عندما تكذب فئة على نفسها وتلبس على الأمة دينها أبو عبد الرحمن عبد الحق كدام

 

عندما يُزيَّن الباطلُ وأهله بأنواع الإغراءات والشبهات، ويُشوَّه الحق وأهله بأنواع الافتراءات والادعاءات، آنذاك تتسارع الاستفسارات والتساؤلات إلى أذهنة المسلمين والمسلمات, ياتراه أين الحق؟
وأين الباطل؟
وأين أهل الإصلاح والصلاح من أهل الإفساد والفساد؟
أين الأقلام المدافعة عن الفضيلة من غيرها المجادلة عن السفور والرذيلة؟
أين..؟ وأين..؟
ولكن سرعان ما تأتي الإجابة فتنجلي الغشاوة وينفض الغبار عن قلوب أراد الله عز وجل لها التبصر والهداية, فيرون أمام أعينهم آيات وأحاديث تمُر تثرى فيثبتهم الله عز وجل بها ويطمئنون من خلالها إلى طريق الحق الذي لا ثاني له، قال تعالى: “أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ” الرعد، فيعرفون الحق بنوره والباطل بظلامه وفساده وسوء عواقبه, عند ذلك يقف المستبصر المُوَفق وقفة مع نفسه قائلا: عجيب أمر الناس غريب شأنهم، أليس للباطل رائحة كريهة ولأهله نوايا وأهداف خبيثة؟ فما الذي يجعل بعض الناس يرتمون في أحضانه ويسبحون في أوساخه؟
اشتبه عليهم الحق فلم يعرفوه؟
أم زيّن لهم الباطل حتى ألفوه؟
يقول ابن القيم رحمه الله في كتابه الروح: “ولا يشتبه أولياء الرحمان بأولياء الشيطان إلا على فاقد البصيرة والإيمان، وأنَّى يكون المُعرضون عن كتابه وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم، المخالفون له إلى غيره أولياؤه, وقد ضربوا لمخالفته جأشا وعدلوا عن هدي نبيه وطريقته, “وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ” الأنفال”.
فلا يلتبس أمرهم إلا على فاقد البصيرة قليل الإيمان, وإلا فما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلّغ الرسالة وأدى الأمانة وأرشد إلى الحق وأهله وحذر من الباطل وناشريه قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه ابن ماجة بسند صحيح: “تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك”، فرغم بياض الحق ووضوحه وسواد الباطل وظلامه نجد من أصحاب الأهواء ذوي الأهداف الخبيثة ناشري الباطل من علمانيين وليبراليين وقوميين واشتراكيين ذوي الفكر التغريبي (التخريبي) يحيدون عنه حيدا ويقذفون أهله زورا وكيدا ليظهرونه باطلا وبالعكس، يطبلون ويزمرون للباطل بأنواع النعيق وأشكال العويل ليصير حقا.. وأنّى لهم ذلك قال تعالى: “بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ” الأنبياء, وقال تعالى: “فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ” الرعد، فما مصطلحات الحداثة والتحرر والانفتاح والقومية.. إلا نوع من هذا الباطل الذي أراد له أصحابه ومؤيدوهم من الصهاينة والماركسيين أن يحل مكان الحق بصورة أو بأخرى ولكن لحظة.. قال تعالى: “إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ”الحجر، والحق يعلو ولا يعلى عليه والباطل إلى الزوال لا محالة وصدق الشاعر إذ يقول:
يا ناطح الجبل العالي ليوهنه *** أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل
ويبقى سؤال يطرح نفسه بشدة من الذي جعل هؤلاء يتسابقون إلى مطيات الهوى ويتساقطون في مطيات الانحلال والغوى, ولكن سرعان ما تأتي الإجابة أيضا واضحة أمام الموفق المستبصر قال تعالى: “وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً” الكهف.
فطامات القوم كثيرة وانحرافاتهم ومخططاتهم ظاهرة لأولي البصيرة, زاغوا عن الحق، وعوض الرجوع إلى جادة الصواب، رموا أهله بالأكاذيب والافتراءات وواجهوهم بالعداوة والطعنات وليس هذا الابتلاء غريب عن أصحاب الحق قديما وحديثا, قال ورقة بن نوفل لرسول الله صلى الله عليه وسلم -لما حكا له خبر ما رأى، وعلم ورقة أنها رسالة الحق- قال: “لم يأت رجل قط بما جئت إلا عودي” أخرجه البخاري, فقد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوحيد والمنهج والحجاب.. ودعا إلى الفضيلة لا إلى الرذيلة، ولكن سنة الله في الأرض أنه لا بد من الباطل ليبتلى أهل الحق، ولا بد من الغواية ليمحص أهل الهداية، ولا بد من البدعة ليختبر أهل السنة قال تعالى: “أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ” العنكبوت، فالناس سيفتنون بالباطل وأهله، والذي تقر به الأعين أن في الأمة ولله الحمد والمنة كثير مَن فِطرهم سليمة وعقولهم رزينة يمكنها بإذن الله تمييز الثقافات الهدامة الدخيلة من غيرها السليمة التي وجد عليها الآباء والأجداد وللقارئ الكريم أضرب أمثلة من طيش القوم وجرأتهم على الله وحدوده وله واسع النظر في تصنيف أقوالهم وأفعالهم بين الحق والباطل, وهذه الأمثلة إنما هي غيض من فيض ونقطة في بحر, وإلا فالموضوع يحتاج إلى كتب ومجلدات ولكن مالا يدرك كله لا يترك جله أو بعضه, وهاك أربع أمثلة فقط من حيف و جرأة على الله تُبكي وتُحزن وتُفجع وقد اختصرتها اختصارا:
المثال الأول: البرلماني الاشتراكي “عبد القادر البنة” واستهزائه بالقرآن, وذلك في مقال نشره تحت عنوان: “عندما تكذب أمة على نفسها”.. حيث ذكر عددا من كذبات الأمة حسب زعمه قائلا: الكذبة الأولى أن الإسلام هو الدين الوحيد عند الله ومن يبتغ غيره فلن يقبل منه، فإما مسلم وأنت اقرب الله وإما كافر وأنت عدو له وللإسلام.
..الكذبة الرابعة: إن الإسلام دين الرأفة والرحمة, والحال أن فقهنا يقر بقتل المرتد ورجم الزاني وجلد السكير وشاهد الزور وقطع يد السارق وقطع الأرجل خلافا لمن افسد في الأرض والإعدام في القصاص , والحقيقة أن حدود شريعتنا ليست سمحاء إنها دموية وعلينا أن نعترف أنها تشوه الإسلام وتشوه الإنسان وتتنافى مع أبسط مبادئ الإسلام وحقوق الإنسان. الكذبة الخامسة..
المثال الثاني: شويعرة آخر الزمان حكيمة الشاوي ومساسها بالجانب المقدس وطعنها في أحاديث نبوية شريفة وذلك في قصيدة لها ولبئس القصيدة هي حيث أنها قالت:
ملعون يا سيدتي من قال عنك
من ضلع أعوج خرجت.
ملعون يا سيدتي من أسماك علامة على الرضى بالصمت.
ملعون منذ الخليقة من قال عنك
عورة من صوتك إلى أخمص قدميك.
ملعون من حرم حرم العشق عنك, وقالت..
المثال الثالث: جمال البنا المصري وتقديمه العقل على الوحي الإلهي, وذلك أنه صرح بكل جرأة خبيثة أنه إذا خالف الإسلام العقل قدم عقله على كلام الله عز وجل بالإضافة إلى محاربته للحجاب.. و.. و..
المثال الرابع: نوال السعداوي واستهزائها بالمشاعر الدينية وذلك أنها قالت إن الحج من بقايا الوثنية كما طالبت بالمساواة في الميراث بين الرجال والنساء و.. و.. والأمثلة كثيرة, وصدق من قال:
قد كان ما قد خفت أن يكون *** إنا لله وإنا إليه راجعون
فبعد هذا لا يشك عاقل في كون كتابات وتصريحات وبرامج ومخططات القوم إنما هي حرب على الثوابت وليس كما روجوا له وقالوا “عندما تكذب أمة على نفسها” بل الصواب عندما تكذب فئة على نفسها وتلبس على الأمة دينها, وهاك أيها القارئ قاعدة جليلة يذكرها الإمام ابن القيم رحمة الله عليه في كتابه الروح فخذها وعض عليها بالنواجد فإنها شافية كافية في فضح كل مندس مخلط مخبط:
“..وأولياء الشيطان المتلبسون بما يحبه وليهم قولا وعملا يدعون إليه ويحاربون من نهاهم عنه, فإذا رأيت الرجل يحب السماع الشيطاني ومؤذن الشيطان وإخوان الشياطين ويدعو إلى ما يحبه الشيطان من الشرك والبدع والفجور، علمت أنه من أوليائه، فإن اشتبه عليك الأمر فاكشفه في ثلاث مواطن: في صلاته، ومحبته للسنة وأهلها، ونفرته عنهم ودعوته لله ورسله وتجريد التوحيد والمتابعة وتحكيم السنة, فزنه بذلك لا تزنه بحال ولا كشف ولا خارق ولو مشى على الماء وطار في الهواء”.
وأختم بهذه الآية الكريمة لعل غافلا يتوب أو شاردا يؤوب قال تعالى:
“أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ” المؤمنون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *