على هامش اكتشاف جماعة “أنصار المهدي”الإرهاب في المغرب بين الاعتراف بالحقائق وبيان موقف المسلم من فكر الغلو والتطرف

مرَّ على الأحداث التي شهدتها الدار البيضاء ما يربو على الثلاث سنوات تخللتها بين الحين والآخر أنباء عن اعتقال العشرات بل المئات ممن تورطوا فيها أو كانت لهم صلة ولو من بعيد بمن خطط لها، أو كان على معرفة بمنفذيها، فمنذ ذلك الحين، والصحف تكتب عن خطر الإرهاب والإرهابيين!، وكل صباح يصحو المغاربة على خبر اكتشاف خلايا إرهابية واعتقال أفرادها، ولعل آخرها أنباء اعتقال أفراد “جماعة أنصار المهدي”.
وما يهمنا بغض النظر عن مدى صحة أو كذب الأخبار التي تروجها وسائل الإعلام، هو المساهمة الجدية في إيجاد مخرج حقيقي من مسلسل العنف والتطرف الذي يذهب ضحيته أبناؤنا، هذا المخرج الذي نقدِّر أنه يبدأ بالاعتراف بحقائق اتضحت بعد مضي ثلاث سنوات من تجربة مكافحة الإرهاب، وكذا بإعطاء العلماء الحرية في بيان موقف المسلم من الغلو والتطرف والخروج على المسلمين.
حقائق لابد من الاعتراف بها
هناك حقائق لابد أن نعترف بها، إذا ما كنا نريد أن نقضي على الفكر المتطرف في بلادنا منها:
الأولى: أن الفكر المتطرف موجود بين فئة من المغاربة، لكن اعترافنا بوجوده لا يعني انتشاره بالشكل الذي تروج له وسائل الإعلام اليسارية والعلمانية، حتى أصبح من يثق في أخبارها ويقرأ تحليلاتها كلما رأى صاحب لحية وجلباب تذكر التفجيرات والدم والأشلاء، فهذا التهويل من شأنه أن يزيد في انتشاره وليس في الحد منه.
الثانية: أن الفكر المتطرف التكفيري قد تصدى له الدعاة والعلماء وحاربوه حربا شرسة، أدت في بعض الأحيان إلى التشهير بأقطابه حتى يحذرهم الناس، وذلك قبل أحداث الدار البيضاء بسنوات عديدة، والعجيب أن يُتهم هؤلاء بالتطرف وقد أمضوا في محاربة التكفير أغلب أوقاتهم.
الثالثة: أن المقاربة الأمنية (العقاب والقمع) وحدها لا تكفي في معالجة مثل هذه المعضلات التي يختلط فيها الديني بالسياسي، والإقليمي بالدولي وتتداخل فيها الأمور إلى حد يستحيل معه فرزها.
الرابعة: أن المقاربات التي تعتمدها المؤسسات والوزارات التي يشرف عليها اليسار هي مقاربات ماركسية-لينينية سبق أن انتهجها الشيوعيون لقمع المسلمين في الجمهوريات الإسلامية في كل من الاتحاد السوفيتي ويوغسلافيا، والتي تعتمد نشر الرذيلة والإباحية، واستغلال وسائل الإعلام ودور السينما لتدنيس المقدس وصرف الناس عن القناعات الدينية الأصيلة.
ويتضح ذلك من خلال ما تنشره جريدة الوزير اليازغي (الأحداث المغربية) وما تبثه القناة الثانية التي يهيمن عليها اليسار من برامج وأفلام تنشر السلوك المنحرف والإباحية، وكذا ما يرخص له ويدعمه المركز الوطني للسينما من أفلام تستهزئ بالدين وتنشر القيم العلمانية في مواجهة القيم الإسلامية، ونفس الشيء ينطبق على نشاطات وزارة الثقافة التي يديرها وزير يساري، والذي أغرق المغرب في سيل من المهرجانات كان أخطرها مهرجان “موسيقى أنغام السلام” الذي اعتبره المتتبعون مهرجان عبدة الشيطان والسحاقيات والشواذ، دون أن نهمل الدور الخطير الذي تلعبه وزارة الشباب في تتفيه شبابنا وإشغاله بالرقص والموسيقى عن مسؤوليته أمام ربه ودينه وأمته.
الخامسة: أن المقاربة الدينية التي تعتمدها وزارة الأوقاف في حربها على الإرهاب والمتمثلة في إحياء ما اندثر من قبور الصالحين وعمارة ما خرب من المواسم، رغم ما ينتشر في معظمها من مخالفات تناقض المشهور من المذهب المالكي كالشعوذة والسحر والشذوذ والزنا والذبح لغير الله، والاكتفاء بفرض ما كاد يندثر من جزئيات مذهبية على الأئمة والقيمين الدينيين، متناسية أن المغاربة أصبحوا يأخذون دينهم عن علم وليس عن تقليد، حيث أصبح الشباب يطالبون بالدليل الشرعي بدل كلام الرجال، إن هذه المقاربة هي مقاربة ساذجة لن تحل معضلة وجود الفكر المتطرف لدى أبنائنا.
السادسة: أن التعتيم على بعض مبادئ الإسلام كالجهاد ووجوب نصرة المسلمين ورد العدوان عنهم، من شأنه أن يبقي شبابنا عازفين عن علمائهم ومؤسساتهم الدينية، وذلك لكون أبنائنا يلمسون التناقض الصارخ بين صريح القرآن والثابت من السنة وبين كلام الفقهاء والعلماء، مما يستوجب طرح مثل هذه المواضيع ومعالجتها بطريقة السلف في الرد على الخوارج وفكر المتطرفين الأولين، فإن لم نقنع أبناءنا بالحق، فسيقنعهم غيرنا بالباطل.
لقد بات من اللازم علينا أن نعترف وبكل شجاعة بالحقائق المذكورة آنفا، إذا كنا عازمين على حل ملف الإرهاب، وأن لا نخاف من الحق لمجرد كونه جزء مما يؤمن به حاملو فكر التطرف والغلو، وذلك حتى نتمكن من توضيح الموقف الشرعي الذي يجب على المسلم اتخاذه تجاهه.
موقف المسلم من الغلو والتطرف والخروج
مما لا يخفى على من له نظر في كتب السلف، أنهم شددوا في التحذير من الغلو والتطرف لأنهما لا بد أن يفضيا بصاحبهما إلى الخروج على الحكام، ورفع السلاح في وجه المسلمين، لهذا كان السلف يدرجون مسألة الخروج هذه ضمن كتب العقيدة حتى ينبهوا على خطورتها، قال أبو جعفر الطحاوي: “لا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا”.العقيدة الطحاوية مع شرح ابن أبي العز.
وقال الإمام أحمد رحمه الله: “ومن خرج على إمام المسلمين، وقد كان الناس اجتمعوا عليه، وأقروا له بالخلافة بأي وجه كان، بالرضا أو الغلبة، فقد شق هذا الخارج عصا المسلمين، وخالف الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن مات الخارج عليه مات ميتة جاهلية، ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس، فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق” أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي 8/161.
ومازال منهج السلف الصالح قائما على “التحذير من مذاهب الخوارج ما فيه بلاغ لمن عصمه الله تعالى من مذهبهم، ولم ير رأيهم، وصبر على جور الأئمة وحيف الأمراء، ولم يخرج عليهم بسيفه، وسأل الله تعالى كشف الظلم عنه وعن المسلمين، ودعا للولاة بالصلاح، وإن أمروه بطاعتهم فأمكنه طاعتهم أطاعهم، وإن لم يمكنه اعتذر إليهم، وإن أمروه بمعصية لم يطعهم، فمن كان هذا وضعه كان على الصراط المستقيم إن شاء الله”. الشريعة للآجري رحمه الله 1/371.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: “ما يقع من ظلمهم وجورهم بتأويل سائغ أو غير تأويل، فلا يجوز أن يزال لما فيه من ظلم وجور كما هو عادة أكثر النفوس، تزيل الشر بما هو شر منه وتزيل العدوان بما هو أعدى منه، فالخروج عليهم يوجب من الظلم والفساد أكثر من ظلمهم، فيصبر عليه كما يصبر عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ظلم المأمور والمنهي في مواضع كثيرة” الفتاوى 28/179.
