عندما يسمّى العري تصالحا مع الجسد إبراهيم الوزاني

تحدثت العديد من المنابر الإعلامية عن الصور المخلة بالحياء لمرشحة حزب الجرار بمنطقة بولقنادل بسلا، وقد خلفت تلك الصور استنكار العديد من المغاربة، حتى أن بعضهم قال: لقد وظفت جسدها في حملتها الانتخابية..

غير أن وقفتنا مع هذه الحادثة، هو ما خطته إحدى صحفيات جريدة الأحداث المغربية والمسماة فطومة نعيمي في العدد 3758 عندما أشادت بالمرشحة وما قالته في استطلاع القناة الفرنسية “تي في5” (وهذا يفسر أن العين الأجنبية لا تغفل على إبراز وإظهار نماذج الحداثة ومظاهر التسيب الأخلاقي في بلدنا على أنهم النموذج الذي نجح في واقعه)، بل بلغ بها السفه الخلقي للقول: “..هي نموذج لشابات اليوم، إنها امرأة من هذا الزمن: عصرية متصالحة مع نفسها وذاتها وكذا مع جسدها، الذي قد تكون تفخر به كهبة ربانية حباها به الخالق، وهذا ليس عيبا..”..
فلماذا يوهمنا هؤلاء أن المرأة لا تكون متصالحة مع جسدها إلا إذا عرت عورة جسمها؟ وأن هذا التصالح يزداد كلما ازداد ذاك العري؟ وباستحضار مفهوم المخالفة هل المرأة التي احتجبت أو انتقبت هي غير متصالحة مع جسدها؟
لا شك أن الجواب نعم، لكن عند من يجعلون المادة هي المحرك الأساسي لتصرفاتنا، بحكم أن الطبيعة خلقتنا عراة على حد قولهم، وهذا أيضا يتناسب مع تصريحات علمانيي الغرب الذين يشنون الحروب ضد حجاب المسلمة ونقابها، وآخر تمظهرات ذلك تصريحات ساركوزي عن النقاب وأن المرأة سجينة فيه (يؤكد تلك الخصومة مع الجسد)، وهذا التفسير يذكرني كذلك بقول إحدى شهيرات هوليود وقد صورت عارية في إحدى المجلات الغربية: “أنها الآن أكثر تصالحا مع جسدها”..
ومع هذا الصراع الذي تعيشه المتحجبة فهي ليست من شابات اليوم، وليست من هذا الزمن، لأنها لم تسمع بالجينز الفاضح، ولا بـ”البودي” الخفيف الذي لا يستر شيئا، إنها لا تعرف دور الموضة ولا محلات الزينة، إنها لم تضع قدمها يوما في محلات “التجميل” و”المساج”….، لذلك فهي خارج الزمن، بل هي تعيش في جغرافيا الصحراء والبادية..
سبحان الملك، تصير التي تعيش زمانها مع تجنبها معصية الله، غطت جسدها بلباس الطهر والعفاف، تزينت لزوجها في بيتها، استطاعت أن تعيش العصر مع الحفاظ على أصالتها وهويتها وقيمها ودينها، هي التي تعيش خارج الزمن!
وبدل أن تشكر نعمة الله (عند كاتبة الأحداث) بستر ذاك الجسد كما أمرها خالقها، تحرف الحقيقة، وتصحح المغالطة، ليصير العري افتخارا بالهبة الربانية المتمثلة في جمال الجسد، فحقه التعري لا الستر، وليس ذلك عيبا!
نعم ليس عيبا أن تتعرى المرأة العصرية المتصالحة مع جسدها عند من يحمل قيم ومبادئ الفكر الغربي العلماني، الذي يجعل الدين عبارة عن طقوس وممارسات فردية، يجب أن تبقى في أماكن العبادة ولا تخرج للمجتمع والشارع، إن من يحملون هذا الفكر يريدون أن يجردوننا من حيائنا، ويمنعوننا من امتثال أوامر ربنا، يريدون أن يحرموننا من كل قيمة وخلق..، إنهم يتبنون المغالطة اللوطية (عند قوم لوط عليه السلام) والفرعونية، كما في قوله: “وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ” الأعراف82، وقوله تعالى: “وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ” غافر26.
فمتى يدرك هؤلاء المستغربون أنهم هم من يعيش خارج زمانه، لأنهم لا يرون في التقدم المدني الأوربي إلا العري والموسيقى والتخفف من الدين وأحكامه، فأوربا لما كانت في ظلمات جهلها كان علماؤها ومفكروها يترجمون كتب علماء المسلمين في الهندسة والرياضيات والفيزياء والكمياء والفلك، بينما علمانيو البلاد المسلمة ومنها المغرب يترجمون المسرحيات ويدبلجون الأفلام المكسيكية إلى الدارجة، وهذا ما يثبت لنا أن هؤلاء المساكين هم من يعيش خارج زمانه ومكانه، فالقيم التي يدافعون عنها توجد هناك في أرض الغرب العلماني المادي، أما المغاربة فلا يحتاجون غير دينهم الذي لا يفصل بينهم وبين دنياهم بل يحثهم على حيازة كل أسباب القوة من أجل أداء رسالتهم في هداية البشرية إلى حقيقة مطلقة هي وجود الله والتي ينبغي أن تتفرع عنها كل الحقائق الأخرى..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *