أمة لا تستطيع أن تتخذ قرارها بنفسها لا تستحق الحياة، اللهم إلا إذا كانت تستسيغ مذاق الذل المر، وتستمرئ لذة الهوان… فلا زال قيد التبعية يكبلنا، ولم نتحرر منه بعد، رغم كل الخطابات والمقالات والشعارات، والحديث عن عالم عربي وإسلامي جديد وثورات مجيدة وانتفاضات مباركة؟!
لكن العقلية التي تشكلت منذ سنوات خلت لاسيما عند من تسلم مقاليد الأمور -بعد خلع المخلوعين- لم تستطع التحرر والانعتاق، واستمرت في أسرها المتوَهم، فترى أن القرارات الخاصة والداخلية لابد أن تأتي من الخارج، وأنه لا يبث في قرار حتى تأتي الموافقة من قوى الاستكبار العالمي، وحتى ترضى أمريكا وتؤشر أوربا ويطمئن العالم، ما شأن الجيران في بيتي وعلاقتهم بأبنائي!! وما دخلهم في طبخي وأكلي ونومي واستيقاظي!! إنه تدخل عنيف ومتجاوز لكل الحدود، بعيدا عن حروف اللياقة وحدود الاحترام المتبادل بين الدول والحكومات كما يقولون.
لقد سمعناهم يطالبون بيادقهم بالتنحي بعد أن انتهت صلاحياتهم ولم يريدوا التقاعد طوعا، ثم هاهم يريدون خياطة ما نلبس بالتدخل الظاهر والخفي في شؤون الشعوب ومسؤوليها، وللأسف وجدوا من لا زال مرتهنا إلى الماضي؛ فيحرص على تقديم فروض الطاعة والولاء؛ يظن أن بقاءه رهين برضاهم، فعلى أي شيء يخاف هؤلاء؟
وأي جبن هذا وقد كانوا أبدوا شجاعة منقطعة النظير زمن الثورة ضد الحكام؟
هل من سر لا نعلمه…؟
كيف يسارع مهندسو الفترات الانتقالية في هذه الدول على إرسال إشارات ورسائل إلى الغرب يطمئنوهم، ويهدؤوا من روعهم من صعود الإسلاميين إلى الحكم؛ يطمئنوهم قايد السبسي بتونس، والمشير طنطاوي من مصر، ومصطفى عبد الجليل من ليبيا واللائحة مفتوحة، هل الشأن شأن الشعوب تقرر ما تريد وهي الديمقراطية التي بها يبشرون ولها يدعون وعليها يحاربون، أم أن الشأن شأن القوى الخارجية تقرر لنا من يحكم؟ وكيف يحكم؟ وكيف نسن القوانين؟ وننتظر منها إشارات إيجابية عن هذا الطرف أو ذاك.
لقد انكشف ما كان سرا أو شبه سر وبان أن الدول العربية والإسلامية مقاطعات تابعة للغرب وأنه لا سيادة فيها لا لشعب ولا حاكم، وتبين أن شعار “الشعب الفلاني لا يهان” لا تعدو عبارات للاستهلاك لا حقيقة لها على أرض الواقع، ما دام أن هناك من لم يتذوق طعم الإيمان الذي هو سر الكرامة والعزة، ومضاد فعال ضد بكتريا الذل والهوان الذي يحرص بعض من استولى على مقاليد أمورنا أن نعيشه مزيدا من الوقت لكن بنُكه مختلفة من قبيل الحرية والديمقراطية والحداثة والتقدم التسامح والانفتاح…!؟
ليعلم كل مسلم أن الكرامة لا تباع ولا تشترى ولا تمنح من أحد، وإنما هي عطاء الله غير المحدود لمن يستحقه من أهل الإيمان الصادق والاستسلام التام لشرع الله والانقياد لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
وهذه حقيقة مطلقة مسلمة وهي في كتاب الله في غير ما آية حيث يقول جل في علاه “وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ” حقا لا يفقهون إذ يولون وجوههم قبل الغرب المستبد يسلمونه مفاتيح الشعوب الإسلامية ويفاوضونه على مقدراتها رجاء الرضا عليهم، وإنهم لا يفقهون ولا يعلمون أن من حقائق الله الكونية قوله تعالى: “وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ”.
إن الكرامة نعمة إلهية، ومن أكرمه الله فلا مُهين له، ومن يهن فما له من مكرم، ومن يذله الجبار المتكبر فما له من معز، ومن أعزه العزيز فلا مذل له، هذا مسلمات إيمانية ولكن أين الإيمان من هؤلاء المتمسحون بأعتاب ملل الكفر يرجون رضاهم بسخط الله والمؤمنين، فيسخط الله عليهم ويسخط عليهم الشعوب والغرب معا فيطالبهم الجميع بالتنحي دون اعتبار لأي من قرابين القرب والعطف.
إننا في حاجة لكرامة الرجال من طينة الصحب الكرام مثل عامر بن ربعي حين دخل قصر ملك الفرس القوة العظمى آن ذاك، يخرم نمارقه بسيفه ويطأ فرشه بفرسه ويخاطبه بفصاحة العزة والكرامة لا برعشة الذل والمهانة ويقول: “إننا قوم جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة”.
لا كرامة إلا بالتمسك بالإسلام يقينا لا يشوش عليه تشكيك العلمانيين والحداثيين! والتقدميين!! والملحدين، وقد بصمها الفاروق عمر مثال العزة والإباء حين قال كلمة ينبغي أن يتواصل رنينها في كل أذن من المهد إلى اللحد، وهي قوله: “لقد كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله”، ولقد أذلنا الله، فلنبلع طعام الذل ولنرتشف جرعات الاحتقار والازدراء حتى نرجع إلى الإسلام، وحتى يكون انتسابنا إليه صادقا؛ يزكيه الواقع الذي ترتسم مظاهره بشرائعه الإلهية التي بها ضمن الله العزة والكرامة.