أولى أولويات الحكومة الإسلامية ذ. محمد أبوالفتح

لقد استبشرنا واستبشر المسلمون خيرا بوصول حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية إلى سُدة الحكومة في بلادنا، راجين من الله تعالى أن يسددهم ويوفقهم لما فيه خير البلاد والعباد، ولكن مع هذا الاستبشار أشعر بإشفاق شديد -تدعو إليه الأخوة الإيمانية- على كل مسلم ابتلي بمثل هذا الابتلاء العظيم، وذلك نظرا لهول المسؤوليات الملقاة على كاهله، وهي مسؤوليات جسيمة، تنقسم إلى نوعين: مسؤوليات تتعلق بحقوق الله تعالى، ومسؤوليات تتعلق بحقوق الناس.
فأما المسؤوليات المتعلقة بحقوق الناس فتتمثل في أداء الواجبات التي أوجبها الله تعالى على ولاة الأمر تجاه رعاياهم، بالإضافة إلى إنجاز الوعود التي وُعِد بها الناس، فإن الله تعالى قال: “وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً” (الإسراء34). ولا أحتاج في مقالي هذا للدفاع عن حقوق الناس لأنني أعلم أن الناس لن يسكتوا عن خبزة واحدة وُعدوا بها، وقد بدأ بعضهم يتحدث عن إخلاف الوعود ولَمَّا تتكون الحكومة بعد!
وأما المسؤوليات المتعلقة بحق الله تعالى، فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم حق الله تعالى فقال: “حَقُّ اللهِ عَلَى العِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ، وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً” (متفق عليه)، وهو حق واجب على كل مسلم تحقيقه في نفسه، وفيمن ولاه الله تعالى أمرهم من رعيته، لقوله صلى الله عليه وسلم: “كلكم راع فمسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسؤول عنهم، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم، والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول عنه، ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته” (متفق عليه).
فمن واجب كل حكومة مسلمة أن يكون على رأس أولوياتها، إقامة توحيد الله تعالى في الأرض، ومحاربة الشرك بأنواعه.
وذلك للأسباب التالية:

  1. أن الله تعالى أرسل الرسل مبشرين ومنذرين، ودعاة مصلحين، فكان أول شيء بدؤوا به أن دعوا أقوامهم إلى توحيد الله تعالى، ونبذ الشرك، من أولهم نوح عليه السلام إلى آخرهم محمد صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: “لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ” (الأعراف59). وقال سبحانه: “وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ” (الأعراف65). وقال عز وجل: “وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ” (الأعراف73). وقال جَلَّ في علاه: “وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ” (الأعراف85).

فبدأ بالدعوة إلى إصلاح الفساد العقدي، قبل دعوته إلى إصلاح الفساد المالي، وكذلك بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم بدعوة قومه إلى توحيد الله تعالى، وترك عبادة الأوثان، وكذلك الأمر بالنسبة لجميع الرسل، كما قال تعالى: “وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ” (الأنبياء25). ولما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم معاذا إلى اليمن قال: “ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوه لذلك؛ فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوه لذلك؛ فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم) (متفق عليه)، وفي لفظ لمسلم: “إنك تقدم على قوم أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله عز وجل“.
فدلت هذه النصوص أن سبيل الإصلاح المستقيم، الذي اختاره الله تعالى لرسله هو البداءة بالدعوة إلى توحيده عز وجل، ونبذ الشرك به سبحانه، وذلك أمر أجمعت عليه الرسالات على اختلاف أزمنتها وأمكنتها، مما يدل على أنه من الثوابت التي لا تتغير بتغير الزمان والمكان، أو بتغير الواقع.

  1. أن من واجب الحكومة المسلمة إقامة العدل، ورفع الظلم بأنواعه، والشرك بالله تعالى أعظم الظلم، قال تعالى: “إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ” (لقمان13).
  2. أن من واجب الحكومة المسلمة تغيير المنكر، كما قال تعالى :”الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ” (الحج41)، والشرك بالله تعالى أعظم المنكرات، وأكبر الكبائر، قال تعالى: “إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً” (النساء48)، فدل قوله تعالى: “مَا دُونَ ذَلِكَ“، أنه ليس هناك ذنب فوق الشرك، وأن سائر الذنوب دونه، وقال صلى الله عليه وسلم: “أكبر الكبائر الشرك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور ثلاثا” (البخاري).
  3. أنه ليس المطلوب من الحكومة المسلمة إشباع البطون الجائعة وكسوة الأجساد العارية فحسب، بل إن عليها أن تسعى جاهدة في تحصيل مصالح رعاياها في معاشهم ومعادهم، وتعمل على إسعادهم في دنياهم وأخراهم، بل يجب أن يكون حرصها على صلاح آخرتهم أشد؛ لأنها خير من الدنيا وأبقى، كما قال تعالى: “بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى” (الأعلى16-17)، ولا يتأتى للحكومة هذا الأمر (إسعاد الناس في الآخرة) إلا بتربية أبنائها على توحيد الله تعالى، وذلك لأن الشرك سبب لضياع آخرة العباد، قال تعالى: “إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ” (المائدة72)، فلا يعقل أن تترك الحكومة المسلمة الناس يموتون على عقائد شركية يحرمون بها الجنة، ويشقون بسببها أبد الآبدين، وأي غش للرعية أعظم من إضاعة مصالح معادهم؟!

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ما من وال يلي رعية من المسلمين، فيموت وهو غاش لهم إلا حرم الله عليه الجنة” (البخاري).

  1. أنه من غير المقبول -ونحن في القرن 21 ميلادي- أن تسكت الحكومة المسلمة على مظاهر الشرك والشعوذة التي هي من أسباب تخلف أمتنا عن ركب الأمم في العلوم الدنيوية النافعة، فمتى تتقدم أمة لا زال الكثير من أفرادها يُعَوِّلون على الأموات في قبورهم ليجلبوا لهم نفعا أو يدفعوا عنهم ضرا؟!

متى تتقدم أمة ما زال فيها من يطوف بالقبور ويتمسح بها، ويقدم لها الذبائح والقرابين؟!
متى تتقدم أمة ما زال فيها من يعلق التمائم  ويؤمن بالعزائم؟!
متى تتقدم أمة ما زال المشعوذون والسحرة يعملون فيها من غير نكير، ويعلقون الرايات، وينشرون عناوينهم على الصحف جهارا نهارا؟!
متى تتقدم أمة يؤمن الكثير من أفرادها بالدجاجلة الذين يدعون شفاء الناس من أمراض بعينها بدعوى البركة وشرف النسب؟
متى تتقدم أمة..؟!
لهذه الأسباب وغيرها يجب على الحكومة المسلمة أن يكون تحقيق كلمة التوحيد قولا وعملا على رأس أولوياتها.
ولا شك أن محاربة هذه المظاهر الشركية يحتاج إلى سنوات عديدة من الجهود الصادقة، ولهذا الغرض أقترح على الحكومة المرتقبة ما يلي:

  • اعتماد وزارة التربية الوطنية مناهج تعليمية تركز أكثر على تربية النشء على التوحيد والتحذير من الشرك والشعوذة.
  • أن يكون على رأس أهداف وزارة الأوقاف توعية الناس بخطورة الشرك، ونشر التوحيد، وذلك ِبحَثِّ خطباء المساجد والوعاظ على التركيز على هذا الأمر خاصة في العالم القروي.
  • فتح مجال الدعوة إلى الله تعالى أمام الدعاة المتمكنين في علم التوحيد ليبثوا علمهم في الناس في الخطب والمواعظ والمحاضرات والندوات.
  • أن تُجرى للأئمة والخطباء دورات تكوينية في علم التوحيد، وكيفية الإجابة على الشبهات التي تعرض لكثير من الناس.
  • تشجيع الجمعيات والهيئات غير الحكومية التي أخذت على عاتقها الدعوة إلى توحيد الله، وتعليم العقيدة الإسلامية الصحيحة، ومحاربة مظاهر الشرك والخرافة والشعوذة.
  • أن تعلن وزارة الداخلية الحرب على السحرة والمشعوذين الذين يؤذون الناس، ويأكلون أموال ضعاف العقول والإيمان بغير حق.

هذا في نظري أقل ما يمكن أن تفعله حكومة تفتخر بمرجعيتها الإسلامية، وحُقَّ لها ذلك.
وأسأل الله تعالى لحكومة بلادنا، ولولاة أمرنا السداد والتوفيق لما يحب ويرضى، إنه ولي ذلك والقادر عليه. والحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *