تقويم تجربة البنوك الإسلامية وآفاقها

افتتحت أشغال الندوة بتلاوة قرآنية كريمة، أخذ بعدها الكلمة الدكتور عبد السلام بلاجي رئيس “الجمعية المغربية للاقتصاد الإسلامي”، رحب فيها بالحضور مبتدئا بالعلماء، ومثنيا بالأمراء، ثم الخبراء الاقتصاديين وسائر الحضور، وأشار في كلمته الافتتاحية إلى أن مشروع البنوك الإسلامية تمت المصادقة عليه من المجلس الحكومي.
ثم أعطى الكلمة لسمو الأمير محمد الفيصل مشيدا بجهوده وجهود والده على مستوى النضال من أجل إرساء دعائم مصارف إسلامية.
كلمة الأمير فيصل٬ رئيس مجلس إدارة مجموعة بنوك فيصل الإسلامية
أوضح الأمير أن المسلمين في معاملاتهم مكلفون بلزوم شرع الله سبحانه وتعالى، وتوخي الحلال وتوخي الحرام، مؤكدا على أن مجموعة بنوك فيصل الإسلامية جعلت هذا المبدأ منطلقها منذ تأسيسها سنة 1975، مبرزا أيضا أنها حققت بفضل الله نجاحا كبيرا وانتشارا واسعا، وأنها سعيدة بالاستثمار في المغرب.

المغرب وإمكانيات التوسع في التمويل الإسلامي
ثم أخذ الكلمة بعده إبراهيم بن الخليفة عضو مجلس المشرفين بدار المال الإسلامي الذي قدم للندوة ورقة تحت عنوان “المغرب وإمكانيات التوسع في التمويل الإسلامي”، مقسما مداخلته إلى محورين أساسيين:
1- وضع الاقتصاد والتمويل في المغرب.
2- مستقبل التمويل الإسلامي في المغرب.
مشيرا في مستهل مداخلته إلى أن المغرب دولة مستقرة سياسيا، وذات اقتصاد واعد، مرجعا أسباب الاستقرار إلى اشتمال النظام السياسي على أسرة حاكمة لقرون عديدة وحكومة منتخبة وبرلمان نيابي وقضاء راسخ.
ثم فصل عناصر التطور الاقتصادي في المغرب الذي يبشر بمستقبل واعد، وقدم على ذلك مؤشرا وهو احتلال المغرب المرتبة 59 على مستوى العالم من حيث الناتج المحلي الذي يعرف نموا مضطردا، كما يحتل في ذلك المرتبة الخامسة على مستوى أفريقيا.
وبعد شرح العوامل الاقتصادية لهذا الإنتاج انتقل الشيخ إبراهيم إلى بيان أن الاقتصاد المغربي يموله جهاز مصرفي تقليدي يتكون من 19 مصرفا تحت قيادة بنك المغرب، مبرزا ضعف التمويل الإسلامي، الذي يرجع إلى قانون المصارف الذي لا يسمح بإنشاء مصارف إسلامية.
وفي عام 2007 سمح للمصارف التقليدية بأن تقدم التمويل الإسلامي تحت مسمى “منتجات بديلة”.
ثم وافق بنك المغرب سنة 2010 لبنك “التجاري وفا” على فتح نافذة للمنتجات المالية الإسلامية في شكل شركة تسمى “دار الصفا”.
وبعد هذا انتقل إلى المحور الثاني من مداخلته ليبرز أن التمويل الإسلامي قادم بقوة للمغرب في السنين المقبلة، مرجعا الأسباب إلى ما يلي:
1- كون هذا التمويل في مد مضطرب في أرجاء العالم الإسلامي.
2- اكتسابه مصداقية وزخما بعد الأزمات المالية العالمية.
3- تولي حكومة ذات توجه إسلامي.
4- أغلبية مسلمة ترحب بالتمويل الإسلامي.
بعد ذلك أسند الدكتور بلاجي الكلمة للأستاذ عبد الرحمان محمود حمدي وزير سابق في الحكومة السودانية والعضو المنتدب ببنك “الرواد للتنمية والاستثمار”.
وقد أجاب في مداخلته عن عدة أسئلة:
لماذا ندعوا لقيام بنوك إسلامية؟
وما الذي يميزها عن غيرها من المصارف؟
وهل نجحت البنوك الإسلامية؟
وما هي انتظاراتها؟
في إجابته على السؤال الأول أكد المحاضر أن المسلم من منظور العقيدة الإسلامية خُلِق لعبادة الله وعمارة الأرض، وأنه مكلف بالتزام المبادئ التي تتوقف عليها العبودية، ومنها المبادئ الحاكمة للتصرف المالي للإسلام.
مشيرا في هذا الصدد إلى أن الإسلام جاء بنظام اقتصادي متكامل، ونظام اجتماعي راسخ، بين الأستاذ المحاضر معالمهما، مُرجعا تميز المصارف الإسلامية إلى العوامل المذكورة.
وقد رد نجاح تجربة المصارف الإسلامية إلى ذلك التميز، وهو ما برز من خلال مؤشرات جماعها انتشار الفكرة والمؤسسات الحاملة لها، واضطراب واستمرار ونمو تلك التجربة، مع ما واجهته من صعوبات منذ الشروع في تنفيذ الفكرة عامي 76 و77 للميلاد.

تقديم تجربة البنوك الإسلامية وآفاقها
ثم أخذ الكلمة الأستاذ عبد الحميد أبو موسى محافظ بنك “فيصل الإسلامي” المصري، مستهلا مقدمته عن تاريخ الصناعة المصرفية الإسلامية، والإنجازات التي حققتها، ثم أدار رحى محاضرته على ثلاثة محاور:
– الأول: طرح لأهم الفروق الجوهرية بين الصيرفة الإسلامية والصيرفة التقليدية.
– الثاني: عرض لأبرز المتطلبات التشريعية اللازمة لتفعيل حقيقي لنظام الصيرفة الإسلامية.
– الثالث: استعراض موجز لتجربة بنك “فيصل الإسلامي” المصري منذ نشأته حتى الآن.
وقد أرجع الفروق المشار إليها إلى النشأة، وطبيعة النشاط، وشروط الودائع، وضوابط استثمار الأموال، وحيثيات الربح والخسارة، والعلاقة بالمجتمع، وممارسة النشاط التجاري والصناعي، ومفهوم الرقابة.
ثم انتقل المحاضر إلى شرح المتطلبات التشريعية لعمل نظام مصرفي إسلامي جنبا إلى جنب مع نظام مصرفي تقليدي.
وإلى بيان مسيرة بنك “فيصل” مؤكدا أنه أحد أهم البنوك العاملة في السوق المصرية، وأنه رائد الصيرفة الإسلامية بهذه السوق، حيث تأسس سنة 1977 بإقرار من مجلس الشعب المصري، مبرزا أن الغرض الأساسي من إنشائه هو القيام بجميع الأعمال المصرفية والتجارية، وأعمال الاستثمار، وإنشاء مشروعات التنمية الاقتصادية والعمرانية، فضلا عن أداء الخدمات الاجتماعية عن طريق صندوق الزكاة بالبنك؛ كما وضح أن للبنك هيئة رقابة شرعية مستقلة، ومنتخبة عن طريق الجمعية العامة للبنك، مشيرا إلى أن أنشطة البنك عرفت منذ بدايتها إقبالا كبيرا، وقد انتقل رأس المال من مبلغ 8 ملايين دولار عند التأسيس إلى 500 مليون دولار اليوم، وأن عدد حسابات البنك بلغت مليون و50 ألف حساب.
ثم تحدث المحاضر عن إنجازات البنك التي ترجع إلى تضاعف إجمالي الأصول، وتصاعد ودائع العملاء، وارتفاع الموارد الذاتية للبنك، ونمو أرصدة التوظيف والاستثمار، وإسهام الخدمات المصرفية في التطور التكنولوجي، وتحسين الخدمات الاجتماعية.