وبالمناسبة فلينظر القارئ الكريم وليتمعن في كلام هذا الإمام وليقارنه باتهام العلمانيين له بأنه تكفيري، وأن كل المتطرفين يعتمدون على كتبه، فسيتبين له مدى جهل هؤلاء ومدى خبثهم، ولكم أصبت بالعجب المشوب بالرثاء لحال بعض الناس، عندما مررت بمدينة الشماعية هذا الصيف ورأيت إعدادية ابن تيمية وقد وضع على اسم الإمام طلاء يشف قليلا عن حروفه، وبقيت الإعدادية بلا اسم، مما يجعلنا نلمس أثر ما ينشره الإعلام العلماني والذي يقلد فيه أفكار وسموم الأمريكان والأوربيين، فما داموا قد صنفوا ابن تيمية إرهابيا، فهو عند العلمانيين إرهابي، رغم أنك لا تكاد تجد كتابا من كتب التراجم إلا وأشاد ورفع من ذكر هذا الإمام، وكيف يمكن أن يوصف بالتكفيري، ولم يؤثر عنه أنه حمل السلاح في وجه الحكام، بل لم يدع إلى الخروج عليهم وبقي حتى مات في سجنهم صابرا محتسبا، نسأل الله أن يتقبله من الصالحين.
ومثله رحمه الله تعالى مثل تلميذه البار العلم الهمام شمس الدين ابن قيم الجوزية سواء بسواء فقد اتهمه الأمريكان بالتكفير، وقلدهم العلمانيون وهو من ذلك براء، فاسمع لقوله أدخله الله فسيح جنانه إذ يقول: “النبي صلى الله عليه وسلم شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله، فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله فإنه لا يسوغ إنكاره، وإن كان الله يبغضه ويمقته أهله، وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم فإنه أساس كل شر وفتنة إلى آخر الدهر، وقد استأذن الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتال الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها، وقالوا: أفلا نقاتلهم؟ فقال: لا، ما أقاموا الصلاة، وقال: من رأى من أميره ما يكره فليصبر ولا ينزعن يدا من طاعته.
ومن تأمل ما جرى على الإسلام في الفتن الكبار والصغار رآها من إضاعة هذا الأصل، وعدم الصبر على منكر، فطلب إزالته فتولد منه ما هو أكبر منه…” إعلام الموقعين 3/4.
الحذر من الأيادي الخفية التي لها مصالح في البلاد
لم يعد خافيا على أحد أن اختراق التنظيمات والخلايا بات من أسهل الإجراءات والخطط المخابراتية، ويزيد من سهولته سذاجة أغلب حاملي فكر الغلو والتطرف، كما أن العمل في السر والظلام يُصعِّب من مسألة تثبُّتِ هؤلاء من حقيقة هوية من يخترقهم، لذا وجب على المسؤولين أن يولوا هذه المسألة أهمية بالغة حتى لا يذهب أبناؤنا ضحية أعدائنا، خصوصا وأن الظروف الدولية المضطربة وميولات اليمين المتطرف في أمريكا، وكذا أطماع الصهيونية المسيحية، يستلزم تحقيقُها أن يسود الاضطراب الأمني في البلدان المستهدفة حتى تذعن لمشوراتهم وأوامرهم، وحتى تصبح بلداننا كما يريدون وبالشكل الذي يضمن استمرار إحكام قبضتهم على مقدراتنا الاقتصادية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *