عاشت مدينة الرباط على إيقاعات مهرجان موازين تسعة أيام من عمرها الحافل بالإضرابات والاحتجاجات الطلابية والعمالية..، وقد رصدت لهذا المهرجان ميزانية قدرها 3 مليارات و200 مليون سنتيم، في وقت يعيش فيه المغرب أزمات خانقة: أزمة ارتفاع أثمنة المواد الغذائية والمحروقات وأزمة البطالة..
وفي وقت ينتهج فيه المغرب سياسة طلب المساعدات الأجنبية لتغطية بعض العجز الذي ينبئ عن تدهور خطير في الحياة الاجتماعية لشعب يودع كل يوم أبناءه وهم يمتطون قوارب الموت اتجاه اسبانيا، يطيب للقائمين على المهرجان استدعاء فرقة اسبانية اسمها “المنحرفون” التي تعرى أحد أفرادها مبرزا للجمهور سوءته، فيجازى بعدها بأموال المغاربة دافعي الضرائب.
في مغرب يعيش مواطنوه أزمة كبيرة على مستوى الأخلاق والآداب (انتشار الزنا والدعارة، والخمور، والمخدرات، والجريمة..)، يحلو للمسؤولين رصد الأموال الطائلة للاحتفاء بفناني الإثارة الجنسية وفرق الموسيقى الصاخبة..
في زمن انقلبت فيه الموازين صار المغرب يذكر في الصحف العربية والأجنبية بالفضائح والجرائم والمهرجانات التي تنظم فيه بدل أن يذكر بمواقفه السياسية وبمشاريعه التي سترفعه من حضيض التخلف الديني والحضاري.
مع كل هذا الاستخفاف بالواقع المتأزم للمغاربة يجد المنظمون لهاته المهرجانات القدرة على مواجهة الأسئلة المحرجة، فهذا حسن النفالي المكلف بالبرمجة في مهرجان “موازين” يقول بكل برودة دم: “لا يمكن لأمة أن تعيش دون وجدان، التعلل بالفقر والأولويات حجة واهية، هناك “بوركينا فاسو” أفقر منا وتنظم مهرجانا سينمائيا ضخما”.
فعن أي وجدان يتحدث هؤلاء؟
لا بد أنهم يقصدون وجدانا ملؤه العري الفاضح والرقص المثير واللذة البهيمية فهذا ما انطبق على مواد مهرجان موازين.
وأكيد أن النفالي لم يخطر له على بال وجدان المغاربة الذين استنكروا أن يحل ببلادهم أمثال نانسي عجرم وفرقة “المنحرفون”.
ثم ألا يستحق وجدان المغاربة العامر بحب القرآن والسنة، أن تصرف هاته الأموال لحل المشاكل التي أماتت عند أبنائهم النخوة والعزة وأسلمتهم للانحراف والضياع؟
ولكن للأسف، في زمان الحداثة الفارغة من كل دين والانفتاح على كل خبيث أصبح الفن والموسيقى غذاء روح من فقد الأنس بكلام الله تعالى ومدارسة العلم، فلما استبدلنا لدى الشباب وجدان الألحان بوجدان الإيمان صرنا نصنع أمثال صوفيا السعيدي خريجة ستار أكاديمي التي غنت للصهاينة في الأراضي المحتلة في الذكرى الستين لاغتصاب أرض فلسطين.
فعندما تختل الموازين لا يبقى وجدان للأمة غير وجدان “موازين” الذي تغذيه وتهذبه أغاني “نانسي عجرم” و”ديانا حداد” و”عمرو دياب”، ورقصات “باتاشا”، وموسيقى الفرق الصاخبة، فما هذا الانتكاس الناتج عن تبلد الإحساس؟
ثم ألم يكن من المعقول صرف هذه الأموال في بناء المكتبات في الأحياء الكبرى، وإغناء المكتبات الموجودة بالمراجع التي تعود بالنفع على التلاميذ والطلبة والباحثين المغاربة، وتكون خطوة لإصلاح ذات البين بين المجتمع المغربي والكتاب الإسلامي الذي يعلمه دينه، والكتاب الأدبي الذي يهذب وجدانه، والكتاب التاريخي الذي يربط به مستقبله بماضيه المشرق..، أم أن هذا يغذي فكر الإرهاب عند دعاة التفتح والحداثة؟
ومما قاله النفالي أيضا: “حقيقة لدينا أولويات كالتعليم والصحة ومحاربة الأمية، فعلا الدولة ملزمة بتوفير هذه الضروريات لكن المواطن له وجدان أيضا يجب أن نغذيه”.
إذن تغذية الوجدان المنتكس في المغرب أولى من إصلاح التعليم وتطوير قطاع الصحة ومحاربة الجهل حسب منظمي موازين، أو لنقل بتعبير آخر: “إن تغذية هذا الوجدان المنتكس يغني عن العلم والصحة والاقتصاد والالتفات للقضايا والتحديات الكبرى في بلادنا، وإلا فهل يعقل تنظيم مثل هذا المهرجان المستهدف لفئة الشباب خصوصا وهم في أيامهم الأخيرة التي يستعدون فيها للامتحانات؟
إلا أن يكون كما قلنا الوجدان المنتكس في المغرب أولى عند مسؤولينا من الوجدان المصقول بالعلم والدين!