هل القضاء على العربية الفصحى شرط “لبعث” الأمازيغية المنمطة؟ ذ.الحسن العسال

في 17 ذي الحجة 1340هـ/16 ماي 1930م أصدر الاستخراب الفرنسي قانونا سماه “الظهير المنظم لسير العدالة في المناطق ذات الأعراف البربرية، والتي لا توجد بها محاكم شرعية” وهو المعروف باسم الظهير البربري، الذي عارضه الوطنيون، وقاموا بقراءة “اللطيف” في المساجد، احتجاجا على سعي سلطات الاستخراب إلى التفرقة بين العرب والأمازيغ، بل اعتبروا أن هذا الظهير ما هو إلا محاولة لتنصير الأمازيغ، أملا في إضعاف المقاومة المتنامية آنذاك، من خلال الاستفراد بكل مكون على حدة، ليصدق في المغاربة حينئذ المثل القائل: “أكلت يوم أكل الثور الأبيض”، وفي ضرب سافر للوحدة التي تحطمت على صلابتها شوكة الاستخراب.

ولم يكتف الاستخراب بالظهير الآنف الذكر، بل أنشأ الأكاديمية البربرية بباريس بعد استقلال الجزائر في 5 يوليوز 1962م، قصد إلغاء عروبة الجزائر والمغرب العربي كله، ومن ثمَّتَ ضمان استمرار هيمنة اللغة الفرنسية على إداراته.
والآن تتم محاولة إحياء ظهير 1930م تحت شعارات شتى، الجامع بينها هو معاداة كل من ينافح عن العربية الفصحى، واعتبار ذلك مسا بشعور “الأمازغويين” !
ففي صيف 2010م انتقد الكونغريس العالمي الأمازيغي(1) توجهات الوزير المنتدب لدى الوزير الأوّل المكلّف بالجالية المغربية المقيمة بالخارج، محمّد عامر، لا لشيء إلا لأن توجهاته دعت إلى تلقين مغاربة العالم ركائز اللغة العربية وثقافتها، وفق مخطط استعجالي أعلَن عنه أواخر يونيو 2010م بالرباط، خلال مشاركته ضمن لقاء دولي منظم من قِبل مجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج. وقامت ضده حملة شعواء، لم تطل أبدا الفرانكفونيين، استنكرت ما سمته “سياسة التعريب التي يُخطط لها كي تُفعّل ببلدان استقبال مغاربة العالم بعدما فشلت في الوطن الأمّ وطالبت بالتراجع الفوري عن هذا المخطط الاستعجالي الإقصائي الذي أفصح عنه وزير الجالية المغربية، حاثة إياه على أخذ الأمازيغية وثقافتها بعين الاعتبار، لكونها لغة غالبية المهاجرين المغاربة”.
وكل هذا الهجوم الشرس يقع على العربية، وبهذه الطريقة الفظة، مع أن الدستور ينص على أن اللغة الرسمية للمملكة هي العربية، فهل سيتم إعدام كل من تكلم عن العربية ونافح عنها، بعدما نصت مسودة الدستور الجديد على أن الأمازيغية لغة رسمية(2)، وليس فقط وطنية؟
وفي السياق ذاته، ثارت ثائرة وزارة الخارجية الهولندية على نفس الوزير، عقب تصريح وضح فيه عزم الحكومة المغربية التواصل مع المغاربة، بتدريس العربية وثقافتها، والرفع من عدد المستفيدين من مثل هذه الأوراش، من 60.000 سنة 2008 إلى 150.000 بحلول 2012، علاوة على وصفه مقام مغاربة المهجر، بالجهة الـ17 للمغرب.
فما كان من الحكومة الهولندية إلا أن اعتبرت -هي الأخرى- هذا التصريح تراميا على سياسة الإدماج المعتمدة من قبلها في حق الأجانب، كما لاقت ذات التصريحات تداولا على المستويين الوزاري والبرلماني.
فهل واجب الأمازغويين -العرقي- يفرض عليهم السير بالموازاة مع عقلية المركزية الأوربية، في عهدي الاستخراب والاستقلال، خارج المغرب وداخله، الهادفة إلى “بعث” الأمازيغية على حساب العربية الفصحى؟
يدعي الأمازغويون أن الأمازيغية جزء من الهوية المغربية، وهم في الحقيقة يقصدون أن الأمازيغية هي الهوية المغربية، لأنهم يرفضون أن يصنف المغرب نفسه رسميا ضمن الدول العربية، أو أن يكون عضوا في الجامعة العربية، أو أن ينتمي إلى المغرب العربي الكبير(3)، في الوقت الذي تتهافت بعض جمعياتهم على الكيان الغاصب في فلسطين. وتنتهز أي فرصة للنيل من المكون الأساس للهوية المغربية، والمتمثل في الإسلام.
يقول أحدهم: “لا يخجل العرب والمسلمون من تخلفهم(4)، بل يفخرون به على الهواء، ولا يتركون فرصة تمر دون أن يُضحكوا عليهم العالم”، ويدعي -من فرط حقده على العربية الفصحى- أن انتشارها في الشبكة العنكبوتية، بحيث تحتل الرتبة السابعة عالميا، ليس منشأه المجالين العلمي والتقني، وإنما منشأه المجال الديني، والخطاب السجالي حول الصهيونية ونظرية المؤامرة..
وحتى لو سلمنا له بهذا الادعاء، فستبقى العربية أكثر انتشارا، وأقوى إقناعا بشهادة الخبراء، وبعيدا عن أي غوغائية سياسية، وهذا ما لم تحقق منه الأمازيغية المصطنعة مثقال حبة من خرذل، ولن تستطيع، لأن ما يعتبره هذا المرجف أنه أخطر ما يهدد العربية، ألا وهو القرآن الكريم، هو بالفعل سرُّ قوتها، وإكسير خلودها، والحصن المنيع الذي ترتد عند أسواره كل الغارات الأمازغوية والفرانكفونية المعادية للغة الضاد.
