هكذا يتبادل أمثال عسولي وحميش الأدوار خلال المشهد الحقوقي الحضاري التنموي المزعوم في بلادنا، فبالأمس القريب ثارت ثائرة عسولي ومن على شاكلتها لقضية زواج الصغيرة، وتدفق العطف الحقوقي لدى هؤلاء على الفتيات والبنيات، بل بلغ بهم “النضال الباسل” إلى المطالبة بإلغاء المادة 20 من المدونة، والتي تفسح المجال للقاضي لتزويج من دون سن الثامنة عشرة حين الكفاءة والأهلية مما يقدره، وتحديد السن في 24 سنة -يعني إلغاء المادة 19 كذلك- مؤكدين على إنزال أشد العقوبات بالأب أو الولي الذي يخالف ذلك.. وما لبثت المدعوة عسولي إلا أياما قلائل حتى رفعت عقيرتها ضد آية الميراث مطالبة بالتسوية بين الذكور والإناث، وإن لم يجد طلبها الأذن الصاغية الآن، فستعاوده مرات ومرات ولو بعد حين.. وستبدي لك الأيام ما أقول وما خفي أعظم..
ثم تولت المدعوة حميش الدور الثاني فظهرت تدعو في قلة حياء صارخ (عبرت عنه بعدم الخجل ودون أدنى مركب نقص) أنها مستعدة لتوزيع العازل الطبي في الثانويات وقاية -في زعمها- من الإصابة بفيروس السيدا، وقد يُستغرب استثتاء بنات وبنين مرحلة الثانوي التأهيلي الذي لا ينفصم عن مرحلة الثانوي الإعدادي بشيء، ولا يختلف عنه في شيء حتى فيما جاء به الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي اعتبرهما مكونا واحدا متماسكا وسمه ‘التعليم الثانوي’. وإلا فما الفرق بين تلميذ(ة) الأولى ثانوي تأهيلي وتلميذ(ة) الثالثة إعدادي؟؟ أهذه راشدة وتلك سفيهة؟؟ أم هذه بالغة وتلك قاصرة؟؟ أم ماذا..؟؟ -الشيء نفسه بالنسبة للذكور-.
بأي منطق تتعامل هذه المرأة؟ وبأي ميزان تحكم؟ أم هي الأهواء هي لها تذعن؟
فلنترك الحديث عن البلوغ الشرعي فقد أجابت عنه رفيقتها على الدرب العسولي، ولندعها إلى التقسيم السيكولوجي لمن ترضى من “رواد” علم النفس والتربية ممن وراء البحار، فهذا “جان بياجي” يحدد المرحلة العمرية الممتدة من 13 سنة فما فوق ضمن مرحلة واحدة سماها هو بـ’المجردة’، تشترك أعمارها من المنظار النفسي الوجداني!! فلم التفريق يا ترى؟؟
لكن السر وراء التفريق والاستثناء هو عمق “فقه” حميش في التدرج لتعميم هذا “الأسلوب الوقائي الناجع”؛ بل هو الدهاء المرحلي لعدم إثارة عواطف لا زال فيها من اليقظة اليسير، ولا أدل على هذا من قول حميش: [وهنا نخاف أن نصدم الأسر]، وقولها: [لا أراهن على طلب ذلك (التوزيع المجاني للعازل الطبي في الثانويات) من وزيرة الصحة ياسمينة بادو، لا يجب أن نطلب منها الكثير، خاصة وأنها نجحت بإقرارها لكينة الهلال فيما فشل فيه خمسة وزراء قبلها كانوا قد رفضوا جميعا تسويقها، أعتقد أن الكرة في ميدان المجتمع المدني لمحاولة توزيع العازل الطبي في الثانويات] فتأمل!! وحتى تفهم الرسالة أشرحها لك باللسان الدارج: (هِي بْشْويا ما تْكثروش على اللاياسمينة راه دارت اللِّي ما داروه خمسة رجال وزراء قْبلها، ودْوزت كينة الهلال -الله يجزيها بخير- نشوفو غيرها..).
وتزديك حميش هذه دلائل على قناعتها إلى النخاع الشوكي بنجاعة وفعالية وسائل الوقاية هذه، لتعتبره أحد مشاريعها المستقبلية من أجل ملاءمة رسائل الوقاية مع مختلف فئات الجمهور، فهي ماضية، فاسمعها تقول: [وينبغي أن نأخذ بعين الاعتبار أن هذا الأمر -تغيير سلوك الشباب في الإقبال على العازل الطبي- يتطلب عملا طويل الأمد]. ومما يؤكد مضيها في تنفيذ الخطط الاستدلال بأرقام مهولة لتوزيع العازل في صفوف ممتهني الجنس -على حد تعبيرها- (الزاني والزانية بلسان الشارع)، واعتبار ذلك من الفخر ومن يمن السعد ((ألا ساء ما يحكمون)).. وتؤكد المضي في استخفاف مهول لمشاعر المغاربة المسلمين على شاشة قناة 2M “الحيية، الخجولة، العذراء” بعرض العازل وبيان أحجامه ومقايسه في صورة متفسخة تدعو إلى سحق ومحق ما بقي من الحياء، خلال الحملة الثانية ‘سيداكسيون’ للتبرع لصالح المصابين بداء السيدا التي أقيمت من 8 إلى 31 دجنبر 2008.
ولست بصدد ذكر الطرائق الشرعية المفيدة التي تكسب المناعة ضد أمراض فقدان المناعة لرد حميش وجمعيتها عن خطها، فذلك دوني ودونه خرط القتاد، لعلمي المسبق أن حميش وأخواتها من نواسخ الحياء لا يصلح معهم إلا قول النبوة السابق: «إن لم تستح فاصنع ما شئت» كيف لا والأنموذج الحميشي هو القائل: [العفة لا تملى، إذا أراد الشباب أن يتعففوا فذلك اختيارهم (شْغْلْهُم هذاك) غير أن التزام العفة إلى حين الزواج ليس حلا واقعيا من وجهة نظري، يتم الزواج في المغرب بشكل متأخر في السادسة والعشرين أو السابعة والعشرين وأول اتصال جنسي يمكن أن يكون حدث مبكرا]! ولك أن تتأمل ثانية تكامل الأدوار، فالعسولي تدعو إلى تأخير الزواج لتنعيم البنات والبنين بريحانة العمر والسنين، شريطة الأخذ بوصية حميش في الاعتناء بعازل الأمان الثمين!!! رحماك ربي رحماك.
فحسبنا أن نسائل أولئك: أليس هذا يهدد الأمن الروحي؟؟
أليس يهدد البعد التربوي لميثاق التربية والتكوين؟؟
أليس هذا يهدد الأمن الاجتماعي؟؟
أليس هذا يهدد الأمن السياسي؟؟
أليس هذا يزعزع الثوابت -وعلى رأسها السلوك الجنيدي-؟؟
ولا ينبغي أن يفهم القارئ الكريم من كلامنا الذي سبق حب الشماتة فيمن ابتلي بهذا الداء، كما أننا لا ننكر المجهودات المبذولة من أجل الحد من الإصابة به، وإنما اعتراضنا على المنهج العلماني الذي تتعاطاه الجمعيات والفعاليات وعلى رأسها حكيمة حميش مع ملف محاربة الداء، التي لا تقيم للدين وزنا في المقاربة المنتهجة، بل تتنقص من تعاليم الإسلام في العفة، وهو ما يجعل من عملها في توزيع العوازل الطبية والدعوة إلى استعمالها دون أن يصاحب ذلك حملة لإنكار جريمتي الزنا والشذوذ مشجعا على المزيد من ارتكاب الفواحش، لأن الحرص على تأمين العلاقات الجنسية خصوصا بين القاصرين، يشجع أبناءنا الصغار على اقتراف كبيرة الزنا ما داموا في أمان من الأمراض وفي حرز من الحمل الذي يمكن أن يكون نتيجة للعلاقات الجنسية المحرمة في شرع الله.
ولهذا وجب التنبيه على ضرورة إعطاء الخطاب الشرعي حقه في مكافحة هذه الظاهرة حتى يرتدع الشباب عن اقتراف ما حرم الله من زنا ولواط واللذان يعدان من أهم أسباب الإصابة بداء فقدان المناعة المكتسبة.