الاستغاثة: المشروع والممنوع

“الاستغاثة مصدر استغاث وهو مأخوذ من الغوث، بمعنى الإغاثة والنصرة عند الشدة” لسان العرب.

قال ابن تيمية رحمه الله: “الاستغاثة طلب الغوث وهو لإزالة الشدة كالاستنصار طلب النصر، والاستعانة طلب المعونة” مجموع الفتاوى 1/105.

الفرق بين الاستغاثة والدعاء
قال بعض أهل العلم: الفرق بين الاستغاثة والدعاء أن الاستغاثة لا تكون إلا من المكروب وأما الدعاء فإنه أعم من ذلك، إذ إنه يكون من المكروب وغيره. فبينهما عموم وخصوص مطلق يجتمعان في دعاء المكروب، وينفرد الدعاء عنها في غير ذلك، فكل استغاثة دعاء، وليس كل دعاء استغاثة.

أنواع الاستغاثة
والاستغاثة نوعان:
استغاثة مشروعة: تكون بالله عز وجل وصفاته، أو بالمخلوق الحي الحاضر القادر، مع أن يعتقد المستغيثُ أن المغيثَ الحقيقي هو الله، أما المخلوق فإنما هو سبب فقط، وقد دلَّ على ذلك قول الله تعالى: “إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُم” الأنفال، وقوله تعالى عن نبيه موسى عليه الصلاة والسلام: “فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّه” القصص.
قال ابن تيمية رحمه الله: “الاستغاثة برحمته استغاثة في الحقيقة، كما أن الاستعاذة بصفاته استعاذة في الحقيقة” الفتاوى 1/111.
وقال ابن القيم رحمه الله: “ومن أنواع الشرك: طلب الحوائج من الموتى والاستغاثة بهم والتوجه إليهم، وهذا أصل شرك العالم، فإن الميت قد انقطع عمله وهو لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا، فضلا عمن استغاث به أو سأله أن يشفع له إلى الله” فتح المجيد 167.
استغاثة غير مشروعة: قال ابن تيمية رحمه الله: “من توسل إلى الله بنية في تفريج كربة فقد استغاث به، سواء كان بلفظ الاستغاثة أو التوسل أو غيرهما مما هو في معناهما، وقول القائل: أتوسل إليك يا إلهي برسولك أو أستغيث برسولك عندك أن تغفر لي: استغاثة حقيقية بالرسول في لغة العرب وجميع الأمم، والتوسل بالرسول استغاثة به، وهذا لا يجوز إلا في حياته وحضوره لا في موته ومغيبه، وذلك كله فيما يقدر عليه من الأمور كما قال تعالى: “وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ” وكقوله تعالى: “فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ”، أما فيما لا يقدر عليه إلا الله فلا يطلب إلا منه سبحانه وتعالى. ولهذا كان المسلمون لا يستغيثون بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولا يستسقون به ولا يتوسلون به بعد موته كما في صحيح البخاري: “أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استسقى بالعباس وقال: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقنا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيسقون”.
أما التوسل بغير النبي صلى الله عليه وسلم سواء سمي استغاثة أو لم يسم، لا نعلم أحدا من السلف فعله، ولا روي فيه أثر، بل لا نعلم فيه إلا المنع” مجموع الفتاوى 1/101-105 بتصرف.
مثل تطبيقي من حياة النبي صلى الله عليه وسلم في الاستغاثة
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: إن رجلا دخل المسجد يوم الجمعة من باب كان نحو دار القضاء، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب، فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما، ثم قال: يا رسول الله، هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع الله يغثنا. فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه، ثم قال: اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا. قال أنس: ولا والله، ما نرى في السماء من سحاب، ولا قَزَعَةٍ (قطعة من الغيم صغيرة)، وما بيننا وبين سَلْعٍ (جبل بقرب المدينة) من بيت ولا دار، قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل التُّرس، فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت. قال: فلا والله ما رأينا الشمس سبتا (أي قطعة من الزمان).
قال: ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب، فاستقبله قائما، فقال: يا رسول الله، هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله يمسكها عنا. قال: فرفع رسول الله يديه، ثم قال: اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب (الروابي الصغار)، وبطون الأودية ومنابت الشجر. فانقلعت وخرجنا نمشي في الشمس. البخاري
من فوائد الاستغاثة
1- فيها صرف الهمة كلها إلى الله المتصرف في الكون كله بكمال قدرته، واليقين بأن الخلق ينفِّذون قدره وأمره.
2- الاستغاثة في الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله من التوحيد، فهي دليل الإيمان به وحده.
3- بالاستغاثة تَقوى عزيمةُ الإنسان لمعرفته بأن من يستغيث به قادر على إغاثته.
4- الاستغاثة سبب من أسباب النصر كما حدث للمسلمين يوم بدر.
5- الاستغاثة تقوي الروح المعنوية للمستغيث وتعلمه بأن الفرج قريب.
6- الاستغاثة مجلبة للخير، وبها يعم الخير العباد والبلاد. (انظر نظرة النعيم 2/241-251).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *