قال الله تعالى: (إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلْفَٰحِشَةُ فِى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلْآخِرَةِ ۚ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).
إن هذه الآية الكريمة بمثابة قانون إلهي في التحذير الشديد من السعي بأي وسيلة لانتشار الفواحش في المجتمع المسلم؛ يقول الإمام الرازي رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: (ومعنى “تشيع” تنتشر وتكثر، ومنه قولهم: شاع الحديث. إذا ظهر بين الناس.
والفاحشة: هي الصفة البالغة أقصى دركات القبح، كالرمي بالزنا وما يشبه ذلك.
وهي صفة لموصوف محذوف؛ أي: الخصلة الفاحشة، والمقصود بمحبة شيوعها: محبة شيوع خبرها بين عامة الناس).
وكما هو مقرر في أصول التفسير أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؛ فالآية وإن نزلت بخصوص حادثة الإفك فإن عموم لفظ الآية دال على تحريم نشر مقالة السوء بين أفراد المجتمع المسلم؛ ولنا هنا أن نقف عند أمرين هامين أشارت لهما الآية الكريمة:
الأول: أن الله تعالى قال: (يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُو)؛ فأشار إلى مجرد محبة انتشارها؛ فما بالك بتقنينها لتكون قانونا مرخصا به! بله أن يستميت بعضهم في الدفاع عنها باعتبارها حريات فردية!!؛ وهذا التلميح فيه ما فيه من التحذير والوعيد؛ والمبالغة في الإنذار لمن يهمه الأمر؛ نظير قوله تعالى: (وَلَا تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰٓ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلًا)؛ وهذا أسلوب قرآني فريد في التحذير من المحرمات بالنهي عن القرب من الفواحش قبل ارتكابها؛ إذ الوقاية خير من العلاج.
والثاني: في قوله سبحانه: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)؛ أي أن الله تعالى له العلم المطلق بالمفاسد والمصالح في عاقبة الأمور؛ فحب الفاحشة والسعي في نشرها بين الناس فيه ما فيه من المفاسد التي يعلم بعضها الإنسان ويجهل أكثرها؛ فحري بالمسلم أن يكون ممثلا للقرار الإلهي في تقدير المصالح والمفاسد على الفرد والمجتمع؛ بدل الاغترار والعجب بعقله في هذا الأمر.
ومن هنا نعلم أن ما يسعى إليه بعض الناس في رفع الحظر على وجوب الإدلاء بعقد الزواج في المؤسسات الفندقية يدخل في هذه الآية ولا شك؛ فإباحة المبيت لرجل وامرأة في فندق دون طلب شهادة عقد الزوجية إشاعة للفاحشة في المجتمع؛ والدليل على هذا ما يلي:
1- من أصول المذهب المالكي “سد الذرائع” ومعناه المنع خشية الوقوع في المحظور؛ وفتح هذا الباب أمام الناس سيجعل من المؤسسات الفندقية أوكارا للدعارة.
2- القانون الجنائي المغربي في المادة 499 التي جاء فيها: (كل علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة الزوجية تكون جريمة الفساد ويعاقب عليها بالحبس من شهر إلى سنة)؛ فإذا جاء رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة الزوجية إلى مؤسسة فندقية بقصد المبيت فيها دون التوفر على عقد الزواج فهذه قرينة فساد! لأنها الخلوة المحرمة شرعا؛ والخلوة اعتبرتها المدونة قرينة في استحقاق الصداق للمرأة؛ فكيف يتم تجاهلها هنا في المبيت بين رجل وامرأة؟؟!!!
والغريب أن بعض الجاهلين بالقانون يدعون أنه لا يوجد نص قانوني في مطالبة المؤسسة الفندقية بعقد الزواج!!!
3- على فرض عدم وجود سند قانوني في هذا الموضوع؛ أليس الشرع المطهر بحد ذاته قانون يجب الاحتكام إليه؟؟؟!!! فإلى جانب الآية الكريمة أعلاه هناك نصوص متواترة على تحريم خلوة الرجل بامرأة لا تحل له؛ قال عليه الصلاة والسلام: (ألَا لا يَخْلُوَنَّ رجُلٌ بامرأةٍ لا تَحِلُّ له؛ فإنَّ ثالثَهما الشَّيطانُ، إلَّا مَحْرَمٌ؛ فإنَّ الشَّيطانَ مع الواحدِ، وهو مِنَ الاثنَينِ أَبْعَدُ)؛ وهذا من مقاصد الشريعة الإسلامية في تجفيف منابع الانحراف الأخلاقي الذي صار يدافع عنه اليوم بعض الناس في بلاد المسلمين.
4- من أصول المذهب المالكي -وهو مذهب المغاربة الذي بنيت عليه مدونة الأسرة- اعتماد ما جرى به العمل في المعاملات بين الناس؛ واشتراط الإدلاء بعقد الزواج في المؤسسات الفندقية جرى به العمل بالمغرب منذ عقود؛ مما يدل على أن هذا الاشتراط له أصل؛ فلماذا الآن تطالب بعض الجهات بإسقاطه؟؟!!!
5- أن هذا السماح يتعارض مع دستور المغرب الذي ينص على أن المغرب بلد مسلم يحكمه أمير المؤمنين الذي هو حامي حمى الملة والدين؛ وكان الأولى -على الأقل- استفتاء المجلس العلمي الأعلى الذي يضم نخبة من علماء المغرب برئاسة أمير المؤمنين محمد السادس نصره الله؛ لأن المسألة أخلاقية يجب صون قيم المجتمع المغربي فيها؛ وليست المسألة من اختصاص وزير العدل فقط!!
للأسف نناقش هذه الأمور في وقت استفحال فيه القتل بأبشع صوره في إخواننا بغزة؛ وبدل أن يعمل أدعياء القانون والحقوق في إعداد مرافعات حقوقية بحقن دماء الشعب الفلسطيني الأعزل نجدهم يجتهدون في إشاعة الفوضى الأخلاقية في بلاد المسلمين…وحسبنا الله ونعم الوكيل…اللهم إني قد بلغت فاشهد…