حوار مع الدكتور أحمد أوزي

ينبغي مراجعة مناهج وطرائق تكوين وإعداد المدرسين في بلادنا، وإخضاع المتكونين إلى منهاج يأخذ بعين الاعتبار متغيرات العصر، وهي متغيرات كثيرة، منها أن مدرس اليوم لم يعد له دور محتكر المعرفة وناقلها وموزعها على المتعلمين..


المدرس بين تحديات اليوم وآفاق المستقبل: رؤية استشرافية

حاوره: باروش الحسين

 

كيف ترون أستاذ أحمد أوزي طريقة تكوين المدرس بين الماضي والحاضر والمستقبل؟

أعتقد أن تكوين المدرسين في مؤسسات ومعاهد إعدادهم وتكوينهم، ينبغي ألا يكون تكوينا اعتباطيا، وإنما ينبغي أن تكون برامج تكوينهم خاضعة لمعايير، تتحكم فيها حاجات المجتمع ومشروعه المجتمعي وتصوراته المستقبلية. وينبغي أن تكون برامج تستبق حاجات العصر وأوضاعه، ليتم إعداد مدرس اليوم الذي يكون تلاميذه للاندماج في مجتمعهم، الذي يتهيأون له بعد تخرجهم، أي بعد نحو 20 سنة، التي سيقضونها في المؤسسات التعليمية يتعلمون. إنه على سبيل المثال، ينبغي لمعلم التعليم الابتدائي أن يعلم تلامذته اليوم الكفايات والقدرات والمهارات التي سيحتاجون إليها عند تخرجهم وإنهاء تعليمهم في عام 2040.

لذلك نجد أن من بين مكوني المنهاج الدراسي في السويد مفكرون مختصون في الدراسات المستقبلية الذين بإمكانهم استشراف حاجات المستقبل. إن طبيعة التغيرات التي تنتاب المجتمعات البشرية قاطبة، تجعل من كل برنامج دراسي، مهما كانت جدته برنامجا لا يستطيع أن يفي بحاجات المجتمع المتطورة والمتغيرة. وهذا ما يفرض التغيير والتطوير المستمر والدائم للبرامج والمناهج، سواء تلك البرامج التي تكون المدرسين، أو تلك التي تكون المتعلمين.

لهذا، أرى أنه ينبغي مراجعة مناهج وطرائق تكوين وإعداد المدرسين في بلادنا، وإخضاع المتكونين إلى منهاج يأخذ بعين الاعتبار متغيرات العصر، وهي متغيرات كثيرة، منها أن مدرس اليوم لم يعد له دور محتكر المعرفة وناقلها وموزعها على المتعلمين، فهو لم يبق العازف المنفرد، في وقت يشهد فيه العالم تدفق المعرفة وسهولة النهل منها في أي وقت، وفي أي مكان. فالتلاميذ اليوم يمتلكون منذ سن مبكرة أجهزة تكنولوجية، تمدهم بالمعلومات التي يرغبون فيها بمجرد نقرة بسيطة.

لذلك نجد اليوم تطبيق ما يسمى البيداغوجيا المعكوسة، وهي البيداغوجيا التي يتم في البيت وخارج الفصل الدراسي ما كان يتم في المدرسة، يقوم به التلاميذ أنفسهم. ويغدو دور المدرس في الفصل الدراسي، مصاحبة التلاميذ ومواكبتهم، وتسهيل ما صعب عليهم فهمه. فالتلاميذ لديهم كل الوسائل التقنية الكفيلة بمساعدتهم على البحث عن المعلومات وتنظيمها، فالوسائل التقنية تمكنهم من الحصول على ما يرغبون فيه من معلومات وبيانات حية. لديهم آلات الفيديو وآلة التصوير والتسجيل لإنتاج أشرطة ووثائق تهم برامجهم الدراسية. والتلاميذ لديهم قدرة فائقة للتعامل مع التكنولوجيا الحديثة في مجال الاتصال.

إن نمط التعلم تغير، ولم يعد المعلم محتكر المعرفة وناقلها إلى المتعلم، وإنما المتعلم هو الذي يبذل جهدا للبحث عن المعلومات وليس هو المعلم. لهذا ينبغي على مدرس اليوم تشجيع التعلم الذاتي. فهو نوع التعلم الذي يجعل المتعلم على اتصال دائم بالمعلومات والمعارف لاكتسابها وتجديدها.

لذلك نجد أن المنظمات التي تعنى بقضايا التربية والتكوين، تلح اليوم على تعليم التعلم (Apprendre à apprendre). وهناك عامل آخر ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار خلال تكوين الأساتذة، سواء تعلق الأمر بالتكوين الأساسي، أم التكوين المستمر، وهو ضرورة الاطلاع على الاكتشافات العلمية في مجال علم النفس المعرفي ومجال علوم الأعصاب.

فهما علمان حديثان أساسيان في تجديد وتطوير البيداغوجيا وطرائق التدريس. على سبيل المثال فإن إطلاع المدرس اليوم على نظرية الذكاءات المتعددة تجعل طريقته في التدريس مختلفة كل الاختلاف عن الطريقة التقليدية التي تعلم بها، ولربما طريقة ما يزال يعلم بها اليوم. إن اطلاع المدرس على المستجدات التربوية  في ميدان علوم التربية يجعله يستثمر القدرات الذهنية للمتعلمين ويجعل تعلمهم تعلما فعالا.

وهناك متغير آخر، ينبغي أخذه بعين الاعتبار، خلال تكوين المدرسين وإعدادهم اليوم، وهو سعي التربية إلى إعداد الإنسان الكوني. فليس هدف التربية في عصر العولمة وانفتاح الدول على بعضها بعضا، هو فقط إعداد المتعلم للاندماج في مجتمعه الاقليمي والوطني، وإنما أن يكتسب تكوينا تربويا، يجعله قادرا على العيش في الوطن الذي هو الكرة الأرضية الواسعة لكل إنسان، أي أن يعده التعليم ليكون مواطنا عالميا، لديه مهارات تعلم العيش المشترك. إن التلميذ الذي نعده ونكونه في المغرب، ربما سيكمل دراسته أو يشتغل في قطر أخر، مما يتطلب منه الاتصاف بقيم إنسانية كونية توجه سلوكه أينما كان. كما يتوجب على مدرس اليوم ومدرس الغد بالطبع، أن يتعلم طرائق تعليم المتعلم كيف يستطيع أن يختار المعلومات المناسبة في محيط المعرفة، الذي يمكن أن يغرقه، إذا لم يحسن تعلم حسن الاختيار المعرفي.

وفضلا عما تقدم كله، فإن تكوين المدرس الذي نطمح أن يكون عنصرا فاعلا وفعالا في مدرسة الحاضر والمستقبل، ينبغي أن يتعلم ويحسن استخدام تكنولوجيا الإعلام والاتصال، فهي الناقلة والحاملة للمعلومات والمعارف في عصرنا، الذي يعتبر عصر المعرفة، واقتصاد العصر يقوم على اقتصاد جديد وهو اقتصاد المعرفة. فالمعرفة غدت  موردا استراتيجيا في عالم اليوم.

إن المدرس الذي يفتقد التكوين في الجوانب والمهارات السالفة الذكر، سيكون طائرا في غير سربه، لا يستطيع أن يمنح تلاميذه الكفايات التي تؤهلهم للاندماج في عصرهم، والانخراط في مجتمع المعرفة بشكل إيجابي وبناء. وهو ما يفقد المدرسة لمعانها والرغبة فيها.

الخلاصة أن هناك مجموعة من الكفايات التي ينبغي أن تتوافر في الشخص الذي نعده لمهنة التعليم، وهي:

تنظيم وتنشيط الوضعيات التعليمية- التعلمية، وتدبير تقدم تعلم التلاميذ، وإدراك الفروق الفردية بينهم، ومراعاة أساليب تعلمهم، والقيام بتنشيط العمل بالمجموعات، والعمل على إشراك التلاميذ باستمرار في عمليات التعلم لبناء تعلماتهم (التعلم الفعال)، واستخدام التكنولوجيا الحديثة في الأنشطة التعليمية  – التعلمية، والتدبير الخاص للتكوين المستمر.

والملاحظ أن تكوين الأساتذة في مؤسسات ومعاهد التكوين، يبالغ في التركيز على ديداكتيك المواد ويُهمل الاتجاه نحو معرفة المتعلمين، وبذلك يفتقد النظام التعليمي جسور التواصل والحوار البناء مع شركاء العملية التعليمية. إننا كثيرا ما نتساءل عما ينبغي تعليمه للمتعلمين، والصحيح أن نسأل ماذا بوسعهم أن يتعلموا؛ أي ما هي استعداداتهم وقدراتهم وطبيعة أسلوبهم وإيقاعهم في التعلم، الخ.

ومن هنا، تدعو الحاجة إلى وضع مناهج جديدة، تلائم أطفال اليوم. إن العديد من الدراسات تؤكد أن المتعلمين يتوفرون على أطر ذهنية متعددة ومختلفة، وبالتالي فهم يتعلمون ويتذكرون ويتصرفون ويفهمون بطرق متنوعة ومتباينة. وبالرغم من قوة وأهمية هذه المعطيات التي تنتمي إلى حقول علمية متعددة، فإن معظم الأنظمة التعليمية ظلت وفية لبيداغوجية الذكاء الواحد، لا تعمل على تنشيط إلا جزء معين من الدماغ. وهو ما يؤكده روزناي (Joël de Rosnay) حين يقول: ” يبدو أن تعليمنا يفضل بشكل غير متناسب الدماغ الأيسر على الدماغ الأيمن، والتفكير التحليلي على التفكير التركيبي الكلي، يفضل التفكير العقلي على التفكير الحدسي” . وفي نفس السياق يوضح برنور (H.S. Bruner): إن معارفنا حول الوظائف الدماغية ينبغي أن تقودنا إلى تصور ووضع مناهج أساسية وجديدة في مجال البيداغوجيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *