ضيف فؤاد بوعلي حاوره: عبد الصمد إيشن

 

حضور العربية داخل تعليمنا باهت، وفي إداراتنا شبه منعدم، وفي إعلامنا شاحب، بحيث لا تؤدي الدور المنوط بها كلغة رسمية

 

بوعلي*: العربية تعيش أسوء فتراتها الوجودية في المغرب منذ الاستقلال

 

 

قلتم في البيان الأخير للائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية، أن هناك “تقصيرا رسميا يطال اللغة العربية”، ما تقييمكم لوضع لغة الضاد بالمغرب؟

شكرا على الاستضافة الكريمة وكما قلنا فإن العربية تعاني من تهميش وإجحاف من قبل الدولة سواء من حيث الاستعمال أو الاعتبار.

فالأكيد أن العربية هي أكبر من مجرد آلية تواصلية بل هي منظومة من القيم تحوي في ثناياها سمات تميزها: فهي لغة القرآن وعنصر الوحدة الاجتماعية بين المغاربة وآلية تمثل العمق الاستراتيجي للدولة في علاقاتها بالجنوب والشمال… كل هذه المميزات دفعت الدولة عبر الدساتير المتتالية إلى التنصيص على رسميتها وعدم المس بمكانتها. لكن الواقع المعيش حاليا يثبت أن الدولة تتعامل بأسلوب المجافاة والتهميش، بل المحاربة أحيانا، مما يعطيها صورة لغة تاريخ وماض نتبرك بذكره، ولغة متاحف وأساطير نستعملها عند المحاجاة.

أما اعتبـارها لغة علـم وتقنـية وسوق وإنتاج فذاك ما تحاول العديد من الدوائر طمسه، والإبانة عن عجز لغتنا عن مسايرة عالم الأنترنيت والبورصة.

فبعيدا عن الخطابات الرسمية والشعارات المغناة باسم الهوية أو الدين، نجد حضور العربية داخل تعليمنا باهتا، وفي إداراتنا شبه منعدم، وفي إعلامنا شاحبا، بحيث لا تؤدي الدور المنوط بها كلغة رسمية، كغيرها من اللغات الوطنية في كل دول العالم. والعامل الأساسي في هذا الوضع هو غياب الإرادة السياسية التي تفرض احترام الدستور وثوابت الأمة.  لذا فلا نغالي إن قلنا إن العربية تعيش أسوء فتراتها الوجودية في المغرب منذ الاستقلال.

2ـ هل يمكن أن نعقد الأمل على القانون التنظيمي الجديد المتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة لحماية وتطوير اللغة العربية بالمغرب؟ وهل هذا القانون وحده الكفيل بحماية لغة الضاد في كل المستويات؟

المشكلة ليست في القانون، لأن الترسانة القانونية في المغرب مليئة بالنصوص المطالبة باحترام رسمية العربية وتميزها، لكن الإشكال في غياب إرادة حقيقية لتنزيل القوانين، إضافة إلى أن قانون مجلس اللغات الذي طال انتظاره مليء بالثغرات ومناطق البياض التي ستستغل لإفقاده قوته الاقتراحية وتجعل منه مجرد تجميع للمؤسسات دون أثر في الواقع اللغوي والهوياتي.

القانون بدون إرادة سياسية لاحترامه مجرد حبر على ورق، ولنا في نصوص الدستور خير الأمثلة. فهل احترمت رسمية العربية قبل 2011 وبعده؟ وما حظ العربية من الترسيم الفعلي في الإدارة والفضاء العام بالرغم من أن كل الدساتير كانت تؤكد على رسميتها؟ النص شيء والواقع شيء آخر، لذا لا نأمل كثيرا من قانون مجتر من 2011 إلى الآن ولم يجد طريقه نحو التنزيل.

3ـ قبل أيام، أعلن الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية عن إنشاء “المرصد المغربي للغة العربية”، ما الأدوار الملقاة على عاتق هذا المرصد؟

المرصد المغربي للغة العربية مؤسسة متخصصة تابعة للائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية يقوم بعمليات جمع وتحليل البيانات والإحصاءات والمعلومات في مجالات حماية العربية وتنميتها الاستعمالية. ويعتبر المرصد أداة جيدة لتقديم وصف إحصائي ومتابعة يومية للوقائع والأحداث التي تتعلق باستعمال العربية باعتبارها لغة رسمية في الإدارة والتعليم والإعلام والشأن العام، حيث يمكنه عن طريق المؤشرات والتقارير التي ينتجها الوقوف على مدى التحسن أو التدهور في أحوال اللغة العربية بشكل دوري، والمقارنة سواء على مدى الزمن أو بين المدن أو الإدارات والمؤسسات. فمن خلال وسائله المختلفة سيقوم بالرصد المستمر لكيفيات تنزيل النص الدستوري المتعلق بحماية العربية وتنمية استعمالها والتحليل المستمر لوضعية اللغة العربية في مجال الحماية والتطوير، وتقييم نجاعة العمليات المنجزة في المجالات المرتبطة بالاستعمال، وذلك قصد ضبط وتحيين التحديات المحتملة والمتوقعة. وذلك بغية لفت اهتمام الرأي العام الشعبي والرسمي إلى الثغرات والنواقص التشريعية والمؤسسية المتعلقة بوضعية اللغة العربية. وسيقوم بإصدار تقارير دورية وكلما اقتضت الضرورة بعد إتمام الهيكلة التنظيمية.

إن كان القرار السياسي قد اختار الفوضى اللغوية بتمثلاتها المختلفة فإن واجبنا كمجتمع مدني المقاومة السلمية والاستمرار في التحسيس والتوعية والمطالبة بالتنزيل الإجرائي لرسمية لغة هويتنا وعقيدتنا

 

4ـ يُعرف الائتلاف بتنظيمه لعدد كبير من الأنشطة الثقافية التي تُعلي من شأن اللغة العربية، لكن يظهر أن التمكين للغة العربية بالمغرب يجب أن يحسم على المستوى السياسي أولا، لا الثقافي، هل لكم أن توضحوا قناعتكم بخصوص وجهة النظر هذه؟

قناعتنا الخاصة أن الفعاليات التي ينظمها الائتلاف الوطني تعبير مدني ومجتمعي عن التعلق باللغة العربية ومطالبة واضحة من المغاربة بحقهم في لغتهم الوطنية، لذا إن كان القرار السياسي قد اختار الفوضى اللغوية بتمثلاتها المختلفة فإن واجبنا كمجتمع مدني المقاومة السلمية والاستمرار في التحسيس والتوعية والمطالبة بالتنزيل الإجرائي لرسمية لغة هويتنا وعقيدتنا.

ـــــــــــــــــــــــــــ

*د.فؤاد بوعلي: رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *