مواجهة الفكر الخرافي القبوري مسؤولية الجميع “موسم علي بن حمدوش نموذجا” 3/3 محمد القريفي

لا شك أن تعامل العديد من القطاعات الحكومية مع شتى المظاهر الخرافية الشركية التي تمارس في فضاءات المواسم والأضرحة بالمغرب عموما، وموسم علي بن حمدوش (المتواجد بضواحي مدينة مكناس) خصوصا، ما زال دون المستوى المأمول، اللهم إلا إذا استثنينا الجانب الأمني الذي أثبت فعالية أجهزته في إفشال مخططات الشواذ جنسيا (اللواطيين) الذين كانوا يعتزمون جعل موسم ضريح “سيدي علي بن حمدوش” ملتقى سنويا يجتمعون فيه بهدف التعارف والتلاقي وممارسة أفعالهم الشاذة.
وبسبب هذا الحرص تستحق الأجهزة الأمنية بمختلف مستوياتها كل التنويه والتقدير، حيث ألقت قوات الدرك الملكي في آخر موسم الشهر الماضي القبض على عشرات الشواذ في إطار محاصرتها لوصولهم إلى الموسم بعد أن تداولت أنباء عن عزم هؤلاء تنفيذ ”إنزال” بالموسم لإقامة طقوسهم الخاصة.
كما شهد مدخل الجماعة تعزيزات أمنية مشددة، حيث تم التأكد من هوية جل الوافدين على الموسم، وفضلا عن مراقبة الطرق، قامت قوات الأمن بحملات تفتيش للمنازل التي يشتبه احتضانها للشواذ الذين استطاعوا الوصول إلى موسم الضريح من خلال سلوك طرق فرعية لا تخضع لمراقبة الأمن.
إذا استثنينا هذا المجهود، فإن التعامل الحكومي لا يجسد الفعالية المطلوبة في التصدي للفكر القبوري الخرافي الشركي وتمظهراته المبثوثة في كل مكان، وكذا اجتثاث كل العوامل المشجعة على تلك المخالفات العقدية، وأقتصر في هذا النطاق على النماذج التالية:
أ- مسؤولية النظام التعليمي المغربي بتهميشه تعليم العقيدة الصحيحة
يلاحظ على قطاع التعليم بمختلف مستوياته غياب وتهميش تعليم العقيدة الصحيحة في كل المقررات الدراسية، ومن هنا لا نستغرب إذا شاهدنا فتيات وشبابا ما زالوا يتابعون دراستهم الثانوية والجامعية، يواظبون على زيارة موسم سيدي علي بن حمدوش وغيره من الأضرحة والمواسم كل سنة، ويتلبسون بالممارسات والطقوس التي تشهدها والغارقة في الشرك والبدعة كالذبح لغير الله والاستغاثة بأصحاب القبور ودعائهم لكشف الضر وجلب النفع.
ب- مسؤولية وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية عبر تبنيها مشروع إحياء الأضرحة والمواسم
بصمتها وعدم فضحها لما يجري في هذه الأضرحة والمواسم الخرافية.
وذلك بغياب مشروع تعليمي مكثف يعظم التوحيد ويحذر من الشرك والخرافة وتقديس الصالحين والأوثان، ثم من أولى أولويات العالم والخطيب أن يدافع عن الأمن العقدي، إذ بلا أمن عقدي لا يوجد دين ولا استقرار روحي، وتستفحل المظاهر الشركية التي تمهد لخراب الأديان والعمران، وبالتالي تنزل منزلة الأمة الإسلامية بين الأمم..
لكن للأسف، أغلب علمائنا وخطبائنا ظلوا بعيدين عن الانخراط في المواجهة الفكرية لشبهات القبوريين والخرافيين، ومن ثم فرغت الساحة العلمية أمام دعاة الشرك والقبورية والخرافة والسحر والكهانة والعرافة.
فهل سيتدارك العلماء والخطباء تقصيرهم، ويقومون بحماية الدين إلى جانب إمارة المؤمنين؟!
إن تحقيق هذه الأهداف يقتضي أولا إرادة قوية لدى وزير الأوقاف، ثم اتخاذ إجراءات مضبوطة تقطع العلاقة مع “زمن التساهل مع المظاهر القبورية والخرافية ” وحالة “الفوضى العقدية ” وترك الحبل على الغارب للدجاجلة والقبوريين والمشعوذين والسحرة، يضحكون على ذقون الناس ويستنزفون أموالهم، ويوجهونهم تبعا لقناعاتهم الخرافية الشركية.
ج- مسؤولية الإعلام بالتواطؤ في الدعاية المجانية للمظاهر الخرافية الشركية
قطاع الإعلام سواء الرسمي أو الحزبي أو المستقل، والذي إذا استثنينا منه عددا ضئيلا من الجرائد، لا يجعل من مواجهة الفكر القبوري والمظاهر الخرافية الشركية إحدى معاركه الرئيسية. بل إن بعض الصحف صارت لسان حال بعض السدنة القيمين على الأضرحة والمواسم، تغطي إعلاميا كل تحركاتهم وأنشطتهم وتروج لهم أباطيلهم. إنها عن قصد أو دونه تصور المشرفين على الأضرحة والمواسم كما لو أنهم فئة وقع عليها الظلم ويتعرضون لمحاولات التشويه والتضليل والتعتيم الإعلامي، علما أن ما يقع في هذه الأماكن من طقوس شركية ودعارة وشذوذ جنسي لم يعد يخفى على الجميع.
والأخطر في وسائل الإعلام هذه انحيازها لتبني أطروحات الخرافيين ضد الأمة والمجتمع بما تروجه من ترهات مفادها أن المواسم والأضرحة تشكل إحدى مكونات الحقل الديني، وأن ترسيخها وإحياءها يسهم في تحقيق الأمن الروحي للمغاربة.
د- مسؤولية النخبة المثقفة
لم تكن الثقافة في يوم من الأيّام عاملاً لتكريس الخرافة والوهم، والصمت عن قول الحقيقة، فالثقافة في بعدها الحضاري عامل بناء ونقد ونهضة وتوعية. لكنها عند بعض المثقفين المغاربة الذين مازالوا يعيشون في أبراج عالية بعيدا عن قضايا وهموم مجتمعاتهم خلاف ذلك، فلطالما قرأنا لهم عما يسمى بنقد الفكر الديني تمهيدا لدولتهم العلمانية المشئومة، وفي المقابل لم نسمع من يستنكر منهم تلك الطوام العقدية التي تنتشر في الأضرحة والمواسم الشركية، وبدل أن يستنفد هؤلاء الجهد والطاقة لانتشال أبناء مجتمعاتهم من مستنقعات الخرافات القبورية، على اعتبار أن هذه الأخيرة من أكبر العقبات في طريق التنمية المنشودة، بدل ذلك يشحذون أقلامهم المسمومة للطعن في الثوابت والبديهيات..
هـ- مسؤولية الدراسات الأنثربولوجية في التنظير للشرك والدعاية له
خاصة بعض الدراسات التي انحازت بشكل كلي وسافر لصالح الدعاية المجانية للمواسم والأضرحة. وأذكر في هذا المقام تلك القراءة السوسيولوجية لبعض الباحثين المغاربة، من ضمنهم الباحث نور الدين الزاهي الذي يعتبر أن ما يجري في فضاء هذه المواسم هو نوع من الاحتجاج الاجتماعي، وكأنه احتجاج على ما يحصل في الخارج، أي المجتمع العام على حد تعبيره.
وليته وقف عند هذا الكلام الذي يراد من ورائه “تضبيع” القارئ من خلال دفعه لا شعوريا للتطبيع مع تلك المخالفات العقدية التي تعرفها مختلف الأضرحة والمواسم بالمغرب، بل إنه يقترح إدماج الفضاء الطقوسي في الحداثة عوض الحديث عن إغلاق الأضرحة حسب زعمه”..، وبذلك على الأقل نقول أن هذه الظاهرة ما زالت هنا، وبهاته الكيفية لا نقول أنه يجب البحث في كيفية جعل هذا الفضاء الطقوسي فضاء حاضرا داخل فضاء الحداثة. ولماذا لا ينتقل هذا الفضاء الطقوسي ويتوزع بين تشغيله في التحليل النفسي أو المسرحي أو السينمائي؟ ولم لا يتحول إلى مجال يدخل ضمن التراث؟ وحينها يمكن زيارته، ليس طلبا للعلاج بل لأنه جزء من الذاكرة الجماعية للمغرب،..”. وللإطلاع على المزيد من مغالطات هذا الباحث نحيل القارئ على جريدة الشروق المغربية العدد 51 ص11 بتاريخ 27 مارس إلى 3 أبريل 2009م.

قد يتهمنا بعض القراء خاصة أولئك الذين لهم اهتمام بالدراسات السوسيولوجية بالمبالغة والتهويل، وأن ما قلناه عن الزوار الذين يزورون الأضرحة والمواسم عموما وموسم علي بن حمدوش خاصة، محض قراءة أخلاقية “إسلاموية” الدافع فيها هو الرغبة في إيقاف مثل هذه المواسم!!
طبعا لن أجيب عن هذه الشبهة بنفسي، وإنما أفسح المجال لعلم من أعلام الدعوة السلفية المغربية، يتعلق الأمر بالعلامة عبد السلام السرغيني رحمه الله تعالى (1354ﻫ)، الذي قال محذرا الناس من الوقوع في حبائل الشيطان المؤدية للشرك بالله واعتقاد صواب الشعوذة والخرافة:
“وقد زاد الأمر بهذه الحضرة كغيرها، حتى وصل الحال إلى الشرك بالله قولا واعتقادا، لا سيما طائفة النساء، فقد رأينا وسمعنا من ذلك ما ينفطر له كل قلب دخله الإيمان فمهما مرض لهم إنسان أو أصابه محذور ذهبوا إلى الشواف أو الشوافة، وسألوه عن المريض، وما به يزعمون أنهم يعلمون الغيب!!
فما أخبر به من سبب الداء وطرق الدواء اعتقدوا ذلك صحيحا، فتارة يقول لهم: إن الذي أصابه (سيدي حمو) وشفاؤه في لبسه ثوبه الخاص به من الألوان، وتارة (مول الغابة)، ولابد له من ثوب خاص، أو(موسى) أو(ميرة)، أو غير ذلك من مفترياتهم الباطلة، فيعتقد ذلك المريض أنه لا بد له من ذلك الثوب الخاص فمهما بلي لا بد له من خلفه وإلا حل به البلاء والمرض.
وتارة يقول لهم لا بد من الليلة، فيجمعون طائفة العبيد ويرقصون على طبولهم، ولا تسأل عما يقع في ذلك من المناكر التي لا يرضاها من له أدنى مسكة من عقل، فضلا عمن له غيرة على حريمه، فيعتقد ذلك المريض أن شفاءه في ذلك، فيفعل ذلك، رغما عما يلزمه من الخسائر الدينية والدنيوية، وصار شبه النساء من الرجال يعتقدون ذلك ويفعلونه، بل ربما فعل ذلك من ينسب إلى العلم، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وهذا الاعتقاد الفاسد لم تعتقده لا اليهود ولا النصارى، ولا المجوس ولا ملة من الملل فيما علمنا وبلغنا، وهذا غاية الحمق والسفه فضلا عن الشرك بالله الفاعل بالاختيار الذي لا يعلم الغيب سواه ولا يبرئ من الأمراض والأدواء إلا إياه: “وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ”.

وصل اللهم على محمد وآله وصحبه وسلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *