الاغتصاب والتحرش الجنسي بالأطفال أرقام مخيفة ومواقف مخجلة عبد الله الزناسني

إن الأرقام المهولة التي سجلها التقرير جسدت بوضوح الانفلات الأخلاقي الذي بات يعاني منه مجتمعنا في السنين الأخيرة، انفلات طال أطفالا أبرياء لا حول لهم ولا قوة، وقعوا فرائس ذئاب بشرية انتكست فطرتهم، وشذت أخلاقهم، انحراف ساهم فيه الإعلام الهدام الذي ينشر الرذيلة ويشجع الفاحشة، ويمطرنا كل يوم بوابل من الصور المخلة بالحياء ويسوق لأفلام الجنس والدعارة والشذوذ…

أصبح الحديث عن الاغتصاب الجنسي للأطفال في المغرب اليوم حديث كل لسان، خاصة بعد الارتفاع المهول الذي عرفته نسبة الأطفال المتحرش بهم جنسيا، فقد كشف التقرير الذي أعدته جمعية “ما تقيش ولدي” أن الاعتداءات الجنسية على الأطفال في المغرب ارتفعت خلال سنة 2008 بنسبة 536% مقارنة مع سنتي 2006 و2007، وهو رقم سجل التقرير بأنه يتجاوز 6 مرات ما جاء به تقرير ”الائتلاف ضد الاعتداءات الجنسية على الأطفال” إلى حدود منتصف سنة 2007.
وتصدر الاغتصاب أشكال الاعتداء الجنسي على الأطفال، بما مجموعه 147 حالة اغتصاب بنسبة 48%، من مجموع 306 حالة اعتداء تضمنها التقرير السنوي للجمعية الذي تم تقديمه في شهر ماي 2009 بالرباط، وسجل التقرير أن 59 حالة اغتصاب كانت مصحوبة بالعنف بنسبة 19,82%، أما التحرش الجنسي فبلغ 96 حالة بنسبة 31,37%، وسجلت أربع حالات حمل ناتج عن اغتصاب بالنسبة للفتيات بنسبة 1,31%.
إن الاعتداء الجنسي على الأطفال هو استخدامهم من طرف بالغ أو مراهق لإشباع رغباته الجنسية، ويشمل تعريض الطفل لأي نشاط أو سلوك جنسي، أو مجامعة أو بغاء، أو استغلاله جنسيا عبر الصور الخليعة والمواقع الإباحية.
لقد ارتفعت الأرقام وتضاعفت ست مرات عما كانت عليه رغم طابع السرية الذي يكتسي عمليات الاغتصاب والذي يشكل عائقا أمام معرفة العدد الحقيقي للأطفال الذين تعرضوا لشكل من أشكال الاعتداء الجنسي في طفولتهم، بسبب الشعور بالخزي الملازم عادة لمثل هذه التجارب الأليمة والهروب من الفضيحة، أو من صلة النسب كذلك التي قد تربط المعتدي جنسيا بالضحية، ومن ثم الرغبة في حمايته من الملاحقة القضائية.
وقد أفادت رئيسة جمعية “ما تقيش ولدي” أن الخطر التقليدي الذي كان يهدد الأطفال اجتاز الشارع وأصبح الأفراد الذين لهم سلطة الإشراف والوصاية على الصغار يحتلون النسب الأولى في قائمة المعتدين جنسيا على الأطفال، بحكم تواجدهم في محيط الطفل واقترابهم منه وتعدد الفرص التي تمكنهم من استغلال ضحاياهم في منأى عن الكل، وأضافت أن 75% من الحالات المسجلة هم ضحايا أناس موثوق بهم من أب وعم وأم.. إلى غيرهم من الأفراد المنتمين إلى الوسط الذي يعيش فيه الطفل كالمؤسسة التعليمية والتربوية والترفيهية، وحتى منازل الجيران والعائلة مما يعكس خطورة الظاهرة التي تنخر في جسد المجتمع.
والطفل عادة يحتفظ بالسر دفينا داخله إلا حين تبلغ الحيرة والألم درجة لا يطيق احتمالها أو إذا انكشف السر اتفاقاً لا عمدا، هذا كله يجعل الطفل يفقد الثقة في نفسه وفي أسرته وفي المجتمع بشكل عام، المجتمع الذي لم ينصفه وهو المظلوم المعتدى عليه، ومرحلة الطفولة تكون من المراحل المبكرة للنمو النفسي لدى الإنسان، وأي اختلال فيها من هذا النوع يؤدي إلى زيادة إمكانية تعرض هذا الطفل لشتى أنواع المرض النفسي، وقد يسلك الطفل نفس سلوك الجاني بالاعتداء على آخرين كنوع من الانتقام.
لقد أكد المختصون أن أقل تحرش جنسي بالطفل قد يخلق عنده عاهة نفسية قد تدوم طول حياته، وتنمي لديه عقدة الخوف وإرادة الانتقام والقيام بسلوكات منحرفة تتوافق وما تعرض له في الصغر.
ومما يزيد من استفحال الظاهرة-الجريمة أن القائمين على معالجتها يسلكون طريق الفضح والتشهير مما يجرئ غيرهم من المنحرفين على خوض التجربة فيصبح هذا الأسلوب في المعالجة كأسلوب الأفلام والمسلسلات تفضح الآفات الإجتماعية بدعوى تكسير حاجز الصمت، فلا يزيد ذلك الظاهرة إلا انتشارا، وهذا ما يظهر جليا من خلال الأرقام المبينة أعلاه، مما يدل على أن هناك خللا في أسلوب المعالجة والتشهير.
ونظرا لكون القائمين على معالجة الظاهرة يقتبسون مناهجهم من دول غربية علمانية لهذا ينحون منحى الاعتماد على التربية الجنسية أكثر من اعتمادهم على التربية الإسلامية التي تربط الناس بالعقاب في الدنيا والآخرة، وترسخ الخوف من الله سبحانه الذي يمنع من الوقوع في مثل هذه القاذورات.
وأعجب كل العجب كيف يتشبث بهذا الأسلوب في المعالجة، وقد ثبت بالملموس انعدام جدواه حتى في الدول الغربية، حيث لا تنقطع الشكوى من طرف التلاميذ من كون حصة التربية الجنسية تشكل بالنسبة إليهم معاناة حقيقية، وذلك لما يواجهونه خلالها وبعدها من تحرشات جنسية، كما أنها تفتح المجال بينهم للنقاش مما يفسح الطريق للمرضى لاصطياد ضحاياهم.
ثم إن العقوبات القانونية المتعلقة بجريمة الاغتصاب والاعتداء الجنسي على الأطفال لا تتوافق وحجم الجريمة المقترفة، مما يجرئ من ابتلي بهذا الشذوذ على حصد المزيد من الضحايا، فكيف يكتفى بالحبس لمدة سنتين إلى خمس من هتك دون عنف أو حاول هتك عرض قاصر تقل سنه عن 18 سنة؟
إن الأرقام المهولة التي سجلها التقرير جسدت بوضوح الانفلات الأخلاقي الذي بات يعاني منه مجتمعنا في السنين الأخيرة، انفلات طال أطفالا أبرياء لا حول لهم ولا قوة، وقعوا فرائس ذئاب بشرية انتكست فطرتهم، وشذت أخلاقهم، انحراف ساهم فيه الإعلام الهدام الذي ينشر الرذيلة ويشجع الفاحشة، ويمطرنا كل يوم بوابل من الصور المخلة بالحياء ويسوق لأفلام الجنس والدعارة والشذوذ، انحراف ساهم فيه الأبَوان اللذان لم يربوا أبناءهم وفق مبادئ الشريعة الغراء، أبوان يكسون أبناءهم وبناتهم خاصة أزياء ضيقة مثيرة مخلة بالحياء والحشمة، جريا وراء صيحات الموضة وما أفرزته دور الأزياء الغربية.
إن الأبناء أمانة في أعناق آبائهم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته..” فعلى الآباء أن يحوطوا أبناءهم بالرعاية التامة والتربية وفق مبادئ ديننا الحنيف، وتوعيتهم وتنبيههم إلى الأخطار التي تحدق بهم، وعلى المسئولين وولاة الأمر أن يضربوا بيد من حديد على يد كل من سولت له نفسه المساس بأبنائنا، باستصدار القوانين التي تتوافق مع ما حكم به رب العالمين فيمن تلبس بهذا الجرم العظيم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *