بالترغيب والترهيب تكون الدعوة إلى الله ذ. أحمد اللويزة

الدعوة إلى الله أشرف مقامات العبودية لذا كان الأنبياء دعاة إلى الله، والدعوة إلى الله فن له ضوابط وقواعد وأخلاقيات وأهم ما فيها الدعوة بالترغيب والترهيب بحسب المقام المناسب لكل حالة، والداعية يحدد ذلك بحسب المناسبة التي يراعي فيها عوامل التأثير.
والترغيب والترهيب هو المنهج النبوي في الدعوة إلى الله والذي يتعرض للتشويه والاقصاء من طرف جهات كل منها أخذ طرفا من ذلك وأنكر على الآخر، وخيرها الذي يجمع بين الأمرين، كما هو شأن القرآن في آياته وحديث النبي صلى الله عليه وسلم في إرشاداته.
وسيبقى الترغيب والترهيب هو المنهج الناجح في الدعوة إلى الله وله الأثر البالغ في تنبيه الغافلين وإرشاد الحائرين وهداية الضالين، وهو الأقدر على تحقيق مقاصد الدعوة المبينة على التوسط والاعتدال، لا الإفراط ولا التفريط ولا الغلو ولا الجفاء، لأن أخذ النفوس التي خلقها الله وهو أعلم بما خلق لا تؤخذ إلا بالوعد والوعيد وبعد أن تُبين لها مظاهر الفوز والفلاح وتجليات العقاب، والناس في حياتهم لا يخرجون عن هذه الثنائية أو التقابل فأي أب مثلا يريد أن ينصح ابنه ويوجهه ليكون شابا صالحا ورجلا نافعا لا يتأتى له ذلك إلا بالترغيب تارة وبالترهيب أخرى، يحثه على فعل أشياء لما فيها من المنفعة والصلاح والجزاء المتحقق منها عند الامتثال، ويحذره من فعل أخرى لما فيها من الشر والفساد وما يترتب عن ذلك من عقاب إذا لم يمتثل. وعلى هذا فقس عمل كل عامل في مجال التربية.
ومن يتحمل مسؤولية لها ارتباط بسياسة الناس فإنه يجد نفسه أسير الاشتغال بمنطق الترغيب والترهيب والوعد والوعيد، بل حتى في أمور الدنيا فالانسان لا يقدم على مشروع حتى يسأل عن منافعه وهي المرغبات فيه، وعن مساوئه وهي المرهبات منه، والأمين في النصح هو الذي يبين له كلا الأمرين بينما الخائن هو من يكتفي ببيان المحاسن دون المساوئ أو العكس، وهذا من دأب المنافقين وكما قيل: “المؤمنون نصحة والمنافقون غششة”.
مناسبة الكلام أن جهات معينة وفيها من يتحمل مسؤلية دينية تظهر بين الفينة والأخرى لتنكر على من يتحدث للناس عن سكرات الموت ومنكر ونكير والنشور والميزان وتطاير الصحف والصراط والنار وما أعد الله فيها من العذاب، ويزعمون أن الناس يصيبهم الرعب ويعيشون حياة خالية من الفرح والسرور، لا تراهم إلا في ضيم وهَمّ وغم جراء آيات وأحاديث الوعيد التي تقرع مسامعهم، والأمر في نظر هؤلاء غير السديد، أن لا يُتحدث للناس إلى عن الجنة والحور العين وأنهار الماء الزلال والعسل المصفى، واللبن الذي لا يتغير طعمه وخمر لذة للشاربين و لحم طير مما يشتهون والفاكهة التي لاتخطر على بال، وغير هذا من نعيم الجنة الذي يتمناه كل إنسان مهما كان. لكن هذا المنهج التجزيئي الذي يتبناه هؤلاء وعكسه الذي تبناه غيرهم لا يمكن أن يحقق المراد، وإلا ما كان للوحي أن يتكلم عن النار وما فيها بتفصيل كأنها رأي العين وبيان كل أنواع الوعيد التي أعدها الله لمن يستحقها جزاء وفاقا .
صحيح أنه لا ينبغي أن تكلم الناس عن النار وحدها فهذا في ميزان العقلاء غير سليم كما مر بيانه بله في ميزان الشرع، فهومنهج أعوج ومثله الحديث عن الجنة وحدها فالأمر ليس بذاك، لأن الناس ينبغي أن يعرفوا الجنة ليزداد شوقهم إليها ومن تم يزيدوا في اجتهادهم لها ويعرفوا جهنم ليزداد خوفهم منها فيزداد تجنبهم لكل ما يكون سببا في ورودها، بل إن الواجب أن يكون بين يدي كل توجيه أو إرشاد الحديث عن الجنة والنار لأنه كفيل بأن يجعل المتلقي راغبا فيما يؤمر به بعيدا عن كل ما ينهى عنه، بدليل ما روته أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: “إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندع الخمر أبدا، ولو نزل لا تزنوا لقالوا لا ندع الزنا أبدا” البخاري.
وهذا هو المنهج الشرعي وغيره لا شرعية له، وقد دعا إليه القرآن كما في قوله تعالى “وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً” خوفا من النار وطمعا في الجنة، ومدح بعض أنبيائه فقال: “إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً” وقال سبحانه: “وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ”، والمؤمن يسير إلى الله بين الخوف والرجاء وهما كجناحي الطائر لا يطير بواحد دون الآخر.
لهذا نقول لكل الناقمين على الدعاة الذين كتب الله لهم القبول بين أهل الأرض دعوا عنكم هذه الشبه المريضة فحقيقة زعمكم قصده مكشوف لأنكم لا تريدون أن يخوف الدعاة إلى الله الزناة والمرابين والخمارين والقمارين والمتبرجات وآكلي أموال الناس بالباطل وغيرهم من المدمنين على معصية الله من عذاب الله، حتى يرعووا ويتوبوا ويعودوا إلى رشدهم لتصير سوق الفساد كاسدة وبضاعتكم فاسدة، وتشرق شمس الهداية في قلوب الغافلين عن الله فيخر الباطل زاهقا والحق عاليا خفاقا وما ذلك على الله عزيز.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *