للسنة الماضية .
وهي ثوابت تختلف في جذورها الدينية والتاريخية والقواعد المؤسسة للتشيع، ولهذا لم يستقر التشيع بالمغرب ولم يدم مقامه بهذه الأرض، منذ تاريخ الدولة العبيدية التي فرضت تشيعها بالقوة مما عجل بزوالها. والتي يحاول المتشيعون الجدد إحياء تاريخها، بالسهر على حلم إقامة دولة شيعية بالمغرب .
الحلم الذي اصطدم بحزم الدولة المغربية التي كانت في حجم المسؤولية الملقاة على عاتقها، انطلاقا من عهد الراحل الحسن الثاني -رحمه الله- الذي استصدر فتوى تكفير الخميني يوم أراد استهداف المغرب بتحريك أذرعه وخلاياه النائمة التي زرعها حينا من الدهر، وما صاحب ذلك من تحركات أجهزت على المشروع في بدايته.
وصولا إلى الملك محمد السادس الذي أكد نهج والده واستمر في قطع الصلة مع أي مناهج وأيديولوجيات خارجية تستهدف المساس بمقدسات وثوابت هذا البلد.
ليتأكد كل ذلك سنة 2009، هذا التاريخ المفصلي في ذاكرة المد الشيعي بالمغرب، عندما قطعت المملكة المغربية علاقاتها بإيران، بعد ثبوت ضلوعها بنشر التشيع والتبشير به، بزرع خلايا شيعية في البلاد، وما صاحبها من حملة اعتقالات للمتشيعين وتجفيف منابع التشيع بالمملكة.
ومع كل انتكاسة في مشروعها التوسعي الرامي لتصدير مبادئ الثورة الخمينية تحت عباءة التشيع، كانت إيران تعيد ترتيب المكونات وتحديث الخطط، في انتظار مناسبة أخرى.
المناسبة ساهمت بتعجيلها العديد من المتغيرات الدولية، أبرزها حصول تقارب إيراني-أمريكي توج برفع العقوبات التي كانت مفروضة على إيران ورفع اليد عن برنامجها النووي، وكذا بعض المستجدات الداخلية كإقرار دستور 2011، مما أحدث تغييرا كبيرا في مسار الحالة الشيعية بالمغرب.

الحالة الشيعية بالمغرب
ينشط في المغرب بصورة علنية تياران شيعيان هما: «الخط الشيرازي» المتطرف، و«الخط الرسالي» الذي يصفه البعض تجاوزا بـ (المعتدل). وقد تفرعت منهما عدة تنظيمات، في خطة محكمة لتبادل الأدوار، وتشتيت الانتباه إليهم وإلى تحركاتهم.
وطبعا هناك قلة تشتغل خارج هذه التنظيمات.
الخط الشيرازي:
الخط الشيرازي نسبة إلى المرجع الشيعي محمد الشيرازي العراقي، المعروف بغلوه وتطرفه، وهو الذي لا يمل من سب، ولعن الصحابة الميامين واتهام أمهات المؤمنين، وتكفير المخالفين.
ومنه أخذ تسميته بـ”هيئة الإمام محمد الشيرازي” سنة 2012 بعدما كان اسمه”هيئة شيعة طنجة”. نسبة إلى المدينة التي يتمركز بها أغلب أتباعه.
يدين أتباع هذا التيار بالولاء لإيران، ويتظاهرون بعكسه، يرتبطون تنظيميا بمشروع الكويتي «ياسر الحبيب» المعروف بالسب واللعن والتكفير، حيث يتصلون به دوريا على قناة فدك، ويطلبون منه تلقين الشهادة لمن أقنعوهم بالدخول في التشيع ممن يسمونهم «مستبصرين»، فيرددون وراءه الإقرار بولاية علي والبراءة من الصحابة، ولعنَ الخلفاء الثلاثة المتقدمين، وعائشة أم المؤمنين.
يعتقدون بتكفير جميع حكام المسلمين، معتبرين أن أي راية ترفع قبل ظهور المهدي صاحبها طاغوت، وينعتون كل من تسمى بأمير المؤمنين بأقبح الصفات، ولا يهمهم المذهب المالكي، لأن صاحبه من المنحرفين عندهم، ويكفرون حتى الصوفية وجميع المخالفين لهم.
هذا وقد قدر بعض الباحثين أن عددهم يتجاوز الألف شيعي (1.000)، وهذا التيار شره واضح وخطره معروف، تفصح عنه بعض المواقع الإلكترونية المحسوبة عليه (شبكة زاوية المعلوماتية) والتي أصبح اسمها فيما بعد “زاوية بريس”، و”هيئة الإمام محمد الشيرازي” ، وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي، المليئة بعداوة هؤلاء الشيعة للمغاربة ملكا وحكومة وشعبا، ودينهم ومقدساتهم وثوابتهم.
وهؤلاء لا يتحرجون من وصفهم بالرافضة بل يفتخرون بذلك، ويؤدون شعائرهم بشكل عادي في بيوت مخصصة لذلك حسب بعض التقارير.
من رموزه المتشيعان المغربيان: هشام الأشقر (مكناس) وصديقه هشام الزواوي (تطوان)، اللذين ظهرا في حلقة مطولة على قناة فدك، بعنوان “دهاء النظام المغربي في محاربة التشيع” تم نشره في 16‏/08‏/2015، وأطلقا ألسنتهما باللعن والتكفير للصحابة وأمهات المؤمنين، وسب ولعن ملك البلاد، والتصريح بعدم الإيمان بإمارته، قبل أن يشتغلا في الخدمة الإخبارية لنفس القناة.
وكذا كبيرهم الذي علمهم التشيع، إدريس هاني (مكناس)، وياسر الحراق (كندا)، وفاطمة الزهراء حميدوش غيرهم.
وقد تفرعت عن هذا الخط “مؤسسة المواطن الرسالي للدراسات والأبحاث الإسلامية بالمغرب” التي تنشط في العالم الافتراضي، وتتبع لشخص يدعى أبا الفضل المغربي، يلقبه أتباعه بـ”سماحة السيد” كان قد ظهر في بعض المقاطع لتوضيح منهجه ودعوة الأمازيغ لمناصرته.
أعلنت هذه المؤسسة على صفحتها الرسمية على الفايس بوك بتاريخ: 05-03-2016، عن قرب أجل افتتاح مكتبها التنسيقي بتطوان التي أسمتها (العاصمة المهدوية)، وأعلنت عن نيتها تعميم فروع للمؤسسة في باقي المدن المغربية، وجعلت المكتب تحت إشراف شخص اسمه السيد الشريف الصديقي، وحملت الحكومة المغربية عواقب أي اعتداء تعسفي ضد فروع المؤسسة التي اعتبرتها غير حكومية، حسب نص البلاغ الصادر بالتاريخ أعلاه، والموقع من طرف المكتب الإعلامي للمؤسسة، تنسيقية المغرب، والمحرر في مراكش.
ويوجد لهذه المؤسسة نشاط في لبنان، حيث درس مؤسسها، والعراق وغيرهما.
إذا كان هذا الخط المتطرف الغالي المفصح عن خبثه خطا خطيرا فالثاني أخطر منه، لتفننه في التقية، وإتقانه المراوغة والخداع، فـ«الخط الرسالي» ينتصر لجميع عقائد «الخط الشيرازي» بأساليب ماكرة من باب إعادة قراءة التاريخ، وتجديد فهم النص الديني، ومحاولة تنقيح التراث، وغير ذلك من الحيل الخادعة، حتى وجد من يصفه بـ(المعتدل).
الخط الرسالي:
يشكل هذا التيار الذي أسسه عصام احميدان في 19 يناير 2012، امتدادا للخط الرسالي الشيعي الذي ينشط في بلجيكا وقبله الحركة الرسالية التي ظهرت في العراق، وهو امتداد أيضا لما وضعه اللبناني فضل الله الذي يعتبر مرجعية الشيعة المغاربة “الرساليين” كما يحلولهم تسمية أنفسهم.
يتمركز أتباع هذا الخط في أغلب مدن المملكة، ويصعب تعقبهم أو تحديد عددهم لمكانة التقية في عقيدتهم، يطلون علينا من موقع رسمي هو موقع الخط الرسالي ، والعديد من صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، التي يبثون فيها عقائدهم وآراءهم الدينية ورؤاهم السياسية، وكذا العديد من المنتديات (منتديات غرفة الغدير المباركة) و(منتديات العترة الطاهرة) والمجموعات المغلقة والمفتوحة في مواصل التواصل الاجتماعي.
تمكن أتباع هذا التيار الشيعي بعد سنوات من العمل السري من الخروج للعلن بعدما تمكنوا من الحصول على ترخيص من المحكمة التجارية بمدينة فاس لإنشاء مؤسسة اقتصادية تجارية خاضعة لقانون الشركات باسم “مؤسسة الخط الرسالي للدراسات والنشر”، بتاريخ 17-03-2014، تحمل السجل التجاري رقم 43423، يديرها خالد بن تحايكت، ادعوا أنها ثقافية بالدرجة الأولى، ونقلوا مقرها إلى مدينة طنجة مناورة وخداعا.
وقد انتدبت المؤسسة حسب بلاغ صادر عنها بتاريخ 13-08-2015، السيد عبدو الشكراني لتشكيل المرصد الرسالي لحقوق الإنسان، التابع قانونا وتنظيما للمؤسسة، والذي قالت عنه بأنه سيشكل خطوة نوعية في مجال رصد الخروقات التي تطال حقوق الإنسان المغربي وتولي أهمية استثنائية لقضيتي (حرية المعتقد) التي صادق المغرب على البروتوكول الإضافي المتعلق بها في مجلس حقوق الإنسان بجنيف و(مناهضة كافة أشكال التمييز على أساس المعتقد) وهو ما نص عليه تصدير دستور 2011 الجاري به العمل في البلاد الآن .
وأعطت الرئيس صلاحية ومهمة إعداد التقارير التي ينجزها بمعية فاعلين وحقوقيين مهتمين ورفعها إلى الجهات الخارجية المعنية بهذا الملف.
وقد كلفته أيضا بترأس المحاولة التأسيسية الثانية لجمعية “رساليون تقدميون” في 16 من أبريل 2016، التي عقد جمعها التأسيس ضدا على الدولة المغربية وقوانينها التنظيمية بمقر الجمعية المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، قبل أن تتدخل السلطات لمنعها.
من أشهر رموزه: عصام احميدان الحسني، محمد محمدي الحموشي، عبد الحفيظ بلقاضي، خالد بنحايكت، نور الدين أبو ريحانة، عبد الله الحمزاوي، عبد الرحمان الشكراني، الحبيب الغايثي، سليمان الهواري الشهور باسم رضا الموسوي، وغيرهم.
وقد خرج عنه تنظيم “المواطن الرسالي” بسبب خلافات حادة حول العديد من القضايا التبشيرية الكبرى: الذي يتزعمه المتشيعان كمال الغزالي ومحمد الوالي من وجدة، له موقع رسمي بنفس الإسم ، وجريدة ورقية شهرية اسمها “صوت المواطن” صدر العدد الأول منها فقط في 24-02-2016.
هذا حال ما يطفو على السطح بخصوص المشهد الشيعي بالمغرب، تيارات تختلف في المرجعيات والولاءات والارتباطات بالخارج، وتتفق في الهدف الأسمى ألا وهو نشر التشيع والتبشير به على أمل إقامة دولة شيعية بالمغرب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *