لشكر .. والسلف الصالح حماد القباج

أن يمارس “المعارضون” حقهم في مراقبة الحكومة ومساءلتها؛ هذا أمر مفهوم ومنسجم مع طبيعة الممارسة السياسية..
لكن الشيء غير الطبيعي؛ هو أن تُتخذ “المعارضة السياسية” مطية نحو إشعال نار حرب “إيديولوجية” تلوح بإرجاع المغرب إلى عهد الشطط السلطوي وتكريس الفكر الاستئصالي وممارسات الإقصاء القائمة على روح الكراهية واحتقار الآخر…
إنها ملامح “ردة سياسية” تلوح في أفق لا يبعث على الطمأنينة والسكينة، “ردة” تهدد “الاستثناء المغربي” الذي يمكن أن ينجح لو أن النخبة السياسية تتحلى بالقدر المطلوب من المسؤولية وإنكار الذات وإيثار مصلحة البلاد والعباد على نزوات النفس الأمارة بالسوء وعقلية الوصاية المستبدة..
منذ الفرصة الأولى التي أتيحت لمن يبيتون المكر بليل؛ خلع هؤلاء جبة خطاب الغيرة على الوطن والمواطن وخطاب تمجيد الربيع العربي، وارتدوا قفازات ملاكمة غير قانونية تستحل الضرب تحت الحزام، وانخرطوا في مكيدة ظاهرها المعارضة السياسية وباطنها من قبله الأنانية المفرطة والتجاهل الكامل لوضع بلد يريد أن يعطي لغيره دروسا نافعة في الإصلاح الآمن والتغيير الإيجابي نحو الأفضل ..
لكن يبدو أن السيدين إدريس لشكر وحميد شباط لا يتفقان كثيرا مع هذا المنحى، حيث اختارا بدلا عن ذلك خدمة أجندة تحمل عنوان: أجهضوا تجربة الإسلاميين كي لا ينسب إليهم الإصلاح.
وبغض النظر عن الفرس الأعرج الذي امتطاه كل من المعارضين المذكورين للوصول على متنه إلى قيادة حزبيهما؛ فإننا نحب أن نقف وقفات تأمل في مواقف الرجلين وخطابهما الذي يستقي من الركية المشار إليها أعلاه:
ونبدأ بالكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي الذي ألبِس لبوس المناضل عن “الإديولوجية” اليسارية، وشرع في أداء دوره باستنساخ خدعة مقاومة التطرف والظلامية وخدمة إسلام السماحة والاعتدال، وزاد هو: رفض إسلام السلف الصالح.
وكان على السيد لشكر بدل أن يتطاول على السلف الصالح أن يشتغل بعيوب سلف المدرسة الفاشلة التي ينتمي إليها؛ مدرسة لينين وسطالين التي أشقت البشرية وجرت عليها ويلات كثيرة على خلاف مدرسة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تعلم فيها السلف الصالح كيف يقودون البشرية إلى الخير والفضيلة.
ألم يعلم لشكر بأن السلف الصالح هم الذين حرروا البشرية من عبادة العباد وظلم المستبدين؟
ألم يعلم بأن السلف الصالح هم الذين شرفوا الأمة العربية وبوءوها شامة التاريخ بعد أن كانت في مؤخرته؟
ألم يعلم بأن السلف الصالح هم من مارس السياسة لِبث الخير والعدل والإصلاح والتكافل؟
وبأن سياستهم أسست بحق دولة إنصاف المظلوم ومواساة المكلوم التي طالما تغنى بها الاشتراكيون المغاربة، فلما وصلوا إلى الحكم على جماجم المغفلين المخدوعين بشعاراتهم البراقة أضحوا أشد سطوة على الحقوق ومصادرة للحريات من غيرهم.
ألم يعلم لشكر بأن السلف الصالح حكموا وساسوا ليخدموا رعاياهم وليضمنوا حقوقهم وليقووا ضعيفهم وليجبروا كسيرهم؟
ألم يأته نبأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي ساس أمته بعدل يتساوى فيه الجميع وتكافل يغطي حاجات أرامل العراق وحزم يفرض الاحترام وعبقرية تضع أسس الحضارة والعمران؟
ألا يعرف لشكر بأن السلف الصالح هم ساداتنا أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر الصحابة الأكرمين وآل البيت الطاهرين والأئمة المرضيين أهل التقى والعفاف والمروءة والشهامة والصدق والأمانة والخير والبر والرحمة والنجدة، رهبان الليل وفرسان النهار الذين بلغوا الإحسان في عبادة الخالق وأحسنوا إلى المخلوق، ونشروا في البشرية مكارم القرآن ومقومات الحضارة والعمران؛ وأعطوهم الدروس العملية في تزكية النفس وتهذيب السلوك وإصلاح الأخلاق وغير ذلك من مقومات صلاح الفرد الضروري لصلاح المجتمع والأمة؟
ثم إنني أتساءل: أين حراس العقيدة وحماة الدين؟
كيف يسكتون على من يجهر بسب إسلام السلف الصالح ويصفه بالظلامي؟
ألا يعتبر هذا تهديدا للأمن الروحي وسكينة المغاربة وخرقا للثوابت؟
وبعد هذا نسأل السيد لشكر عن الإسلام الذي يرتضيه لنا غير إسلام السلف الصالح؟
أليس إسلاما مشوها ممسوخا مفرغا من مضمونه؟
إسلام فتك به “فيروس” العلمانية التي ترفض قول الله تعالى: [اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ]، وقوله سبحانه: [وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا]، وقوله تعالى: [ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا]، وقوله: [إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ] ..
علمانية ترفض أن يكون لله حكم على الناس في أنظمة حكمهم وممارساتهم السياسية ومعاملاتهم التجارية وتصرفاتهم الفردية، وحتى أحوالهم الشخصية الأسرية، علمانية لا تؤمن بتحريم الحرام إلا ما أجازه الهوى من ذلك، ولم يتنافى مع الشهوات والعربدة؛ مصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصف القلب المتشبع بالفتن: “لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه” [رواه مسلم].
إنه الهوى الذي وصف النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بقوله: “وإنه ليخرج في أمتي أقوام تتجارى بهم الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله” [رواه أبو داود].
هوى يرفض أن يُمنع من الربا؛ وأن يمنع من الزنا؛ وأن يمنع من شرب الخمر؛ وأن يُمنع من القمار؛ وغير ذلك من الأمور التي تعتبرها العلمانية من الحريات الفردية وتعدها شريعة الإسلام من الكبائر الموبقات.
فاتباع الهوى هو “الإسلام المتفتح” الذي يبشرنا به إدريس لشكر والذي ينبغي أن يحل محل إسلام السلف الصالح.
وكل من دعا إلى حكم الله والتزام عبوديته بتحريم ما حرم فهو سلفي رجعي ماضوي ظلامي … وقل ما شئت.
إنه الطغيان السياسي بل الفجور السياسي؛ الذي يسمح بأن يتطاول إنسان من أمثال لشكر على هامات الأمة وقاماتها، ومفاخر الإنسانية وأبطالها.
هؤلاء آبائي فجئني بمثلهم إن جمعت يا جرير بيننا المجامع
عدوى كراهية إسلام السلف الصالح يبدو أنها انتقلت إلى السيد حكيم بن شماس الذي عاد مرة ثانية إلى التحريض ضد السلفيين منكرا على وزير الأوقاف أحمد توفيق تخفيضه من وتيرة الشطط السلطوي والسلوك السياسي الإقصائي الذي مارسه قبل الربيع العربي ضد مخالفيه في الرأي؛ وهكذا حذر رئيس فريق البام وزير الأوقاف من “قصف المغرب بالفتوى واجتياحه من طرف السلفية الوهابية” التي أكد أنها “ذات مضمون ينطوي على بعض التحديات المرتبطة بأمن المغاربة”ّ؛ وقد ذكرني هذا بما كان صدر عن وزير الداخلية الأسبق من تسويغ إغلاق دور القرآن السلفية بكونها تهدد أمن المغاربة؛ وإذا ما أضفنا إلى ذلك اتهام النائب الكنسوسي لجمعية الدعوة إلى القرآن والسنة بأنها حزب إرهابي سري؛ اتضح لنا أن هؤلاء السياسيين عندهم مشكلة حقيقية مع السلفية والسلف الصالح وأنهم يعانون من غلبة هاجس إيديولوجي ذي صبغة علمانية معادية لأسلمة الحياة أي صبغتها بالصبغة الإسلامية كما أمر الله تعالى بذلك في قوله: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً”؛ وهنا نستحضر ما كان يجهر به إلياس العماري إبان تغول حزبه؛ من أن الحزب يتبنى مشروع مقاومة أسلمة المجتمع ..
أما كاتب الاتحاد الاشتراكي فصرح بأن أهداف حزبه أربعة؛ أولها: “تحيين المشروع الاشتراكي الديمقراطي، ثم الإصلاح الدستوري وفق التصور العقلاني التنويري وليس الإسلامي الظلامي الذي يعيد طقوس السلف الصالح”. [برنامج “مباشرة معكم/القناة الثانية]
هذا جوهر الصراع وهذا لب مضمونه وحقيقة شكله؛ وإن حاول البعض أن يلبسه لبوس المعارضة السياسية الغيورة على حقوق المغاربة من ضعف الأداء الحكومي.
إن السلف الصالح هم خيرة هذه الأمة وأفضل أفرادها على الإطلاق؛ واتباعهم اهتداء وإصلاح ونجاح وفلاح والمغرب في حاجة ماسة إلى إصلاح يقتدى فيه بالسلف الصالح، وتقتبس فيه أصولهم في إقامة الدين وسياسة الحياة بمبادئه السامية وشريعته الهادية.
وللحديث بقية ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *