تأويل صلاح الدين بن إبراهيم لاسم الله الرحمن ناصر عبد الغفور

من الآيات التي اعتبرها صلاح الدين إبراهيم مواقع للمعنى المزعوم عنده: قول تعالى: “قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا”-مريم:75.
ووجه الدلالة في زعمه أن المقام مقام تهديد، فمن تمادى في الضلالة فالرحمن لا يبالي به، فليهلكن بضلالته، بل يمد له الرحمن في ضلالته، وهذا مما يدل على أن الرحمن اسم تخويف خلافا لما يعتقده الناس.
لكن ليس في الآية ما يدل على المعنى الذي فهمه هذا المتأول -عن قصد أو سوء قصد- لاسم الله الرحمن، بل ورود هذا الاسم في هذا المقام للدلالة على أن رحمة الله تعالى لا تمنعه سبحانه من استدراج من يستحق الاستدراج، بل إن نزول نعمه – بمقتضى اسمه الرحمن- على المتمادي في الضلال والعصيان هو عين الاستدراج لأهل الظلم والطغيان.
يقول الإمام البيضاوي رحمه الله تعالى: “{قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا} فيمده ويمهله بطول العمر والتمتع به، وإنما أخرجه على لفظ الأمر إيذانا بأن إمهاله مما ينبغي أن يفعله استدراجا وقطعا لمعاذيره”( ).
قوله تعالى: “إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93)”-مريم-:
وهذه كذلك من الآيات التي استدل بها صلاح الدين بن إبراهيم على أن اسم “الرحمن” اسم تخويف لا اسم رحمة، ووجه الاستدلال عنده أن الآية وردت في معرض العزة والإباء من الله تعالى للشرك.
فالآية فيها إجبار لا تشريف، واسم الرحمن في هذا الموقع يشبه اسم العزيز والعلي والكبير.
فكل الخلق آت عبدا، لمن؟ للرحمن: العزيز الجبار العلي.” اهـ.
وليس للمسكين أدنى دليل يحتج به في فهمه هذا أو يكون عليه التعويل، بل كلامه مجرد كلام لا حجة عليه ولا برهان، وكيف يكون تفسيره معتبر وليس عليه أدنى بينة أو أثر.
والآية وإن كانت في مقام التخويف بذلك اليوم العظيم، يوم يقوم الناس لرب العالمين فيأتونه سبحانه فرادا للعرض والحساب والسؤال عما سطر في الكتاب، لكن ذكر اسم الرحمن في هذا المقام العظيم لم يكن لما توهمه ذاك النكرة وإنما لأمر آخر وهو بيان رحمة الله تعالى في ذلك الموقف الجلل، فرحمته سبحانه سبقت غضبه واذخر من الرحمة لذاك اليوم أضعاف أضعاف ما أنزله في هذه الدار، كما صحت بذلك الأخبار.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه: “إن الله حين خلق الخلق كتب بيده على نفسه: إن رحمتي تغلب غضبي”( ).
وعنه أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “جعل الله الرحمة مائة جزء فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءا وأنزل في الأرض جزءا واحدا فمن ذلك الجزء تتراحم الخلق حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه” -متفق عليه-.
وظهر لي وجه آخر من ذكر اسم الرحمن في قوله تعالى: “إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا(93)” -مريم-، وهو أن الخلائق ستأتي بين يدي الرب الذي خلقها وأمدها بالنعم التي لا تعد ولا تحصى وكل ذلك من آثار رحمته، ستأتي يوم القيامة للوقوف بين يديه، بين يدي من أسبغ عليها بالنعم بحكم رحمته بها، ستأتي لتسأل عن تحقيق شكر تلك النعم. هل قابلتها بالشكر فوحدته سبحانه وأفردته بالعبودية كما أفردها بالنعم أم كفرت فأشركت وعصت وتجبرت وطغت وعن أمره أعرضت.
فالخلائق كلها مفتقرة إلى رحمته وربوبيته، وهذا يلزمها أن تقر بألوهيته حتى لا تستحق العذاب، ففي الآية” استدلال على احتياج جميع الموجودات إليه وإقرارها له بملكه إياها-سبحانه-“( ). وهذا يلزمها أن تحقق الألوهية والعبودية له سبحانه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *