لا شك أن الدين والأخلاق يشكلان جزء هاما في تحديد قناعات الأفراد والجماعات، ويعتبران من أهم عوامل الاتفاق أو الاختلاف بين مكونات المجتمع؛ وما نشهده في مجتمعات مثل العراق ولبنان وميانمار وسوريا من حروب وتقاتل وتناحر له ارتباط وثيق بالدِّين والمعتقد وما يتفرع عنهما من النظم الأخلاقية والعادات الاجتماعية المؤسسة للقناعات والمحددة للولاءات، وإن كانت السياسة والمصالح المادية لمختلف الفاعلين مؤثرة بقسط لا بأس به في احتدام الصراعات وتحريك الخلافات.
والمغرب -والحمد لله- بلد متجانس من الناحية الأخلاقية والعقدية والدينية؛ فهو مسلم سني مع وجود جماعة لليهود وأفراد من المتحولين النصارى، من العيب الفكري والمنهجي أن نعدهم أقلية؛ لكن هذا التجانس والاندماج، وهذه الوحدة العقدية والدينية لا يفتأ البعض يلعب بها قصد تحصيل مصالح مادية وسياسية ستعود حتما بالوبال على الجميع.
الإشكال حسب الاستقراء لأهم الماجريات، التي طغت على الساحات الفنية والثقافية والسياسية والإعلامية، يكمن في محاولة خلق تقاطب مفتعل داخل المجتمع المغربي؛ بحيث يصور للمتابع غير الحصيف وغير المدقق أن المجتمع المغربي منقسم إلى فسيفساء ثقافية وفكرية وعقدية؛ منشطر إلى قطبين علماني وإسلامي؛ ومتفرق بين عقائد متصارعة إسلام ويهودية ونصرانية، ومتصارع بين طائفية سنية وشيعية؛ وهذا من حيث الواقع لا وجود له؛ بل حتى نكون أكثر دقة هو في طور الإيجاد بحيث يعمل العابثون بوحدتنا العقدية والسلوكية والفكرية على دعم كل محاولة لإيجاد هذه الكيانات وتقويتها إعلاميا وفكريا وتضخيمها لدى المواطن المغربي.
ولعل أبرز ملامح عملية الإيجاد هذه تتمثل من خلال تسخير المال العام لإنتاج مواد إعلامية من قبيل ما يعده أمثال نبيل عيوش المحملة برسالة إيديولوجية فكرية مناقضة لمعتقدات المغاربة وأخلاقهم.
وما يهمنا في كلمتنا هذه هو التنبيه إلى خطورة العبث بالمعتقدات والقيم والأخلاق لدى المغاربة؛ ودور المