قال صلى الله عليه وسلم: (يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها)) فقال قائل: أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: ((بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل؛ ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن)، فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: (حب الدنيا وكراهية الموت) 1.
هذا ما أخبر به الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام أصبحنا نعيشه في عصرنا بكل المقاييس، فهؤلاء أعداء الأمة تكالبوا عليها من كل جهة يريدون أن يغرقوها في الشهوات والمعاصي والمنكرات، وإضاعة أموالها وطاقاتها في الفساد والإفساد ونشر الفاحشة والدعوة إلى الرذيلة، حتى إن حياة المسلم المتمسك بدينه، المبنية على إقامة العبودية لله تعالى وحده لا شريك له، وعلى الطهر والعفاف والحياء والغيرة أصبحت حياة محفوفة بالأخطار والمكاره.
فقد نشر الأعداء أمراضا كثيرة من الشبهات في الاعتقادات والعبادات، وأمراضا من الشهوات في السلوك والمعاملات، وعمقوها في حياة المسلمين في أسوأ مخطط مسخر لحرب الإسلام، وأسوأ مؤامرة على الأمة الإسلامية، تبناها (النظام العالمي الجديد) في إطار نظرية الخلط بين الحق والباطل، والمعروف والمنكر، والصالح والطالح، والسنة والبدعة، والقرآن والكتب المحرفة كالتوراة والإنجيل، والمسجد والكنيسة، والمسلم والكافر، ووحدة الأديان، وهي التي يسمونها بالعولمة، ونظرية الخلط هذه أنكى مكيدة لتذويب الدين في نفوس المؤمنين، وتحويل جماعة المسلمين إلى سائمة تُسَام، وقطيع مهزوز اعتقادُه، غارق في شهواته، مستغرق في ملذّاته، متبلد في إحساسه.
ومن أكبر وأشأم الوسائل التي اعتمدها أعداء الأمة ومن تولوا عن حماية الفضائل في نسائهم ونساء المؤمنين من بني جلدتنا، أن أكثروا من الدعوات الآثمة، والشعارات المضللة باسم حقوق المرأة، وحريتها، ومساواتها بالرجل… في قائمة من الدعاوى التي تناولوها بعقول صغيرة، وأفكار مريضة، يترجلون بالمناداة إليها في بلاد الإسلام، وفي المجتمعات المستقيمة لإسقاط حجاب المرأة وخلعه، وقتل روح الحياء والعفة في نفسها، ونشر التبرج والسفور والعري والخلاعة والاختلاط وجميع ألوان الفساد 2.
هذا وقد تعددت الطرق والأساليب التي يعتمدها الأعداء في إفساد المرأة، وهي نفسها الطرق والأساليب التي اتبعها أسلافهم في كل زمان ومكان، كما أنها هي نفسها التي كان المنافقون يسلكونها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالمتابع لأطروحات هؤلاء الأعداء يجد أنهم يصدرون جميعا عن مصدر واحد، ويجترون نفس الأفكار التي ذكرها أسلافهم من قبل، كرفاعة الطهطاوي وقاسم أمين وأشباههما.
وأطروحاتهم التحررية التي جلبوها من الغرب هي أطروحات لم تتغير منذ ذلك الوقت حتى يومنا هذا سوى تغير طفيف في مراعاة البيئات ومستجدات العصر، لكن المطالب الأساسية لديهم مكررة معادة نقرأها في كتب القدامى ونسمعها من أفواه المعاصرين أبواقا تمر عبرها أفكار اليهود والنصارى لتخرج لنا أفكارا يهودية بلهجة محلية.
ويمكن تلخيص معالم منهج هؤلاء المفسدين والطرق التي سلكوها لإفساد المرأة في النقط الآتية:
أولا: التمييع
بحيث يعمد هؤلاء إلى جعل الفساد أمرا طبيعيا معتادا، وذلك بطرح مجموعة من الأفكار والمقالات الصحفية ونشر الكتب والقصص والروايات التي لها ارتباط بقضية إفساد المرأة، وهكذا يبدأ عامة الناس بقبول تلك الأفكار ويبدأ تأثيرها يتسرب شيئا فشيئا إلى تفاصيل حياتهم اليومية، ومن القضايا التي يتناولها المفسدون في هذا الإطار ما يلي:
1: الاختلاط
يروج القوم لجميع ألوان الاختلاط وفي جميع المجالات والمنتديات، ومن التطبيقات العملية التي ينفذونها في واقعنا المعاش الاحتفالات والمهرجانات المختلطة التي نشاهدها بين الآونة والأخرى، وإذا نصح لهم مصلح أجلبوا عليه بكل ما يجدون من وسائل السب والإقصاء، وادعوا أنه يريد الرجوع بنا عن مجالات التقدم، وكأن التقدم مع المحافظة على الحياء والعفة والأخلاق الحسنة أمر لا يمكن، ويزعمون أن الاختلاط أمر طبيعي بل وضروري.
2: إظهار الألبسة العارية على أنها رقي وتقدم
وهذه الألبسة العارية ابتدأ ظهورها في الصحف والمجلات العربية بعد سقوط الخلافة الإسلامية عام 1924م، وكان ظهورها جريئا في وقت كانت المرأة المسلمة لا تزال متمسكة بحجابها الكامل، لكن الضغط الإعلامي والدعوة إلى الموضة وهيمنة المستعمر أجبر النساء على التخلي عن الحشمة ثم الانجراف قليلا قليلا صوب السفور والجري خلف الموضات، ولا يزال هذا السيل الجرار من هذا العري يزداد يوما بعد يوم، ولعل أهم وسائل نشر العري إتخام الأسواق وملئها بأصناف الألبسة الغربية المنافية للدين والحشمة والعفاف لإجبار النساء على ارتدائها لعدم أو صعوبة وجود البديل الساتر العفيف.
3: جعل القدوة الحسنة في أهل الفن من ممثلين وممثلات ومغنين ومغنيات والفاسقين والفاسقات
وذلك بالاهتمام بهم وتشجيعهم والتنويه بهم في وسائل الإعلام، فتبرز تفاصيل حياتهم واهتماماتهم وتجرى معهم المقابلات.. في حين يهمش المصلحون من العلماء وأهل الخير.
4: تعظيم الغرب وأهله وتقديمهم في صورة المتقدم
والملاحظ أن هؤلاء العلمانيين المفسدين لا يعظمون المظاهر الحسنة التي امتاز بها الغرب من الاختراعات والعلوم الطبية والتقنية وغيرها، وإنما يركزون أحاديثهم وجميع إنتاجهم على ما يريدون من الفساد، فكانت ثقافتهم أشبه بثقافة الذباب يترك الزهور والورود وكل شيء جميل ولا يقع إلا على العفن من الأشياء.
5: استمراء الفاحشة والفساد
وذلك بتعويد الناس على إظهار صور من الانحلال الجنسي في وسائل الإعلام بصور تبدو كأنها عفوية بحجة الرشاقة وتمارين تخفيف الوزن، أو باسم التمارين الرياضية، أو باسم الإشهار والرواج التجاري، ومن الأساليب الخادعة لنشر التفسخ والفاحشة في المجتمع تخصيص الصفحات الكاملة للحديث عن مشاكل المرأة الجنسية بالتفصيل المثير للغرائز، أو الحديث المطول عن الفضائح الجنسية والجرائم المتعلقة بالاغتصاب وقصص الحب والغرام على شكل أفلام ومسلسلات تبث في القنوات الفضائية، ويهدفون بهذه الطريقة إلى غرس الرذيلة في نفوس الشباب وإقناع الناس بتدهور المجتمع وأن هذه الجرائم من الأمور المستشرية التي لا يخلو منها بيت.
6: تحسين العلاقات المحرمة
وذلك حتى يصلوا إلى تسويغها في النفوس، فراحوا يبعدون الشباب عن الزواج وينادون بإلحاح على تأخير الزواج للفتاة بالذات، ويبررون ذلك بأن في زواجها ظلما للأولاد وخاصة إذا كانت تتابع دراستها.
ثانيا: استغلال الدين
لعلم هؤلاء المفسدين أن للدين أثرا كبيرا على الناس فقد حرصوا على أن يركبوا مطيته، ويقولوا الحق ليصلوا به إلى الباطل، فتراهم ينهجون منهج العرض الديني في أطروحاتهم لإفساد المجتمع، وهذا المنهج قديم كشفه الله سبحانه في قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ، وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ﴾3 ، فيستعمل هؤلاء المصطلحات الدينية للاحتيال والتلبيس ومن أمثلة ذلك:
1: التأكيد على الخلاف الفقهي والاستدلال بالأقوال الشاذة
فتجدهم يتصيدون زلات العلماء وأقوالهم الشاذة، وإذا أنكرت على أحدهم يحتج عليك بأن هذا قول عالم كبير في الإسلام أو غير ذلك من الحجج الواهية من بيت العنكبوت، والقضايا التي يعبرون من خلالها إلى الإفساد يسعون فيها إلى إثارة الخلاف كالحجاب والاختلاط والغناء..، وهم يتميزون في هذا الشأن بأنهم:
لا يفقهون الخلاف الفقهي في غير هذه القضايا التي يثيرونها ويدندنون حولها، فبينما تراهم محيطين بالأقوال الشاذة حول ذلك وإثارتها والبحث عن أقوال أهل العلم في ذلك بما يخدمهم تجدهم في المقابل لا يعرفون في غيرها من أمور الدين شيئاً.
عندما يتحدثون عن الخلاف الفقهي لا يبحثون عن الراجح والأقرب للأدلة والإجماع بل يبحثون عن الأقرب لأهوائهم حتى ولو كان دليله ضعيفاً أو لا دليل عليه أو كان شاذاً غريباً.
2: ادعاؤهم فهم الدين
فغالبا ما يزعم هؤلاء أنهم هم الذين يفهمون عمق الإسلام وروحه وسماحته ويهاجمون التفسيرات الصحيحة لأحكام الإسلام ويتهمون غيرهم بالجمود والنصية والتشدد في الدين.
3: التمسح بالدين
لا يفوت القوم أن يختموا أطروحاتهم حول تحرير المرأة بالتأكيد على أن دعواتهم هذه يتم طرحها وفق الثوابت الدينية ودون المساس بها، فنجد في كلامهم عبارات مثل: (في ما لا يخالف الدين)، (في ظل عقيدتنا السمحة)، (حسب ضوابط الدين الحنيف)، (وفقا للضوابط الشرعية) وهكذا، وهذا كله لا يجاوز حناجرهم بينما فكرهم وسلوكهم يعارض ذلك تماما.
ثالثاً: احتواء الأقلام والمواهب النسائية في الشهرة والظهور الإعلامي
وذلك عن طريق استدراجهن بألوان الإغراء كالمال أو الشهرة أو المقايضة بتسهيل أمورهن، وفي المقابل إقصاء ومحاربة الأقلام النسائية الشريفة التي لا يستطيعون احتوائها.
رابعاً : ادعاء نصرة المرأة
يدعي هؤلاء أنهم إنما يريدون نصرة المرأة ويسمون المعارضين لهم بأنهم نصبوا أنفسهم أوصياء على المرأة، ولكن أطروحاتهم تبتعد عن الحقوق الحقيقة المهضومة فيها المرأة، فهم لا يطرحون ذلك إلا لتوظيفها فيما يخدم أهدافهم ومن أسلوبهم في هذه الدعوى:
1: استغلال المشاكل الاجتماعية للمرأة وجعلها شعارا لمشاريعهم التخريبية
حيث يوجد في مجتمعنا تعامل ظالم من بعض الأزواج أو الآباء مع نسائهم وبناتهم، وهذا لا يقره الإسلام ولا العقل، لكن مثل هذه الأمور يسارع العلمانيون لنشرها، ويزعمون أنها الغالبة في المجتمع حتى يتوصلوا بها إلى أغراضهم السيئة…
2: مهاجمة تعدد الزوجات
ويستغلون في ذلك سوء تعامل بعض الأزواج لزوجاتهم وظلمهم الواضح لهن في عدم النفقة وغير ذلك..
خامسا: التشكيك في شرعية الحجاب
الحجاب عند العلمانيين هو المفصل الأهم في قضية المرأة وهو مصدر الرعب لقلوبهم، ومتى استطاعوا كسر هذا المفصل يسهل عليهم النجاح في تحقيق إفسادهم، لذلك اعتمدوا على منهج التشكيك في شرعيته أولا ثم في مناسبته لهذا العصر ثانيا، فيرتدون لباس الطهر في هذا الجانب ويتباكون على تضييع حقيقة الدين ويكذبون على أحكام الدين ليوهموا المسلمين بأمور:
– أن الحجاب ليس من الدين أصلا؛ وإنما لباس اجتماعي موروث عن الأجداد.
– لا يوجد دليل من الدين يوجب الحجاب على المرأة.
– العفاف عفاف القلب وليس بالحجاب؛ فهناك فاسقات يلبسن الحجاب وهناك عفيفات طاهرات لا يلبسن الحجاب، ثم يستمرون بالغمز واللمز لكل متحجبة بأنواع من الألقاب والسباب لتنفيرهن من حجابهن.
سادسا: استغلال وسائل الإعلام في إفساد المرأة
كانت وسائل الإعلام بمختلف أنواعها وسيلة من الوسائل التي ينفث فيها هؤلاء سمومهم منذ زمان بعيد، وللأسف الشديد أن الإعلام في العالم الإسلامي اليوم -في غالبه- لا يخدم قضايا الأمة، ولا يسعى في إيجاد الحلول لمشاكلها، بل لا يمثل فكر الأمة ولا دينها إطلاقاً، فهو سلاح بأيدي الأعداء وبوق من أبواقهم، وكان له الدور الأعظم في قيادة الأمة إلى الارتماء في أحضان عدوها، فمعظم وسائل الإعلام بجميع أنواعها من صحافة وتلفزيون وقنوات فضائية وسينما تسهم بشكل كبير في إفساد المرأة المسلمة في بلاد الإسلام قاطبة.
والحمد لله أولا وآخرا.
—————————–
1 ) أخرجه أبو داود في السنن تحت رقم: 4299، باب في تداعي الأمم على الإسلام.
2 ) حراسة الفضيلة للشيخ بكر أبي زيد رحمه الله، ص: 7، 8 .
3) سورة البقرة، الآية: 205.