أقدمت المملكة العربية السعودية على قرار يعتبر من أخطر القرارات بعد قرار الاستعانة بالأمريكان في حرب الخليج الأولى، وذلك للأهمية البالغة التي يكتسيها المجال المستهدف بالقرار، وهو مجال الاحتساب وأجهزته وهيئاته، والذي يعتبر أهم قطاع يوكل له السهر على حماية الفضاءات العامة من أن تنتهك فيها أحكام الشريعة، للحيلولة دون التواطئ السافر على المعصية، أو الإعلان بها، حتى تصبح أمرا عاديا كما هو في أغلب البلدان الإسلامية.
ولقد عرف هذا القرار استنكار العديد من العلماء داخل وخارج السعودية، وأساء إلى عامة المسلمين وخاصتهم.
حيث رأى كثير من المراقبين أن قرار تفريغ هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من قواها، وشل حركتها وفعاليتها سيكون له ما بعده.
قرار تحجيم دور هيئة الحسبة جاء ثمرة نكدة لعقود من التشويه والكذب والبهتان والزور سواء من طرف القنوات الإعلامية في أوربا وأمريكا، أو في التقارير الحقوقية التي تصدرها الدول الغربية التي يهمها أن تصبح السعودية بلدا علمانيا، يمشي على خطا الدول الإسلامية التي عطلت العمل بالشريعة الإسلامية.
هذا بالإضافة إلى العمل المضطرد لليبراليي وعلمانيي البلاد الذين تمكنوا من مراكز القرار في العقدين الأخيرين.
إن نظام الحسبة السابق الذي عرف التعطيل وليس التعديل، كان بمثابة السمع والبصر واليدين والرجلين بالنسبة لمجموع النظم القانونية المؤطرة للسعوديين، وكان رجال الحسبة يمثلون العقل الذي يستعمل ذلك السمع والبصر ويحرك تلك اليدين والرجلين، كانوا يمثلون الجزء الواعي من مؤسسات الدولة الذي كان يحمي جسمها من أن تتسلل إليه ميكروبات العلمانية، ويحمي شعبها من أن تتآكل منظومة قيمه ومقومات هويته.
فالذين أبطلوا فعالية رجال الحسبة وقطعوا أيدي وأرجل نظام الاحتساب هم ممن قال الله فيهم: (والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما) [النساء:27].
لذا، فالميلان الذي ستشهده السعودية نحو الفاحشة والإعلان بها سيكون عظيما إن لم يتداركها الله برحمته.
فهؤلاء يعرفون أن نصوص القوانين لا تشتمل على ما يردع مَن يخل بالأخلاق العامة وبالمروءة، فعمدوا إلى تحجيم دور رجال الحسبة وإحالة اختصاصاتها إلى الشرطة لإبطال فعاليتهم، فلا سبيل إلى إشاعة الفساد سوى ذلك.
ثم إذا فسد المجتمع بعد حين، احتج العلمانيون بالتطور الاجتماعي لإبطال جزء آخر من الشريعة، ثم يستفحل الفساد وتنتقص عرى الإسلام في السعودية بلاد “الوهابية” عروة عروة، وستكون أول عروة تنقض كما قال الصادق المصدوق هي الحكم، وآخرها الصلاة.
لتلتحق بلاد الحرمين بالنادي الكبير للدول الإسلامية المعلمنة.
لقد أخبر سيدنا رسول الله أن فتنة وفساد كبير في الأرض سيحدثان لمجرد أن نستنكف عن تزويج من نرضى دينه وخلقه، فكيف ستكون درجة هذه الفتنة وهذا الفساد عندما سيمنع رجال الحسبة من إنكار المنكرات ومقدمات الموبقات، علما أن كل مقدمات الزنا مثلا، هي من المخالفات الشرعية التي لا يمكن وضع نصوص قانونية تنظمها وتشملها، كالاختلاط والخلوة، كما أن محاصرتها وردعها لا يتحمل بيروقراطية الإدارات بل لا يتأتى إلا بضبط المخالفة عند التلبس مع التدخل الفوري والإزالة حالة وقوعها، أما التبليغ بمحاضر عن المخالفات من جهاز راقب، وإرسال المحضر إلى جهاز منفصل عن الأول من حيث التراتبية فهذا لن تكون له أية فعالية في ضبط المجتمع وفق أحكام الشريعة.
ثم إن القوانين الوضعية (التي تزحف رويدا رويدا على النظم القانونية السعودية) لا تعترف بشيء اسمه الأخلاق لأن واضعيها يعتقدون أن الإنسان هو من يخلق القيم والأخلاق، وأن طبيعتها فردية لا يمكن إلزام الناس بها في إطار قوانين.
إذًا فإبطال فاعلية نظام الحسبة وإفراغ جهاز الحسبة من قوته، هو تطبيق لهذه المعتقدات العلمانية التي تجد من يدافع عنها وهم كثر.
إن على العاملين من أجل استرداد ما نهب، أن يعووا ويوعوا غيرهم بأن هذه الخطوة هي قفزة كبيرة مديدة نحو العلمانية، وفيها إضعاف كبير لسلطان الشريعة على العباد.
كما عليهم ألا يضعوا الأقلام وألا يفتروا عن الحركة والعمل حتى يتم استرداد حق المسلمين في حراسة شريعتهم.
إن ما تعيشه الدول الإسلامية اليوم كلبنان ومصر والمغرب والجزائر وتونس من تردٍ فظيع في الأخلاق وفساد في النساء والرجال، وهذا العدد الهائل من الأطفال الناتجين عن السفاح، وكذا انتشار المخدرات والخمر، حتى بلغ الأمر بالمجاهرة باللواط بعد التواطئ على زنا، لم يصبح واقعا مستعصٍ عن كل دافع، إلا بعدما قضى المحتل على القضاء الإسلامي ونظام الحسبة في تلك الربوع.
إن السعودية ليست كغيرها من البلدان الإسلامية إنها الوصية على قبلة المسلمين وحرميهم وفيها مدينة رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم ومهد ملتهم.
إبراهيم الطالب