غزو لفرنسيس (لشرق المغرب) 1900-1902 ذ.إدريس كرم

 1- البعثة “الفلمنكية” تصل إيكوستين، وقت مهاجمة منطقة عين صلاح، واحتلالها.

ملخص الموضوع:

يستعرض الموضوع الكيفية التي تم بها احتلال عين صلاح، وقتل رجالها عن طريق مؤامرة مدبرة من قبل كولون افرانسيس الجزائر، ليدخلوها نفس اليوم بلا قتال.

كلمات مفاتيح:

البعثة الفلمنكية، إيجوستين، عين صلاح، لقليعة، وركلة، تيدكلت، الهكار، حاسي-منكار، تادميت، فكارى، القايد الحاج المهدي، قصبة اولاد باجدو، فاس، باريس، طنجة.

نص الموضوع:

*** البعثة “الفلمنكية” تصل إلى إيجوستين، وقت مهاجمة عين صلاح، واحتلالها:

حوالي منتصف دجنبر 1899، نشرت قوافل صغيرة قادمة من لقليعة، شائعة في عين صلاح، مفادها، أن رتلا فرنسيا يتشكل في وركلة، ليتجه نحو الجنوب، ولا يعلم هل سيتجه لتيدكلت، أم إلى الهكار، وقد لاحظ رعاة الجمال من اولاد دحان، أن فرقة المهاري (راكبو الجمال) الفرنسيين كانت مسافرة عبر تادميت؛ فماذا كانوا سيفعلون؟

وبالصدفة، أرسل أعيان وقياد عين صلاح، بعدما أجروا مشاورات بينهم، مهاري (راكب جمل) إلى حاسي-منكار -يبعد بحوالي 80 كلم- على الطريق القادمة من وركلة، وكان المبعوث يحمل رسالة، يذكر فيها أن عين صلاح، وتيدكلت، هي أراضي شريفية، ويدعوا أي قوة فرنسية إلى الامتناع عن الدخول لها، كما تم إبلاغ والي إحامد.

بقي المبعوث يومين أو ثلاثة عند البئر، ينتظر من يجيء، ليسلمه الرسالة، فنفدت مونته، وخاف وصول الكولون المعلن عنه، ملأ البئر، ووضع فوقها بضعة صخور دَسَّ بينها الرسالة، ورجع.

“اخترق السرب الصحراوي تادميت، فوجد آبار الفكار مغلقة، مما اضطره للذهاب للفكارة الكبرى، لسقي مواشيه، كان السكان معادين، وكان على الفرسان أن يقَبِّبُوا الكثبان الرملية، -ويدهم على البنادق-” ليجعلوا حوضا، يجمع فيه الماء للماشية.

أهالي الفكارة الكبيرة، أنذروا على الفور قياد عين صلاح بالحادث، الذي كانوا قد علموا به في نفس الوقت تقريبا، وهو أن قوة من لفرانسيس تقدر على الأقل بخمسين رجلا، كانت تعسكر بالقرب من إكوستين.

وفي تلك الليلة نفسها، جمع القايد الحاج المهدي كل قومه، واستدعى أهل الكصور المحيطة، الساحلان، حاسي الحجرة، اولاد يحيى، اولاد دحَّانا، وكبيرهم بوعبّا، جاء لينام في كسره بإكوستين، المشار له كنقطة تجمع، ثم غادره مع شروق الشمس على رأس أكثر من 300 مقاتل بملابس احتفالية، وأعلام مرفوعة، للقاء لفرنسيس المعسكرين على بعد 6 كيلمترات.

بعدما كان الفريقان متواجهان على بعد مائة متر بينهما، وبينما كان يتقدم شخصان من كل فريق نحو بعضهما للتفاوض، أطلق حرطاني من فريق عين صلاح عيارا ناريا من بندقيته، جعلت القوات الجزايرية تسارع بإطلاق النار على رجال عين صلاح، فقضوا عليهم، لأنهم كانوا في العراء على ظهور الخيل، وكانوا مقتنعين بأن المسألة سيتم تسويتها بالتفاوض، لذلك سرعان ما تفككوا وتفرقوا، مطاردين من قبل الجزائريين إلى أن وصلوا لإغوستين، مكبدين خسائر فادحة، فقد قتل حصان القايد الحاج المهدي وهو ممتطيه، وأصيب هو نفسه بثلاث رصاصات، وتم نقله إلى منطقة فوكارة الحاج عبد القادر، على بعد 2000 متر، حيث توفى هناك بعد يومين.

لكن الجزائريين لم يتوقفوا عند هذا الحد؛ بل عادوا بسرعة لمعسكرهم، الواقع على نفس تلك الفوكارة، ثم انتقلوا بعد الظهر لعين صلاح، حيث جاء عندهم باقي السكان مساء للهضبة، التي كانوا معسكرين بها، لإعلان خضوعهم، وهي المكان الذي بني فيه المركز الفرنسي الحالي.

في صباح اليوم الموالي، عسكرت قوات افرنسيس الجزاير الصغيرة، أمام باب قصبة اولاد باجود، فوق التي رفع عليها العلم الثلاثي الألوان (1899/12/29).

في ذلك الوقت تم إرسال البريد من قبل الأعيان لوالي إحامد، وقد شهدنا وصوله غير المتوقع إلى تيمي، في نفس الوقت الذي وصل كوم وركلة الصغير، بقيادة الكابتن باين، لدعم السرب الصحراوي، وضمان سلامة اثنين من العلماء البؤساء الباحثين عن الحجارة، الذين وجدا نفسيهما فجأة، في خندق الصراع حول مسألة التوسع الفرنسي في الواحات، والتي كان النقاش يدور حولها لفترة طويلة، بلغت عشر سنوات في: فاس، طنجة، الجزاير، باريس، وبين سفراء القوى الكبرى مجتمعين.

2- عين صلاح تحذر من هجوم قادم (للفرنسيس)

نيابة عن إخوانكم وحلفائكم من الأب للابن، الحاج عبد السلام بن دهَّاج بن الحاج احمد… وغيرهم… إلى أولئك الذين نعتز بهم بشكل خاص، إلى إخواننا وحلفائنا، وجميع رجال أنكار، وكل المرابطين كالعرب (العوام) صغارا وكبارا، تحية وسلاما…

وبعد:

أيها الإخوة والأصدقاء، نعلمكم ونحذركم، -أننا لا نعبد إلا الله لا غيره- أن سيدي العربي بن قدور بن حمزة، الزاوية، الآغا، برفقة العديد من القوات، قد وصلوا هنا للتو، هناك أيضا اشعابنا لقليعة، وركلة، ومتليلي، وقوات الحكومة الفرنسية، مصحوبين بثلاث مدافع، وسيحدثون فيكم دون إبطاء العجب العجاب.

إخواننا وأصدقاؤنا، نحن معكم روحا واحدة، لك اليوم وصل من يأمرنا ويأمركم، بقوة وأسلحة لا تقهر وسيذبحونكم وكل المقربين منكم، من يومه إلى ما بعد العيد مباشرة (الذي سينهي شهر رمضان).

أيها الإخوة نعلن لكم ونخبركم بما يتهددكم، ونرسل لكم بهذه الرسالة من سيدي العربي بن قدور:

إذا اعتمدتم الطريقة التي نرى نحن، وسيدي العربي فلن يؤذي ذلك إلا إلى السلام والهدوء، بالنسبة لكم وتنقذون بلدكم من أي تخريب.

في الواقع نحن لا نشكل معكم إلا روحا واحدة، وكل خير وكل شر يؤثر فينا وفيكم، بنفس الوقت الذي يؤثر علينا جميعا.

هذا ما يجب أن نخبرك به والسلام.

في 29 رمضان 1317(1900/1/31).

كانت هذه الرسالة محاولة مصالحة، أملاها بسخاء الكومندار الفرنسي، في محاولة لتجنب إراقة الدماء، لكن أهل أنكار دفعتهم في الإتجاه المعاكس، روح المقاومة والاستعدادات لها، والتي انغمست فيها باقي البلاد.

3- فشل هجوم لفرنسيس على إنكار

سرعان ما تعافى الدغامشا الهاربون من الفزع الذي أصابتهم به النيران الرهيبة، لسلاح لم يشكوا في قوته، وبدلا من العودة لمنازلهم، استقروا في كصر إنكار، الواحة الأقرب لغرب عين صلاح، يراقبون من هناك الحي المسيحي، ويستعدون للذهاب لشن هجمات جديدة عليه.

لكن لا بد من وصول وحدات اتوات، وهي فترة طويلة سمحت للحامية الفرنسية الصغيرة في عين صلاح، بفترة راحة، وتلقي أولى التعزيزات المكونة من 250 من الرماة الصحراويين، تم إحضارهم من لقليعة، بقيادة الكومندار بومكارتين.

وبذلك أصبح وضع لفرنسيس متينا للغاية خلف أسوارها، بيد أن ذلك لم يكن كافيا، إذ كانوا بحاجة إلى “الهواء” كان لا بد لهم من رعي جمالهم العديدة المسرجة، والمعدة للحرب.

لكن المحيط المباشر لعين صلاح لم يقدم أي مورد، في حين تم العثور على غابة غنية جدا بالنباتات على الطريق المؤدية إلى أنكار.

باختصار لم تكن مدينة عين صلاح نتيجة، بل كانت على الأكثر، مجرد مرحلة تدشين العمل للوصول إليه؛ لذلك تقدم الكومندار الفرنسي لغزو أنكار ابتداء من 24 دجنبر.

بدأت عملية الغزو حوالي الساعة العاشرة صباحا، حيث اقترب الرماة الصحراويون من قصبة اولاد-خديجة؛ فتراجع العدو للقصبة، وحبس نفسه بها، وظل الوضع على ذلك الحال خلال ليلة 24-25 كان لفرانسيس يطلق طلقات بنادقه بين الفينة والأخرى، لثني العدو على محاولته تنفيد هجوم مضاد.

استمر تبادل إطلاق النار دون نتيجة، طيلة يوم 25 وفي صباح يوم 26 عندما تبين للرتل أنه لن يتمكن من اقتحام القصبة، لعدم توفره على مدفع، عاد لعين صلاح.

————

أنظره في: …quat.siec.d,his.mar (ص:323-329).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *