ما إن ألقى الدكتور أحمد الريسوني كلمته في مؤتمر منظمة التجديد الطلابي، وتناقلتها بعد ذلك وسائل الإعلام، حتى خرجت مجموعة من المنابر التابعة للرفاق لتعبر عن شجبها وغضبها واستنكارها لما جاء في كلمة الفقيه المقاصدي.
فمن خلال وقائع متعددة يتأكد للمتابع أن كتابات وتصريحات الريسوني تقع موقعها، وتؤثر بشكل كبير في الرفاق والمعادين للمرجعية الإسلامية، من أحزاب وجمعيات ومنابر إعلامية، ولم تخرج كلمته التي ألقاها بمؤتمر منظمة التجديد الطلابي الجمعة 4 غشت 2017 عن هذا الإطار.
“الأحداث المغربية” وغزوة الريسوني
اعتبرت “الأحداث” كلام الريسوني بمنظمة التجديد الطلابي “خرجة ملتبسة المقاصد” وكلامه “خطابا ينهل من قاموس التطرف”.
وأضافت بأن “الريسوني المعروف بمواقفه الملتبسة في قضايا سياسية وحقوقية برر ادعاءه بأن بؤس الجامعة وخرابها في خراب الأخلاق”.
وفي هذا الإطار استقت اليومية المثيرة للجدل رأي أحمد الدريدي منسق ما يسمى بـ(الجبهة الوطنية لمحاربة الإرهاب والتطرف) والذي قال بلهجة المهاجم المغضَب بأن “التيار الذي يدافع عنه الريسوني قضى على الفكر المتنور الحامل لقيم الحرية والديمقراطية داخل الجامعة”، وأضاف أن من “وصلوا إلى الحكم في غفلة مما يسمى بثورات الربيع العربي همهم الأساسي هو التراجع عن كل المكتسبات التي حققها الديمقراطيون على نسبيتها”، وأن مهمتهم هي “اجتثاث المشروع الديمقراطي الحداثي والذي جاء جزء منه في دستور 2011″، ليختتم بعد ذلك كلامه أنه “بسبب طلبة العدالة والتنمية وتيارات أخرى تقاسمهم التوجه نفسه أصبحنا نرى داخل الجامعات أسابيع ثقافية لطرد الجن وعذاب القبر بدل سنوات كان فيها الفكر والأغنية والرسم والمسرح والتشكيل هو عنوان الجامعة”.
“الاتحاد الاشتراكي” ومرجعية سنوات الرصاص
خصصت يومية لسان الحزب الذي يقوده “إدريس لشكر” في عدد اليوم الإثنين مادتين إعلاميتين للهجوم على الريسوني، الأولى ليونس مجاهد وصف فيها مدير “مركز مقاصد” بـ: “القيادي المعروف بولائه للتيارات الظلامية الخليجية”، متهما إياه بممارسة “قراءة مختزلة لسنوات طويلة من النضال الذي مارسته منظمة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب”.
ليضيف مجاهد بعد ذلك في افتتاحيته التي عنونها بـ”مرجعية سنوات الرصاص” بلغة غاب عنها التحليل وغلب عليها السب والتعيير، أن “نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يتزعمه يوسف القرضاوي ليس له من مرجعية لقراءة تاريخ الحركة الطلابية والجامعية سوى مرجعية إدريس البصري والأجهزة القمعية”.
هجوم رفاق الوردة الثاني قاده عبد الحميد جماهري من خلال شبه مقال عنونه بـ”يوم فتح الريسوني «ظهر المهراز».. وضمها إلى دولة الإسلام”! تساءل فيه عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي الذابل في عهد الرفيق إدريس: “هل يعيد الشيخ أحمد الريسوني توجيه الطلبة الإسلاميين نحو محاربة اليسار، والعودة إلى الفتح العقدي”.
وليحكم بعد ذلك على كلام الريسوني بأنه “جعل من الإلحاد والكفر اليساريين المفترضين، جوهر المهام لدى الحركة الطلابية الإسلامية”.
آخر ساعة: “الإخواني الريسوني يكفر طلاب المغرب أمام العثماني”
تحت هذا العنوان كتبت الجريدة الإلكترونية “كشك” التابعة لمجموعة “آخر ساعة” التي أنشأها إلياس العماري الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، أن “أحمد الريسوني شيخ وفقيه الإخوان المغاربة، أظهر في تصريح جديد، وأمام سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، والعشرات من الطلاب وكتائب البيجيدي، الجانب الخطير من الإخوان بالمغرب، إذ اعتبر أن منظمة التجديد الطلابي هي من أدخل الإسلام للجامعات المغربية، مكفرا بذلك أجيالا من أبناء الوطن”.
ووفق اليومية ذاتها، التي تناصب حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح عداء كبيرا، فالريسوني “أظهر إحدى الجوانب المظلمة من هذه المنظمة العالمية “إخوان المسلمين” من خلال فرعها بالمغرب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح التي كان يترأسها، وغيرها من المنظمات والهيئات التابعة لإخوان المغرب، إذ تعتبر أن الإسلام الحقيقي هو ما يدعو إليه ويتحدث به وعنه قيادات ومشايخ ودعاة هذه المنظمة”.
غير أن المثير -ووفق المنبر ذاته- “هو أن تكفير الطلاب المغاربة من طرف الريسوني، كان أمام أنظار ومسامع العثماني رئيس الحكومة، ورئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية وغيره من قيادات الحزب”.
في الختام وحتى نضع النقاط على الحروف
تجدر الإشارة إلى أن الريسوني كان يتحدث عن التاريخ الذي مرت به الجامعة المغربية، وقال بالحرف في كلمته بمؤتمر منظمة التجديد الطلابي يوم الجمعة أن “المنافسة في تعطيل الدراسة، إخراج الطلبة من الأقسام بالقوة والإكراه، السب والشتم، التهديد، إعدام حرية الفكر والتعبير، حينما نتحدث في الجامعة في بداية السبعينيات كنت أقولها ومازلت: كان الدين الرسمي الوحيد هو الماركسية واللينينية والإلحاد والعبثية، ولا شيء يسمح به سوى ذلك، يحاكم من يكتشف أنه يصلي، تحاكم الفتاة الطالبة المتحجبة، يحاكم من يبدأ بسم الله الرحمن الرحيم إلخ”..
وأضاف أن “التجديد الطلابي هذه الكلمة جاءت لتجاوز تلك المرحلة وتلك الوضعية، هذه المنظمة تجاوزت الشيء الكثير، وأسوأ ما تجاوزته المنظمة أنها لم تبق العمل الطلابي كما ذكرت، ولم تبقه مجرد تبعية للأحزاب.. بل انتقلت أطوارا وارتقت درجات في تطوير العمل الطلابي والنضال الطلابي، هذه المنظمة نجحت نجاحا كبيرا في توجيه البوصلة إلى الاهتمام بالقضايا العلمية وبالجامعة من حيث هي جامعة”.
هذه هي كلمات الريسوني التي أرَّخ بها للمرحلة التي عاشها وكابد معاناتها، لكن المنابر المذكورة، كعادتها في التعامل مع مثل هذه التصريحات، تعسفت بل افترت ولم تقف مع الخبر والمعلومة التاريخية لتحللها وتناقشها أو لتأتي بما يخالفها وينقضها، حيث انتقلت مباشرة إلى لغة التهديد وتكميم الأفواه والرمي بالتطرف والتكفير، وأكثر من ذلك الاستهزاء والاستهتار بمسائل عقدية من ضمنها عذاب القبر.
واقع الجامعة في الماضي لا يمكن إخفاؤه برمي التهم جزافا، ومعاناة المحجبة والمصلي ومن ذكر اسم الله في مجامع الرفاق واقع لا يرتفع، والأمر لم يكن قاصرا على الطلبة فحسب، حيث شمل أساتذة فضلاء منهم علال الفاسي وعبد الله كنون والمكي الناصري وكثير من رموز فكر الحركة الوطنية كانوا يعانون من التهم الجاهزة للرفاق (الظلامية الرجعية..).
وهذا شيء مفهوم إلى حد ما، خاصة إن تذكرنا أن مرجع الرفاق وهو الاتحاد السوفيتي سابقا، موقفه من التدين كان متطرفا إلى أقصى حد، وكان يعتبر الدين وسيلة لتخدير الشعوب وإضعافها، وارتكب اعتبارا لذلك جرائم وإبادات جماعية في القوقاز وألبانيا والقرم.. ودول آسيا المسلمة، ورفاق المغرب متشبعون بفلسفة المد الأحمر ونظرته للكون والحياة والإنسان، فمفهوم بالنسبة لنا لماذا يعادون كل مصلح يصدر عن المرجعية الإسلامية والهوية المغربية خاصة إن كان له حضور وتأثير في الواقع.