ولنضرب مثالا على ذلك من التراث الأمازيغي نفسه، والمتمثل في الألواح السوسية(5)/ألواح جزولة(6) التي تمت كتابتها باللغة العربية معنى ولفظا وليس لفظا فقط، كدليل قاطع على تشبث الأمازيغ الأحرار باللغة العربية، لغة الدين والدراسة والكتابة، مع الاحتفاظ باللغة الأمازيغية للتعامل اليومي، ضدا على نابتة السوء التي تصطاد في الماء العكر، المجهَّز من طرف الاستخراب في مختبر الظهير البربري.
ولنضرب مثالا آخر من الواقع؛ للدلالة على التعايش التلقائي بين الوجدانين العربي والأمازيغي، بعيدا عن التشنج الأمازغوي المصطنع، لحاجة في نفوس أصحابه، يقضون بها مآربهم، هذا المثال يتعلق بالثورات العربية، التي من خلالها يمكن طرح السؤال التالي، والذي يتضمن الجواب في رحمه، هل استُثْنِي الأمازيغ من الثورات العربية؟
أو بعبارة معكوسة: هل عندما قامت الاحتجاجات في القبائل الأمازيغية الجزائرية، وخصوصا في تيزي وزو -منذ سنوات- ساندها الأمازيغ في الشمال الإفريقي وجزر الكناري وبوركينافاسو، ليقيموا ثورة أمازيغية؟
ومن جحد الجواب فليسأل ثوار جبل نفوسة المرابطين مع إخوانهم العرب في ليبيا.
من هنا نقول: إن التوجه إلى ترسيم اللغة الأمازيغية في مسودة الدستور الجديد، عوض اعتبارها لغة وطنية فيه، هو أول خطوة رسمية لإثارة النعرات العرقية، مادام التيفيناغ حرفا غير شرعي للأمازيغية المتنوعة التي يتحدث بها عدد لا يستهان به من المغاربة، فالضغط الذي مارسه الأمازغويون تم بنوع من المغالطة والانتهازية في الطرح.
1- لأن الترسيم المقصود هو للغة المنمطة المعيارية المختبرية، التي لا يتقنها حتى أشد المنافحين عنها.
2. لأن الأمازيغ لا علاقة لهم بهذه اللغة، إذا لم نقل إنها طلاسم بالنسبة لهم، وليست أبدا لغة أم، كما يحاول الأمازغويون أن يوهمونا بذلك.
3. لأنهم يوحون إلى الأمازيغ أنهم يدافعون عن لغة أجدادهم التي يتواصلون بها في تداولهم اليومي، والأمر بخلاف ذلك.
إذن، ما الهدف من ترويج لغة أجنبية عن الأمازيغ وعن المغاربة، وهدر الأموال والجهود والوقت لتعلمها وفهمها، ومن ثمة السعي إلى “ترسيخها” بترسيمها؟
إن تراث الأمازيغ شفوي -ونحن نعتز به- أما تراثهم الكتابي فلا وجود له إلا في عقول أصحاب الفتنة(7)، بل إن هذا التراث لا توجد كتابة خاصة به، وإن وجدت فقد انقرضت مع عصر الديناصورات، ولا يمكن بعثها إلا باصطناع غيرها في المختبرات.
وإذا كان الأمر كذلك، فعوض محاربة العربية الفصحى، قصد “خلق” أمازيغية من وحي الخيال الحقود!! على الأمازغويين أن يرجعوا إلى رشدهم، وأن يحذوا حذو أجدادهم، ليرفعوا من شأن العربية، وشأن الأمازيغية المكتوبة بالعربية التي يعرفها كل مغربي متعلم، وبذلك سيرفعون من شأنهم وشأن كل مغربي أمازيغي وعربي، مادام الوجدان العربي الأمازيغي وجدانا واحدا حيثما وجدا معا، ولم يعكره عبر قرون من التمازج إلا المؤامرة التي حيكت، ولا تزال، منذ الظهير البربري إلى يومنا هذا.
وأخيرا أهمس في آذان الأمازغويين مستغربا: هل كلما عطست العربية الفصحى، مرضت الأمازيغية المنمطة بالزكام؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] الأمازيغ لديهم كونغريسهم العالمي، والاشتراكيون لديهم أمميتهم…والإسلاميون لا بواكي لهم، ومع ذلك متهمون بخرق الخصوصية التي لا يحترمها غيرهم.
[2] ومع ذلك اعتبرت “لجنة تنسيق المؤتمر الدولي للشباب الأمازيغي” بأن الدستور الجديد “يكرس العنصرية والتمييز ضد الأمازيغيين”.
[3] وكان لهم ذلك في مسودة الدستور الجديد أيضا.
[4] انظر إلى ضمير الغائب الذي يدل على تبرئه من العرب والمسلمين.
[5] الألواح السوسية عبارة عن قوانين وقواعد وضوابط صارمة تشتمل على إجراءات تتعلق بعقوبات مالية يعاقب بها كل من صدرت منه مخالفة ما من المخالفات؛ التي تمس شرف الإنسان؛ أو ماله؛ أو عرض الأمن الداخلي أو الخارجي للخطر .
[6] جزولة هي سوس الحالية.
[7] والحديث عن المخطوطات الأمازيغية، بهذه التعمية في المعنى، إنما هو مغالطة أخرى لأن أقدم المخطوطات التي تم العثور عليها مكتوبة بالعربية، أما التيفيناغ فلم يعثر منه إلا على مجرد نقوش بسيطة على الصخور.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *