أًصبح الناس في رعب… وبئس الحال حين يصير الشعور بالرعب وعدم الأمن إحساس يختلج الفؤاد ويهز الكيان. ومعه تفقد الحياة لذتها ولا يبقى للعيش طعم.
فما تظهره كاميرات التسجيل من حوادث إجرامية تصل إحداها إلى حد البشاعة شيء يهز النفس، وانتشار هذه التسجيلات انتشار النار في الهشيم عبر مواقع التواصل الاجتماعي يذكي هذا الشعور ويعطي الانطباع أن البلد دخلت فوضى أمنية لا يدرى كيف ستنتهي.
فمنذ بروز ظاهرة “التشرميل” إلى العلن وكأنها حركة منظمة تسعى إلى بسط نفوذها على ربوع المملكة، وأن يصير لهذه العصابات الكلمة الفصل في توفير الأمن أو انعدامه. ورغم كل ما تلا ذلك من شجب واستنكار ونقاش وتدابير، يبدو أن الأمر لم يحسم بعد، رغم كل ما لاكته الألسن وما دبجته الأقلام عن مقاربات المعالجة وسبل الوقاية وتدبير الحل.
لكن ومع تواضع المتابعة لما تم تناوله من كل ذلك نلاحظ أن تنكبا -لا أدري مقصودا أم سهوا- عن الحل الأمثل والجدري لهذه الظاهرة الخطيرة.
هذا الحل يكمن في تفعيل ترسيخ القيم في صفوف الناشئة قصد حمايتها من الارتماء في براثين الإجرام بكافة أنواعه، وأيضا تفعيل دور المجالس العلمية القائمة على الوعظ والإرشاد والحوار مع المجرمين حين اعتقالهم وبعد إيداعهم السجن، حيث بعضهم يخرجون أكثر خبرة وتجربة وجرأة على مزيد من الإجرام.
إن للوازع الديني والقيم الإسلامية أبلغ الأثر في تغيير الشخصية والتأثير عليها لتتحول من عدوانية إلى رحيمة، ومن مجرمة إلى محسنة، تراقب الله عوض مراقبة البشر، والخوف من الله بدل الخوف من سطوة القانون.
إن العقوبة مهما كانت بالغة إذا لم يسبقها احتياط تربوي أخلاقي تبقى قاصرة عن بلوغ هدف القضاء على الإجرام أو الحد من انتشاره.
أعلم أن هذه المقاربة تسعى جهات في تحييدها إما لرغبتها في بقاء الإجرام لأنها تستثمره لصالحها ومصالحا الخاصة، وإما لكراهيتها لكل ما له صلة بالدين والقيم الإسلامية حفاظا على الأطروحة العلمانية من الاندحار، وأن ينفضح أمرها أمام العامة، وأن يبقى الإسلام حبيس المساجد في انتظار الإجهاز عليه كلية. وقد سمعنا من يحرض على الكتاتيب القرآنية بدعوى أنها سبب في إنتاج الإرهاب، بكل وقاحة وجسارة.
ولكن لا يمنع ذلك من بعث هذه الرسالة لعلها تتلقفها جهات لا زالت تحافظ على قدر من الانتماء إلى الدين والهوية، وصدق الانتماء إلى الوطن، فتعمل على تفعيلها وأخذها على محمل الجد رحمة بهذا الوطن وشعبه. وإلا فإن الإجرام عندما ينتشر ويصير المجرمون دولة داخل الدولة عندها لن تستطيع قوة مهما كانت في إيقاف مده والدليل ما ترون. ولعل لجوء دول لا تدين بالإسلام إلى هذا الإجراء خير دليل على فعاليته وضعف الإجراءات العقابية والأمنية على تحقيق نتائج إيجابية ومرضية. رغم قوتها ومصداقيتها في تلك البلدان.
عندنا الحلول ومع ذلك مشاكلنا لا تنقضي، نترك الحلول المؤثرة ونذهب نبحث عن حلول ترقيعية. ليصدق فينا قول القائل:
كالعيس في البيداء يقلتها الظما… والماء على ظهورها محمول