إلى عهد قريب؛ كان المجتمع المغربي يتفق على استنكار الشذوذ الجنسي، ومقت أصحابه والنفر منهم، والحرص على عدم مشاركتهم في مجلس أو لقاء أو حتى صورة، وإلا راهن المتساهل في هذا الباب بعرضه وسمعته “فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ”.
لكن فجأت تزلزل هذا الثابت وتكسر هذا الأصل مع خطورته ومن صور هذا الواقع الجديد:
- انتشار المئات من صناع المحتوى التافه الذين يقيمون أعمالهم على تقمص أدوار نسائية بتغيير مظهر الجسم استعانة بألبسة نسائية وأكسسوارات وإظهار مشاهد مغرقة في الشناعة والقبح، إما في الغناء أو التشخيص أو الرقص والتغنج، حتى صار هذا نشاطا وحيدا لكثير من الصفحات والقنوات والمجموعات التي تبحث عن الإثارة والبوز علاوة عن اللهث خلف أرباح الأدسنس والويب.
ولا شك أن هذا الأمر محرم شرعا ولا يسوغه تكسب ولا ميول ولا تمثيل.. فالفن لا يعطي لصاحبه ورقة إعفاء من الإثم.
وقد حرم الإسلام التشبه من النساء بالرجال ومن الرجال بالنساء، فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: “لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ” رواه البخاري.
بل حُرِّم صراحة أن يلبس الرجل لباس المرأة، أو تلبس المرأة لباس الرجل. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: “لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الرَّجُلَ يَلْبَسُ لِبْسَةَ المرْأَةِ، وَالمرْأَةَ تَلْبَسُ لِبْسَةَ الرَّجُلِ” رواه أبو داود.
- انتشر في الآونة الأخيرة شاذ مغربي فاحش متفحش مقيم بتركيا، ينشط في مجال الاستثمار في التجميل وطب الأسنان، وهو يتصيد المشاهير للترويج لنشاطه والتسويق لعمله ما جعله يصير قبلة للعديد من الفنانين وبعض العاهات من التافهين.
والأدهى أن هؤلاء جميعا يتفقون بأقوالهم تارة وبأحوالهم أخرى على الإشادة بهذا الشاذ المتحول والثناء عليه والإشادة بأخلاقه وإحسانه وحسانته؛ دون مراعاة خطر ذلك على أبنائنا ومراهقينا طالما أن ذلك يأتي مقابل إجراء عمليات مخفضة أو مجانية؛ أو ربما استلام مبالغ أخرى نظير هذا الإشهار.
ومن هؤلاء مع الأسف ممثل مشهور يحاول دائما الظهور بمظهر التدين والالتزام، فإذا به يفاجئ متابعيه عبر وسائل التواصل بمنشورات مرئية عديدة مع هذا الشاذ، مع الثناء والمدح الذي ليس له معنى سوى دعوة الناس للتطبيع مع هذا السلوك الخطير القاتل للقيم، والمدنس على الفطرة، والمفسد للطبيعة البشرية، والمهدد لوجود الإنسانية.
لقد حذر القرآن الكريم من الشذوذ على لسان سيدنا لوط عليه السلام، قال تعالى: (وَلُوطًا إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦٓ أَتَأۡتُونَ ٱلۡفَٰحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنۡ أَحَدٖ مِّنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ، إِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلرِّجَالَ شَهۡوَةٗ مِّن دُونِ ٱلنِّسَآءِۚ بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمٞ مُّسۡرِفُونَ) [الأعراف:80-81].
وعن جابر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن أخوف ما أخاف على أمتي عمل قوم لوط“ رواه الترمذي وابن ماجة وأحمد.
إن الذي يسوغ الشذوذ إنما يسلك بذلك مسلك من انتكست فطرتهم من قوم لوط، من الذين قالوا فيما حكى الله عنهم في كتابه:(فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوۡمِهِۦٓ إِلَّآ أَن قَالُوٓاْ أَخۡرِجُوٓاْ ءَالَ لُوطٖ مِّن قَرۡيَتِكُمۡۖ إِنَّهُمۡ أُنَاسٞ يَتَطَهَّرُونَ ) [النمل:56].
فالحاصل أن على المسلم سواء أكان فنانا أو صانع محتوى أو غير ذلك أن يراقب الله في تصرفاته وأقواله وما ينشره على مواقع التواصل الاجتماعي، لأننا محاسبون على كل فعل أو قول أو شهادة، وحتى لا يتحمل المرء أيضا أوزار من تبعه، لقوله صلى الله عليه وسلم: “ومن دعا إلى ضَلالَة كان عليه من الإثمِ مِثْلُ آثام من تَبِعَهُ، لا يَنْقُص ذلك من أوزارهم شيئاً” رواه مسلم.
والله خير حافظا وهو أرحم الراحمين..