«أنا شارلي».. مسرحية فرنسية على الطريقة الأمريكية؟ أحمد السالمي

وضع محللون علامات استفهام عديدة حول ما وقع في فرنسا من أحداث مثيرة ابتداء بـ«شارلي»، وقتل الأخوين كواشي، وحميدي كوليبالي وسفر حياة بومدين إلى سوريا وانتحار محقق الشرطة، والمسيرة المليونية المنددة بالهجوم المشوب بالغموض، وانتهاء بحوادث الاعتداء على الأجانب وخمسين مسجدا بفرنسا.
فمن أجل تعبئة الرأي العام العالمي وتسليط الضوء على هذه الواقعة حشدت فرنسا في مسيرتها العديد من زعماء العالم كي ينددوا بالهجوم على صحيفة، حاملين شعار «أنا شارلي»؛ متجاهلين في الوقت ذاته الهجمات الهمجية المتكررة على المسلمين ومساجدهم في نفس وقت الهجوم على «شارلي».
لم تقم فرنسا بحشد مثل هذه الجحافل تضامنا مع 1.5 مليار مسلم تمارس عليهم الصحيفة ذات الخط الإلحادي إرهابا فكريا وإعلاميا تهين من خلاله إلههم ونبيهم ودينهم ومقدساتهم، بل على العكس من ذلك فقد دعمت حكومة هولاند شارلي بمليون يورو.
فبلاد الأنوار والحقوق والحريات تسمح بالاستهزاء بالله تعالى ورسله وتمنع من تحليل حدث تاريخي والتشكيك في صحته، وما خبر الكوميدي ديودونيه عنا ببعيد؛ حيث منعت وزارة الداخلية عرض مسرحياته؛ ووصفت وزيرة الثقافة الفرنسية أوريليه فيليباتيه ديودونيه بأنه: «لم يعد فنانا مسرحيا وتحول إلى مناضل يعادي السامية بشكل يثير الشغب ويخل بالأمن العام»، كما طالب الرئيس الفرنسي «فرانسوا هولاند» جميع ممثلي الدولة وخصوصا مسؤولي البلديات أن يكونوا يقظين وحازمين، قائلا إنه «يجب عدم تمكين أحد من استغلال هذا العرض للتحريض والترويج صراحة للأفكار المعادية للسامية».
والأمر نفسه وقع مع الفيلسوف والكاتب الفرنسي المسلم «رجاء جارودي» رحمه الله؛ الذي حكمت عليه محكمة فرنسية سنة 1998 بتهمة التشكيك في المحرقة بسبب ما ورد في كتابه «الأساطير المؤسسة لدولة إسرائيل».
وما وقع لديودونيه وجارودي من قمع واضطهاد في فرنسا ينسحب في أمريكا أيضا على «تيري ميسان» صاحب كتاب «11 سبتمبر.. الخدعة المرعبة»، والذي بيع منه أكثر من 200.000 نسخة في شهرين، حيث شنّ ضده اللوبي الإعلامي حملة استهدفت النيل سمعته، فعلق «تيري ميسون» قائلا: «إن هذه الحقيقة تعكس مرض الديمقراطية في بلادي وصحة الإرهاب الفكري الذي يمارس على غير الخاضعين للصوابية السياسية الرسمية على الطريقة الأميركية».
أما الصوابية السياسية الرسمية على الطريقة الفرنسية فتتجلى في ازدواجية حرية التعبير واعتبار كل البحوث الأكاديمية والمقالات الصحفية والريبورتاجات التلفزية والبرامج الثقافية والأفلام السينمائية التي تشكك في المحرقة عداء ضد السامية وجريمة يعاقب عليها القانون الجنائي، أما إذا تعلق الأمر بإهانة عقائد المسلمين وغيرهم فالأمر بالنسبة لهم يندرج في إطار حرية للتعبير.
وهنا نقف على التناقض في الأحكام والكيل بمكاييل متعددة فيما يخص حرية التعبير؛ فكل تشكيك في وقائع تاريخية تهم اليهود يعد جريمة، وكل افتراء على الإسلام وتزييف للحقائق وطعن في المقدسات حرية تعبير!
ما علينا؛ تلك أهواؤهم التي يحكمون بها.
ويحضرني هاهنا احتفاء الغرب بسلمان رشدي، وأتذكر الزوبعة التي قامت من أجل تمثال بوذا في أفغانستان، وأن تحطيمه عده الغرب المنافق حينها تعديا صارخا على البوذية كديانة، في حين أنهم لم يعتبروا اليوم رسومات شارلي والرسومات الدانماركية قبلها تعديا على الإسلام وإهانة لمقدسات المسلمين ورموزهم.
لقد سبق أن احتلت الولايات المتحدة الأمريكية أفغانستان باسم الإرهاب؛ ووعدت الشعب الأفغاني أنها ستقيم له دولة «ديمقراطية» على الطريقة الغربية، فلم ير هذا الشعب لا دولة ديمقراطية ولا حتى دولة بدائية مستقرة؟!
وباسم الحرب على الإرهاب دوما و«الحرب المقدسة التي بعث الله بوش للقيام بها» -على حد تعبير بوش الصغير- احتل العراق وشبت فيه نار الطائفية ولم تنته إلى يوم الناس هذا.
وباسم الصليبية قسم السودان وصنف ضمن الدول الراعية للإرهاب وكذلك ليبيا وسوريا.
ولعل فرنسا وفي إطار تبادل الأدوار وتحت شعار «أنا شارلي» تريد استنساخ التجربة الأمريكية، وتفرض سيطرتها على مالي والنيجر وإفريقيا الوسطى، وتتدخل في ليبيا، إيذانا وإعلانا منها لصليبية فرنسية جديدة على غرار الصليبية الأمريكية، وتبقى الأيام هي الكفيلة بتوضيح هذا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *