في الوقت الذي تتعمق فيه جراح المواطن المغربي وقد وجد نفسه ما بين نيران الفقر والمرض وانعدام الأمن والجفاف… هناك من يزيد هذه الجراح عمقا وألما بالإنفاق على التوافه والبوائق، ويغدق على أهل الغناء والرقص والمجون بلا تؤدة ولا تفكير، وكأنهم يعطون عطاء من لا يخشى الفقر، أو لا يعاني من ويلات ومشاكل.
يعيش المغرب هذا العام على إيقاعات متنوعة ومختلفة ولعل أبرزها إيقاع موجة الجفاف التي تجتاح البلاد، فقد عرفت هذه السنة شحا في الأمطار؛ مما أثر على المردودية الفلاحية واضطر الدولة إلى الاستنفار لمواجهة آثار الجفاف وتبني مخططات على مستوى وزارة الفلاحة لاحتواء الأمر.
موازاة مع اتساع الحديث بين المواطنين عن الجفاف هذا العام، وبث الأحزان والتخوفات الناتجة عنه في ما يتعلق بالمعيشة وتقلباتها وغلائها؛ حديث الناس هذا لا يخلوا من دعوات بالرحمة الإلهية والاستمطار، والاستغاثة بالملك الكريم سبحانه، لكن ماذا بعد؟
إن وضعا كهذا يفترض وقفة صادقة مع الذات لمراجعة أحوالها وكشف عوارها وإصلاح مكامن الخلل فيها، لأن شح السماء أمر مرتبط بواقع الناس وممارساتهم التي حادت عن جادة الصواب وابتعدت عن دين الله، وهذا مقرر في شرع الله لا ينكره إلا علماني جاحد يكره ربط الظواهر الكونية بالسنن الإلهية.
فمن تأمل واقع الناس حين تكون السنة خصبة يرى كيف يقابلون نعم الله بالنكران والجحود والمعاصي، وها هو الصيف على الأبواب وما أدراك ما الصيف، ومع ذلك يستمر فضل الله وعطاؤه رحمة منه وحلما. لكن التمادي يقتضي الردع حتى تعود النفوس عن غيها وضلالها.
في الأيام الأخيرة أكرمنا الله بأمطار مباركة يقول العارفون أنها تنبت الكلأ للحيوان، وليست في صالح الزرع وهو من نصيب الإنسان أصالة، فسبحان الله رب العالمين الذي سقى العجماوات التي لا ذنب لها وهي المسبحة في كل وقت وحين، وحرم البشر الذين يقابلون نعم الله بالمعاصي سرا ومجاهرين.
إن من دواعي الحيرة والاشمئزاز في نفس الآن، أنه في الوقت الذي ينبغي لنا أن نعود زرافات ووحدانا إلى الله لاجئين متضرعين، منيبين مقبلين، خاضعين خانعين لذي العزة والجبروت، والملك والملكوت، حتى يرفع مقته وغضبه عنا، وأن يغير حالنا من سيء إلى أحسن، وأن يفتح علينا من بركات السماء والأرض، بعد هذا القحط الذي حير أصحاب الحساب والاقتصاد والتخطيط، وعكر عليهم صفو الأرقام والدراسات وتوقعات النمو، لا نفهم كيف يتمادى بعضهم في تفعيل سياسة المهرجانات التي تجمع كل الموبقات التي تغضب رب الأرض والسموات، وهذا كلام لا يعجب بني علمان ولكنه الذي نؤمن به حقا وصدقا.
هذا وإن لم تكن كذلك؛ فأقل ما يقال أنها مواسم للإسراف والتبذير وضياع الأموال فيما لا طائل منه، في وقت يتحتم على الجميع نهج سياسة التقشق ومنتهى الاقتصاد لمواجهة تبعات الجفاف، الذي يعد مصيبة كسبتها أيدينا وما يعفو عنه ربنا كثير، في الوقت الذي تتعمق فيه جراح المواطن المغربي وقد وجد نفسه ما بين نيران الفقر والمرض وانعدام الأمن والجفاف… هناك من يزيد هذه الجراح عمقا وألما بالإنفاق على التوافه والبوائق، ويغدق على أهل الغناء والرقص والمجون بلا تؤدة ولا تفكير، وكأنهم يعطون عطاء من لا يخشى الفقر، أو لا يعاني من ويلات ومشاكل.
هذا المهرجان لا يحقق مكسبا ولا مغنما كما يدعي منظموه، وإن كان من ربح فلا يخرج عن دائرة الأغنياء أرباب الفنادق والمطاعم والمتاجر الكبرى حيث يزيدون غنى على غنى، أما الفقير فلا مكسب له إلى ضياع أخلاقه وقيمه وكرامته وعفته، ولا مكسب له إلا انتشار الزنا والخمر والسرقة والاعتداء وهلم جرا.
هذا هو الماء العكر الذي تحرس عليه التماسيح، لأنه هو المناسب لعملية الصيد غير الشريف.
إن إقامة مهرجان كموازين في هذا الوقت بالذات رغم أنف الجميع؛ رغم أنف المعارضين، ورغم أنف الجفاف، ورغم أنف التحولات العربية، ورغم أنف الفقر وانتشار الجريمة، ورغم الكلفة المالية الباهضة… لأمر يدعو إلى الغرابة والشك؛ ألهذا الحد يتمسك بهذا المهرجان وتغدق الأموال الطائلة على من ليس في حاجة إليها أصلا. ويصير جزءا من مقدسات الوطن؟!
فهذا الإصرار والتمسك بإحضار نوع من الفنانين المأفونين كل دورة، وفي هذا الوقت بالذات؛ لا يدل إلا على شيء واحد وهو أن الأمر متعلق بمخطط ساري المفعول، وأن أمرنا بيد من لا نعلم، ومن يسوس شؤوننا حكومة ظاهرة آثارها خفية ملامحها. الله أعلم بها، لكن التاريخ كفيل بأن يكشف كل الأوراق.
أفلا يكون حريا بهؤلاء في مثل هذه الظروف العصيبة التي يمر منها الشعب المغربي، والأمة الإسلامية وجزء منها يذبح ويقتل، وتنتهك حرماته، أن يلغوه ولو مرة واحدة فتحسب لهم، أم أنه لا اعتبار لكل هذا أو بعضه، أي نفسية هذه، وأي قلب هذا الذي لا تؤثر فيه تبعات الجفاف، ولا إراقة الدماء، ولا مظاهر الفزع الذي يعيشه المواطنون نتيجة انعدام الأمن، ولا قساوة العيش التي يعيشها المغاربة في القرى والبوادي والمناطق المعزولة!!!
لا زال منطق السيبة واللامبالاة ساريا، فسبحانك لا تؤاخذنا بما يفعل السفهاء منا.