البنك الإسلامي في المغرب، التاريخ والانتظارات
آخر المشاركات في الندوة كانت من نصيب الدكتور عبد الرحمن الحلو عضو “الجمعية المغربية للاقتصاد الإسلامي” مجموعة “دار المال الإسلامي”، والتي جعلها تحت عنوان “البنك الإسلامي في المغرب، التاريخ والانتظارات”، وقد افتتح مداخلته بسرد كرونولوجي لمراحل إدماج العمل المصرفي الإسلامي في المغرب منذ سنة 1985 التي قدمت فيها أولى طلبات إنشاء بنك إسلامي إلى البنك المركزي من طرف مجموعتين دوليتين، إلى سنة 2013 التي صادق فيها مجلس الحكومة على المقترحات والتعديلات على القانون البنكي لفتح المجال للتمويلات المصرفية الإسلامية.
وفي سياق بيان انتظارات المواطنين والفاعلين الاقتصاديين بالمغرب أوضح الدكتور الحلو أن مؤسسة “IFAAS” أجرت بحثا ميدانيا أظهر أن %94 من المغاربة يهتمون بالمالية الإسلامية وأن %88 من المستجوبين راغبون في التعامل بمنتوجات مطابقة للشريعة.
وبعد الإشارة إلى حجم هذه التمويلات في السوق المغربية الذي لم يتجاوز %0,1 إلى حدود سنة 2010، أبرز المتدخل الآثار الإيجابية المتوقعة للتمويل المصرفي الإسلامي على الاقتصاد الوطني على الصعيد الاقتصادي والماكرو اقتصادي والاجتماعي، منتهيا إلى الخلاصة التالية:
العمل المصرفي الإسلامي في المغرب يوافق الاستثناء المغربي، ويكتسي حلة البنك التشاركي مع آفاق واعدة، إن شاء الله.
ثم فتح بعد ذلك باب المداخلات فأخذ الكلمة عبد اللطيف وهبي النائب عن حزب الأصالة والمعاصرة؛ فوجه انتقادا لهذه التجربة الجديدة في المغرب معربا عن تخوفه من أن يكون لها تأثير سلبي على أداء البنوك التقليدية؛ وقد عقب عليه الأستاذ حماد القباج الذي أخذ الكلمة بعده؛ وقدم مداخلته على شكل باقات ثلاثة؛ هنأ في الأولى منهن الشعب المغربي؛ لا سيما من يؤمن بمبدأ تحريم المعاملات الربوية وهم فئة واسعة من الشعب صبرت كثيرا وضحت بحقوق كثيرة في سبيل الامتناع عما حرم الله؛ مهنئا هذه الفئة بقول الله تعالى: “إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِين”.
وأما الباقة الثانية فكانت شكرًا وجهه الأستاذ حماد القباج المنسق العام لجمعيات دور القرآن إلى كل من الحكومة المغربية والجمعية المغربية للاقتصاد الإسلامي؛ ومجموعة بنوك فيصل الإسلامية؛ وعلى رأسها سمو الأمير محمد بن فيصل آل سعود، وقد خص القباج الدكتور عبد السلام بلاجي بشكر حار مشيدا بنضالاته المتعددة المجالات؛ واصفا إياه بالرجل الصالح المصلح الذي يعمل خلف الأضواء.
وفي تعقيبه على عبد اللطيف وهبي قال القباج أن قضية المصارف الإسلامية هي قبل كل شيء قضية مبدأ وعقيدة؛ يرتقي أصلها الشرعي القائم على تحريم الربا إلى درجة القطعي المعلوم من الدين بالضرورة، وما هذا شأنه فلا يجيز الإسلام -وهو دين الدولة الرسمي دستوريا- إخضاعه للنقاش وعرضه على الخيار والاختيار، مبرزا أن أصل الموضوع قائم على النصوص القطعية؛ وأن ما يقدم عليه المغرب هو تجربة عمرها يزيد على ثلاثة عقود.
نشير إلى أن مداخلة المنسق العام لقيت رضا من جل الحضور؛ واهتزت لها جنبات قاعة الندوات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *