هل يقطع الصلاة من كثرت عليه وساوس الشيطان؟

نص الفقهاء أنه لا يجوز لمن دخل في صلاة الفرض أن يخرج منها دون وجود عذر شرعي يبيح له ذلك، لقوله تعالى: (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) محمد:33.
وكذلك لا ينبغي للمصلي أن يقلب نيته من فرض إلى نفل مطلق إلا إذا كان ذلك لغرض صحيح، كمن يقلب فرضه في صلاة انفراد إلى نفل مطلق؛ ليدرك الجماعة.
قال المرداوي رحمه الله في “الإنصاف” (2/27-28): “إذَا أَحْرَمَ بِفَرْضٍ فِي وَقْتِهِ ثُمَّ قَلَبَهُ نَفْلًا، فَتَارَةً يَكُونُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ، وَتَارَةً يَكُونُ لِغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ غَرَضٍ صَحِيحٍ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَصِحُّ مَعَ الْكَرَاهَةِ …وَأَمَّا إذَا قَلَبَهُ نَفْلًا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ، مِثْلُ: أَنْ يُحْرِمَ مُنْفَرِدًا ثُمَّ يُرِيدُ الصَّلَاةَ فِي جَمَاعَةٍ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَجُوزُ وَتَصِحُّ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَأَكْثَرُهُمْ جَزَمَ بِهِ” انتهى.
لكن يقال هنا: إن تغيير النية من فرض إلى نفل -أو الخروج من الصلاة وابتداءها من جديد-، لأجل أن المصلي لم يصل بتركيز أو خشوع، يُخشى من ذلك أن يفتح على الإنسان باباً من أبواب الوسوسة، فما من صلاة- في الغالب- إلا والشيطان له فيها حظ ونصيب، فقلَّ من يصلي وهو حاضر القلب من أول الصلاة إلى آخرها، فلو كل واحد سها في صلاته أعاد الصلاة، أو قلب نيته من فرض إلى نفل، لما انتهى الأمر.
ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم من كثرت عليه وساوس الشيطان في صلاته حتى صار لا يدري كم صلى، لم يأمره بالخروج من الصلاة ولا بقلبها نفلا، وإنما أمره بالبناء على اليقين ثم يسجد للسهو، فهذا هو العلاج الشرعي لهذه المشكلة.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا؟ فَلْيَطْرَحْ الشَّكَّ، وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ) رواه مسلم (571).
وعلاج الوساوس والأفكار يكون بالمجاهدة والمدافعة ابتداء، فإن غلبت الوساوس والأفكار المصلي، فإنه يستعيذ بالله منها ويتفل عن يساره ثلاثاً، كما جاء عند مسلم (2203): “أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلَاتِي وَقِرَاءَتِي، يَلْبِسُهَا عَلَيَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خَنْزَبٌ، فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ، فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْهُ، وَاتْفِلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلَاثًا)، قَالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ، فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّي”.
ثالثاً: إذا كثر شك المسلم في صلاته، فإنه لا يلتفت إلى هذا الشك، ولا يسجد له للسهو، وإنما يبني صلاته على ما يغلب على ظنه، ويتمها على هذا.
نسأل الله أن يرزقنا وإياك الخشوع في الصلاة، وأن يذهب عنا وساوس الشيطان، إنه جواد كريم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *