الافتراء

الافتراء: هو الكذب في حقِّ الغير بما لا يرتضيه، وقال بعضهم: الافتراء هو العظيم من الكذب، وقال السيوطي رحمه الله: الافتراء اختراع قضية لا أصل لها.

أما البهتان فمعناه الكذب الذي يُبهَت سامعُه، أي: يُدهش ويتحير، وهو أفحش الكذب. فحين يُستَقبَل الشخص بقذفه بذنب هو منه بريء فذلك البهتان.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ذكرك أخاك بما يكره. قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول، فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهتَّه) .

قال النووي: “يقال: بهَتَه بفتح الهاء مخففة، قلتَ فيه البهتان، وهو الباطل، والغيبة ذكر الإنسان في غيبته بما يكره، وأصل البهت أن يقال له الباطل في وجهه، وهما حرامان”.

ومما لا شك فيه أن الافتراء والبهتان من المحرمات، وعدَّه بعض أهل العلم من الكبائر.

ولا شك أيضا أنه درجات وأنواع، ونشير منها إلى ما يلي:

أولا: الافتراء على الله

وهو أشد أنواع البهتان وهو قسمان:

القسم الأول: أن يقول: قال الله كذا، وهو كاذب على الله. قال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ} (العنكبوت: 68).

قال ابن كثير رحمه الله: “لا أحد أشدُّ عقوبة ممن كذب على الله، فقال: إنَّ الله أوحى إليه شيئًا، ولم يوحَ إليه شيء، ومن قال: سأنزل مثل ما أنزل الله. وهكذا لا أحد أشدُّ عقوبة ممن كذَّب بالحقِّ لما جاءه، فالأول مفترٍ، والثاني مكذِّب؛ ولهذا قال: أليس في جهنم مثوى للكافرين”.

وقال الله تعالى: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (الأعراف: 28).

قال الطبري رحمه الله: “يقول الله جل ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ” قل “يا محمد لهم: “إن الله لا يأمر بالفحشاء”، يقول: لا يأمر خلقه بقبائح الأفعال ومساويها “أتقولون” أيها الناس، “على الله ما لا تعلمون” ، يقول: أتروون على الله أنه أمركم بالتعرِّي والتجرد من الثياب واللباس للطواف وأنتم لا تعلمون أنه أمركم بذلك؟”.

والقسم الثاني: أن يفسر متعمدًا كلام الله بغير ما أراد الله؛ لأنَّ المقصود من الكلام معناه، قال سبحانه: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ، مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (النحل:116ـ 117). وهو من القول على الله تعالى بغير علم، وهو من أكبر الكبائر وأعظم الذنوب، وقد جعله الله سبحانه وتعالى عديل الشرك، وتوعد عليه بالعذاب الأليم، قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (الأعراف:33).

ثانيا: الافتراء على الرسول

وهو قسمان أيضا:

القسم الأول: بأن يقول: قال رسول الله كذا، ولم يقله، لكن يكذب عليه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كذب علي متعمدا، فليتبوأ مقعده من النار) [متفق عليه].

والكذب على النبي صلى الله عليه وسلم داخل في الكذب على الله، يقول ابن حجر في الفتح: “تقويله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل يقتضي الكذب على الله تعالى، لأنه إثبات حكم من الأحكام الشرعية سواء كان في الإيجاب أو الندب، وكذا مقابلهما وهو الحرام والمكروه”.

القسم الثاني: تفسير حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير معناه متعمدًا، وهو من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا؛ فكما أنه لا يجوز الكلام في تفسير القرآن العظيم بغير علم، فكذلك السنة فإنها وحي ثان. فتفسير الأحاديث النبوية دون علم شرعي، وبمجرد الرأي، هو من القول على الله بلا علم. قال ابن تيمية: “والمقصود: أن من تكلم بلا علم يسوغ، وقال غير الحق فإنه يسمى كاذبا”.

ثالثا: الافتراء على المؤمنين

كأن يتقوَّل على أحد من المسلمين ما لم يقله، أو يقذفه بذنب هو منه بريء، أو أن يغتابه بما ليس فيه.

وقد قال الله سبحانه وتعالى فيمن ينقل عن المؤمنين والمؤمنات ما لم يفعلوه: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} (الأحزاب:58).

قال الطبري رحمه الله: “{فقد احتملوا بهتانًا وإثمًا مبينًا} يقول: فقد احتملوا زورًا وكذبًا وفرية شنيعة، وبهتان: أفحش الكذب، وإثمًا مبينًا يقول: وإثمًا يبين لسامعه أنَّه إثم وزور”.

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(الممتحنة: 12).

قال السعدي رحمه الله: “البهتان: الافتراء على الغير، أي: لا يفترين بكلِّ حالة، سواء تعلَّقت بهنَّ وأزواجهنَّ، أو سواء تعلَّق ذلك بغيرهم”.

وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه – وكان شهد بدرًا وهو أحد النقباء ليلة العقبة-: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال – وحوله عصابة(أي مجموعة) من أصحابه-: (بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئًا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئًا، فعوقب في الدنيا، فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئًا، ثم ستره الله، فهو إلى الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه) فبايعناه على ذلك.

قال البغوي: “معنى الحديث لا تبهتوا الناس افتراءً واختلاقا بما لم تعلموه منهم، فتجنوا عليهم من قبل أيديكم وأرجلكم، أي: قِبَل أنفسكم جناية تفضحونهم بها، وهم برآء، واليد والرِّجل كناية عن الذات”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *