أي رجل فقدت يا بلاد المغرب…
إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، وما نقول إلا ما يرضي ربنا… إنا لله وإنا إليه راجعون…
عادل خزرون
الحمد لله الذي جعل العلماء حجة على خلقه، ومعالم على طريقهم، يهتدون بهم إلى الحق كما يهتدي المسافرون بالنجوم في دياجير الظُّلَم. وصلَّى الله وسلَّم على سيد الأولين والآخرين ورحمته للعالمين، القائل: (إِنَّ اللهَ لَا يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعاً يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ..) وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثرهم واستنّ بسنتهم إلى يوم الدين.
تَشْكي السَّماءُ رَحيْلَهُمْ
يَجْثُو على الأرضِ السُّكونْ!
أما بعدُ، أنعي للأمة الإسلامية وفاة شيخنا ووالدنا العلامة المدقق المحقق مسند المغرب، ناصر التوحيد، وبقية السلف الصالح، وبركات هذا العصر، ونوادر الدهر في الورع والتقوى والاستقامة، السلفي المعمَّر، ريحانة تطوان شيخنا العلامة الأديب الفقيه سيدي محمد بن الأمين بن عبد الله بوخبزة الحسني العمراني التطواني، رحمه الله تعالى رحمته أهلَ التقوى، وأسكنه الفردوس الأعلى.
في يوم أظلم نهاره، من يوم الخميس الرابع من شهر جمادى الآخرة لعام 1441هـ الموافق لـ 30يناير 2020م، بعد عمر ناهز التسعين عاماً قضاها في العلم والتعليم، والتأليف والتحقيق، والدعوة إلى الله تعالى.
نَبْكـــــــــي عليه جميعاً إنَّ مَفْقِدَه
لم يُبْقِ من مسلمٍ إلا وأَجْهَدَهُ
سحَّتْ على ذلك العَدْلِ الرِّضا دِيَمٌ
مِنَ الرِّضـــــــا وأنار الله مَرْقَدَهُ
عرفته -رحمه الله تعالى- نسيج وحده، وفريد نوعه، في تمسكه بدينه، ونصرته لقضية الإسلام وإيمانه بأن المغرب ثغر مهم من ثغور الإسلام وحصن منيع من حصونه، قارئ نهم مدقِّق، واسع الاطلاع على التراث العربي والإسلامي المخطوط منه والمطبوع.
برع في علم المخطوطات قراءة ومعرفة، وانتقاء ووصفا مكتبيا، وجوّد في تحقيق المخطوطات، ونسخ كثيراَ منها، له ولغيره حين لم تكن آلات تصويرها ميسورة، ذو حِسّ دقيق وبَصَرِ نافذ، أفنى عمره ناشرا فضائل التراث، مدافعا عن العلم والعلماء، نائيًا بنفسه عن التزلُّف لذوي الحُكم والسلطان، وهو من القلة الذين آثروا العمل بعيدًا عن الأضواء والشهرة، في زمن صار الكل فيه يلهث وراء المال أو الشهرة، إلا ما رحم ربك، وقليل ما هم.
ملك مكتبة عامرة من أنفس المكتبات الخاصَّة، تحوي نوادر المخطوطات والبحوث والدراسات.
وفتح مجالس العلم بداره التي كانت تعقد كل يوم الجمعة واستمرت لعقود، فكانت مَجْمعَ العلماء وطلبة العلم من أنحاء العالم.
لا يمكن أن يتصور علوّ همتة وتفانيه في العلم وخدمته وجمعه، إلا من تعرف عليه عن كثب، مثال في الهمة والطموح حتى بعد أن تقدم به السن، وألحت عليه الأمراض، صادق اللهجة، كريم الأخلاق والسجايا، لين العريكة، صاحب فُكاهة وأدب لا تُملُّ مجالسه، لما يُضفيه عليها من الفوائد والنوادر والنِّكات، يألف ويؤلف، من الأمَّارين بالمعروف النهَّائين عن المنكر، أجمعت قلوب من رآه أو قرأ كتبه على محبَّته، واتَّفقت ألسنتهم على الثناء عليه، فأثنى عليه علماء هذا العصر وشهدوا له شهادة حق وصدق، وتحدثوا عن فضله وعلمه وثباته على السنة وعلى منهج السلف الصالح، وما ذلك إلاَّ لكونه مثالاً قريباً لما ينبغي أن يكون عليه المؤمن الحقِّ من التأسِّي بهدي السلف الصالح في حرصهم الدائم على الاستكثار من الأعمال الصالحة والعلوم النافعة، وتتبُّعهم لطرق الخير، ومحبتهم الصادقة للنفع العامِّ لجميع المؤمنين.
ذالكم هو شيخنا محمد بن الأمين بوخبزة رحمه الله تعالى.. العلَم الشامخ، والصرح الراسخ، مدرسةٌ في الأخلاق المرعية، وجامعة في العلوم الشرعية.. ومكتبة متنقلة.. لا يمكن وصف جميع مشاهداتي وفوائدي التي قيدتها منه في دفاتر خاصة، أو الحديث عن بعض الأخبار عنه في هذه العجالة، لكن يكفي من القلادة ما أحاط به العنق.
لقد عاشرتُه أكثر من عقدين من الزمن، لمست فيها سماحته، وطيب معشره، وتواضعه، وخلقه الكبير، وحب الناس له، إنه صورة حية وواقعية لأخلاق السلف الصالح، فسبحان من بيده الأمر كله، وإليه يرجع الأمر كله، وسبحان من فضّل بعض عباده على بعض، فجعل لهم من القبول والمحبة في قلوب الناس ما لا يستطاع تحصيله بمال ولا بجاه، ﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّا﴾.
فمن لا يحزن لرحيل مثل هؤلاء المشاعل، الذين زهدوا في الدنيا، وراحوا يزرعون الخير في كل الطُرقات، لعل الله أن يهدي بهم خلقا كثيرا.
فمهما سطرت الأقلام عن شيخنا، ومهما أريقت الأحبار عن مآثره، فلن نفيه حقه من الثناء والعرفان لما قدمه في حياته الحافلة بالعلم والتدريس ونشر العلم والدعوة، فما عمله فوق وصف الواصفين، وفي سيرته العطرة فليقتد المقتدون.
ستبكيه تطوان، بل المغرب، ستبكيه الأمة الإسلامية جمعاء.. سيبكيه أولاده وأحفاده وطلبته ومحبوه..
إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا على فراقك يا شيخَنا لمحزونون..
وكتبه تلميذه وابنه وصاحبه عادل خزرون التطواني.
د.الريسوني: العلامة بوخبزة أحد العلماء الأجلاء الأبرار والزهاد الأخيار
كتب الدكتور أحمد الريسوني بأن “المغرب والأمة الإسلامية فقدا هذا اليوم أحد العلماء الأجلاء الأبرار، والزهاد الأخيار، وهو العلامة محمد بن الأمين بوخبزة (أبو أويس)، الذي وافاه الأجل المحتوم بمدينته تطوان، عن عمر ناهز التسعين عاما”.
وأضاف رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين “قد كان الفقيد الكبير -منذ عشرات السنين- قبلة للعلماء والباحثين والمحققين، من المغرب والمشرق، يزورونه وينهلون من علومه، ويتباحثون معه في مختلف القضايا العلمية، وخاصة في مجال المخطوطات”.
وختم الدكتور الريسوني نعيه بقوله “نسأل الله تعالى لفقيدنا الكبير أن يكرم مثواه ويسبغ عليه من رحمته ومغفرته، ويعلي مقامه عنده سبحانه.
ونتقدم بأحر تعازينا إلى كافة أفراد أسرة الفقيد، وفي مقدمتهم الأستاذان الكريمان: الأمين بوخبزة، وأحمد بوخبزة، وإلى محبيه وتلاميذه مشرقا ومغربا.
والبقاء لله، وإنا إليه راجعون”.
الشيخ أبو إسحاق الحويني: فقدنا عالما محققا من آخر أعيان المحققين في المغرب
نعى الشيخ المصري المشهور أبو إسحاق الحويني شيخه المغربي العلامة محمد بن الأمين بوخبزة رحمه الله.
ونشر الشيخ الحويني في حسابه على تويتر الراحب بقوله: “لقد فُجعنا صباح اليوم بوفاة شيخنا العلامة محمد الأمين بوخبرة أبي أويس التطواني بفقده فقدنا عالمًا محققًا من آخر أعيان المحققين في المغرب فاللهَ أسأله أن يغفر له وأن يُعلي مقامه في الصالحين ونحن على فراقك يا شيخنا لمحزونون وفي الله خلَفٌ وهو المستعان”.
الشيخ المغراوي: محمد بوخبزة محب للسنة وأهلها وذابّ عن الحديث وأهله
بلغنا صباح اليوم الخميس 4 جمادىٰ الآخرة 1441هـ الموافق لـ 30 يناير 2020م.. وفاة أخينا الشيخ محمد بن الأمين بوخبزة..
وكان الشيخ فاضلاً.. مُحبًا للسنة وأهلها.. ذابًّا عن الحديث وأهله.. نحسبه والله حسيبه..
اللهم ٱغفر له وٱرحمه.. وعافه وٱعف عنه.. وأكرم نزله ووسع مدخله.. وٱغسله بالماء والثلج والبرد.. ونقه من الخطايا كما ينقىٰ الثوب الأبيض من الدنس.. وأبدله دارًا خيرًا من داره.. وأهلا خيرًا من أهله.. إنا لله وانا إليه راجعون..
تعازينا لأسرته وذويه