قصة موسى عليه السلام مع فرعون؛ دروس وعبر ذ. إبراهيم والعيز

قال الله تعالى؛ (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يومنون) ، ومن القصص التي تحمل في ثنايا مضامينها عبرا عظيمة، قصة موسى عليه السلام مع فرعون، فقد خصها الله بالذكر في قوله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم؛ (نتلوا عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق لقوم يومنون إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون) . ومن العبر التي يمكن استفادتها من قصة كليم الله موسى عليه السلام مع عدو الله فرعون:
1- إن المؤمنين من أصحاب الحق والإيمان يبتلون بأعدائهم أعداء الله من الكفار والمنافقين، فإن هم صبروا وثبتوا صاروا بنصر الله وتأييده لهم أئمة الأمم وورثة الأرض. قال الله تعالى؛ (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون) .
ولهذا لما هدد فرعون أتباع موسى عليه السلام بالتعذيب والتنكيل، فقال كما حكى عنه كتاب الله؛ (قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون) ، قابل موسى موقفه الظالم بحض المومنين على الصبر والثبات والاستعانة بالله والتوكل عليه؛ (قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين) .
2- الاغترار بالعدد والقوة المادية لا ينفع الظالمين المعتدين ولا يثبت أمام قدرة الله القاهرة لكل قوة، وهنا نلاحظ أن فرعون لما اغتر بسلطانه وقوته احتقر موسى وشيعته فقال: (إن هؤلاء لشرذمة قليلون وإنهم لنا لغائظون وإنا لجميع حذرون) ، فظن المومنون من أتباع موسى أن فرعون وجنوده سيدركونهم ويبطشون بهم ويقضون عليهم وعلى دعوتهم، قال الله تعالى حكاية عنهم؛ (فلما تراءا الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون) ، غير أن كليم الله موسى عليه السلام طمأنهم بوعد الله الذي وعد به عباده المهتدين، فقال فيما حكاه الله عنه كتاب الله: (كلا إن معي ربي سيهدين) .
3- منهج الطغاة المتجبرين في كل عصر لإضعاف كل من يناصر الحق وينافح عن أصحابه، هو الاحتقار والتهديد والترهيب، ففرعون لما طغى في الأرض وتجبر على أهلها واستكبر على شرع الله وهديه، سلك في مواجهة موسى عليه السلام أسلوب الافتخار بنفسه واحتقار خصمه وإهانته، كما نص على ذلك القرآن المبين؛ (ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين) .
4- ومن دلائل عناية الله بالمومنين ورعايته لهم، انتقامه من الطغاة المتجبرين، وذلك بسلبه لهم ما منحهم من النعم وتمكين أهل الحق منها بدلهم. قال الله سبحانه عن عاقبة فرعون وقومه المستكبرين على الله وعلى الناس؛ (فلما ءاسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين) ، وقال؛ (فأخرجناهم من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم كذلك وأورثناها بني إسرائيل) .
5- دلت قصة موسى عليه السلام مع فرعون على أن الباطل مهما ارتفع بالقوة المادية لا يثبت أمام الحق إذا قام به أهله وصبروا عليه ونصروه، ففرعون طاغية جبار معه قوة الرجال والسلاح ورهبة السلطان والملك، خرج في طلب جماعة قليلي العدد والعدة، لكن معهم الله ثم معهم قوة الإيمان ورسول الرحمان، ففي لحظة حاسمة تحطمت قوة الباطل على صخرة الحق، قال الله سبحانه عن عاقبة ومصير الطاغية فرعون وسحرته؛ (فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين) ، وصدق الله العظيم القائل؛ (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق) ، والقائل كذلك؛ (وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا) .
6- منهج الأنبياء والمرسلين على نبينا وعليهم أفضل الصلاة وأزكى التسليم الشكر لله عند الرخاء وحصول النصر، ذلك أن موسى عليه السلام صام هذا اليوم الذي أعز الله به الحق وخذل به الباطل، وهو اليوم العاشر من شهر محرم، وصامه نبينا صلى الله عليه وسلم وأمرنا أن نصومه وأن نصوم يوما قبله أو يوما بعده مخالفة لليهود الذين يصومونه كذلك.
وصيام عاشوراء هو هدي المحجة البيضاء التي عليها مذهب أهل السنة والجماعة، خلافا لأصحاب العقيدة الضالة من الشيعة الذين أحدثوا فيه البدع وفعلوا فيه المحرمات من الندب والنياحة وضرب الأجساد، إظهارا للجزع على قتل الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولا شك أن قتله مصيبة نزلت بالمسلمين، ولكن المصائب لا تقابل بالجزع والبدع والنياحة واللطم، وإنما تقابل في وقتها بالصبر والاحتساب والرضا بقضاء الله وقدره، عملا بهدي قول ربنا تبارك وتعالى: (وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *