سؤال القيم في المدرسة المغربية حاوره: الحسين باروش

رشيد البقالي*: إذا كانت الأسرة متماسكة ومتمسكة بقيم دينها انعكس ذلك على تربية الأبناء وتمسكهم بالقيم والمنظومة الأخلاقية

  • كيف يمكن لنا أن نساهم كأساتذة ومفتشين ووزارة في التنزيل الحقيقي للقيم وهل لديكم استراتيجية واضحة أو خطة تربوية لتنزيل القيم داخل المدرسة المغربية؟

أرى أن نجاح أية استراتيجية لتنزيل القيم في المدرسة المغربية رهين بأمور:

أولا: التعبئة الشاملة بين مختلف الفاعلين في المدرسة، فالوثائق المؤطرة لتنزيل القيم لن تكون ذات جدوى إذا لم تصاحبها القناعة من لدن الفاعلين التربويين الممارسين، بأهمية الفعل التربوي المنصب على القيم.

ثانيا: توفير الوسائل الكفيلة بتحقيق تأطير أكبر للتلاميذ على مستوى القيم، وتضطلع الأندية التربوية بدور كبير في هذا السياق، من خلال أنشطة الحياة المدرسية، ولا سبيل لنجاح أنشطتها إلا بتمكين القائمين عليها من أدوات الاشتغال الضروري، وكذا تثمينها وتشجيعها.

ثالثا: العمل بالمقاربة المندمجة في المناهج الدراسية، بجعل التربية على القيم في صميم جميع مواد المنهاج الدراسي، إما من خلال وحدات دراسية خاصة أو من خلال أنشطة تربوية وتعلمية-تعليمية لكي تكون المقاربة التربوية ضمن العمليات التعليمية الأساسية، لا مجرد أنشطة تربوية هامشية.

رابعا: توحيد المرجعية القيمية: إذ لا يعقل أن تتنازع منظومتنا التربوية مرجعيات مختلفة، لأن ازدواجيتها تنعكس سلبا على المتعلمين أساسا، إذ تصبح التربية على القيم سواء من خلال الانشطة المندمجة أو الموازية خاضعة لتأويلات مؤطريها -نظرا للهامش الكبير الذي تتيحه الازدواجية القيمية-، مما يفتح الباب أمام التأطير الإيديولوجي العصي عن المراقبة.

  • عنصر تقويم القيم له مكانة مهمة في المدرسة المغربية لكن يصعب علينا تتبعها وترسيخها؟ ما رأيكم..؟

نظرا لأهمية الفعل البيداغوجي المُنصب على القيم، فقد أصبح الحديث في الأدبيات التربوية الحديثة عن “بيداغوجيا القيم”، تُعنى بالقيم تدريسا وترسيخا وتقويما، وتبحث في آليات تعزيز القيم لدى المتعلمين وآليات الكشف عنها وتعزيزها، وقد برزت في هذا الميدان جهود كثير من الباحثين.

وإن تدريس القيم لا ينضبط إلا من خلال جملة من الخطوات التربوية المدروسة، والمتمركزة أساسا حول بناء مصفوفة القيم من خلال المرور بالمراحل الآتية:

  1. تحديد القيم المركزية، ووفق الرؤية المنهاجية الناظمة.
  2. تحديد معظم القيم الفرعية المرتبطة بها.
  3. تحديد مؤشرات دالة (قابلة للملاحظة والرصد) على كل قيمة فرعية.
  4. تتنوع المؤشرات إلى قولية وحسية وحركية وانفعالية.

ترتيب المؤشرات حسب الفئات العمرية، وذلك اعتبارا لتطور القدرات العقلية والنفسية للمتعلمين انطلاقا من نتائج الدراسات السلوكية والمعرفية حول الطفل والمراهق

وتتجلى فائدة بناء مصفوفة القيم وفق الخطوات المقررة سالفة الذكر، في تمكين المشتغلين ببناء المناهج والمدرسين من برمجة مشروع التربية على القيم وفق أهداف جزئية محددة (بحيث يشكل كل مؤشر هدفا لنشاط تعليمي) كذا وفق خطوات متدرجة بتدرج المؤشرات التي تشتمل عليها المصفوفة من البسيط إلى المركب، ومجالات القيم، والتي تأخذ بعين الاعتبار الفئات العمرية للمتعلمين وتطور مستواهم العقلي والنفسي، كما يساعد ذلك التصنيف على تطوير المؤشرات المعرفية والمهارية والوجدانية لدى المتعلمين من خلال أنشطة تعليمية في مختلف المواد الدراسية، وكذا في مختلف الأنشطة اللاصفية..

وكما تشكل المؤشرات التي تشتمل عليها المصفوفة مجالا للاشتغال فإنها تشكل في نفس الآن شبكة لتقويم حضور القيم في تصورات وسلوك ووجدان المتعلمين، بحيث يكون ظهورها في سلوكهم من خلال الرصد والتتبع دليلا على وجود القيمة المستهدفة بمستوى من المستويات، وتعطي للمدرسين صورة واضحة عن المراحل المقطوعة والمراحل اللاحقة في سياق واضح المعالم والغايات.

والحاصل أن عملية تعلم القيم وتعليمها وتقويمها عملية معقدة وصعبة وتتطلب مجهودا تربويا كبيرا كما تتطلب فعلا تربويا قاصدا وموجها.

  • ما هو دور الأسرة في تنمية القيم الوطنية والاجتماعية والثقافية لدى الأبناء -المتعلمين-؟

إننا حين نتحدث عن التربية، نتحدث عن أدوار جميع المؤسسات الاجتماعية، والأسرة هي المؤسسة التربوية الأولى المسؤولة عن تنشئة الأفراد على احترام القيم السائدة فيها واحترام الأنظمة الاجتماعية ومعايير السلوك والحفاظ على حقوق الآخرين ونبذ السلوكات الخاطئة.

ومعلوم أن الوظيفة التربوية والتنشئة الاجتماعية تعتبر أهم وظائف الأسرة وتتمثل بالتربية الجسدية والنفسية والاجتماعية والخُلُقية والدينية.. وأول مبادئ هذه التربية تربية الأبناء على الالتزام بالمبادئ الدينية والتأدب بمكارم الأخلاق، وهذا الأمر أمانة يشترك بها الوالدان بمساعدة كافة أفراد الأسرة كلٌّ حسب موقعه، إذ يكتسب عن طريق الأسرة ما يؤهله لممارسة حياته المستقبلية، وتتأثر هذه العملية التربوية بالجو الأسري وما يسوده من تعاون واستقرار أو تشاحن واضطراب وكلما قامت العلاقة على المحبة والتفاهم كانت التنشئة سليمة وصحيحة، وكلما كانت الأسرة متماسكة ومتمسكة بقيم دينها انعكس ذلك على تربية الأبناء وتمسكهم بالقيم والمنظومة الأخلاقية.

  • ويمكن تعزيز منظومة القيم بالتربية الأسرية من خلال:
  • القدوة الصالحة.
  • التدريب المستمر والصبر وبذل الجهد.
  • رعاية الأبناء وإحاطتهم بالحب والحنان.
  • توفير المناخ والجو الملائم للنمو الأخلاقي من خلال قيام الوالدين بمسؤوليتهما في التربية.

 

  • كيف يمكن لنا الجمع بين مفهوم كونية القيم والقيم الإسلامية؟

على الرغم من كون مصطلح «القيم الكونية» أصبح يحيل على عدد من المعاني الإيجابية، والمسَلَّمة في مجملها، والتي ترتبط بدلالات (المشترك الإنساني)، فلا يخفي الكثير من الباحثين توجسهم من مصطلح “الكونية”، نظرا لما أصبح يتضمنه -في مقابل ذلك- من حمولة فكرية، توحي بالأساس إلى معاني الهيمنة والإقصاء، والتبعية الحضارية، وإلغاء الخصوصيات، والأبعاد الهوياتية، وعولمة النموذج الأوحد.

غير أن المؤكد هو أن منظومة القيم كونية بامتياز، ونحن حينما نربطها بالإسلام، فنحن نتحدث عن مفاهيم هذه القيم وليس القيم في ذاتها، والتأمل في القرآن الكريم يرشدنا لقوله سبحانه (فطرة الله التي فطر الناس عليها..) فالقيم في ذاتها محل إجماع واتفاق كوني لأنها فطرية، لكن الاختلاف واقع في تحديد مفهوم القيمة تبعا للمرجعية الثقافية والحضارية، وهنا تحكمنا قاعدة (كونية القيمة وخصوصية المفهوم)، وهي قاعدة تخرج الخطاب الثقافي من شرنقة تنازع القيم والمرجعيات، يبقى بعد ذلك السؤال: أي المرجعيات أقدر على ترسيخ القيم في المجتمع، وهذا مجال التدافع وفق المصطلح القرآني..

إن صفة القيم الكونية يمكن أن تدَّعيها جهات مختلفة، حين تَدَّعِي أن قيمَها الخاصة هي القيم الصالحة لِأَنْ تُعَمَّمَ وتُعَوْلَـمَ فتُصبِحَ قيماً للعالَم، فتَرِكَةُ الرجل الأبيض مثلاً، هي دعوى كرَّسَها تفوُّقُه فيما يملك من قيم الحضارة المادية، ومسؤوليتُه في تعليمها للأمم الأخرى، وهذه التَّرِكَةُ تدَّعِيها الآن أمم كثيرة فنجد حديثاً عن القيم الأمريكية والقيم الفرنسية والقيم الألمانية، وهكذا. والأمر لا يقتصر على الغرب، فاليابانيون يفتخرون بقيم يابانية، والصينيون يفتخرون بقيم صينية.. وهكذا كل مرجعية حضارية تدفع بكونية قيمها.

إن العالم اليوم يبحث عن منظومة قيم مرجعية شاملة ومتكاملة ذات أصول نظرية واضحة، بل وعرفت تطبيقا ت عملية في سلوك الناس، وآتت أكلها في تنظيم علاقة الإنسان بخالقه وبنفسه وبمحيطه.

وإن التدافع الحضاري الذي هو سنة الله تعالى في هذا العالم، يقضي بأن تحاول كل أمة الهيمنة بادعاء قوة المرجعية الحضارية، وتبقى قوة المرجعية هذه مجرد ادعاء ما لم تقم عليها شواهد نظرية، ودلائل فعلية على المستوى العملي التطبيقي، ونحن نؤمن بأن الأمة التي تنطلق من مرجعية الوحي -وهي مرجعية السماء- لا تخشى المواجهة، لكنها تنكمش حينما يعجز أتباعها عن إثبات قوة وصلابة هذه المرجعية، فيحتمون بالخصوصية التي تناقض كونية وعالمية خطاب الإسلام المعبر عنه في القرآن الكريم في غير ما موضع.

إن التأسيس للقيم الكونية من مرجعية صلبة -كالمرجعية القرآنية-بعيدة عن كل بعد مصلحي ضيق، أو هوى إنساني محض ومتغير، بحيث تضفى على هذه القيم خصائصها الحقة من شمول وتجريد ونفعية عامة للخلائق، -إن هذا التأسيس- من شأنه أن يجعل هذه القيم كونية بفعل واقع الحال بفضل ما ينتج عنها من تحقيق للعمران، ودفع لكافة أشكال الفساد والإفساد في الأرض، والقيم الكونية القرآنية والحالة هذه تصبح ذات بعد تحكيمي، يرجع إليها في إصدار الأحكام على التصرفات في معزل عن أي مؤثر خارجي، وفي بعد تام عن التأويل المصلحي -المتغير- الذي يحرفها عن مفاهيمها الصحيحة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* مفتش تربوي  بوزران وباحث متخصص في التربية.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *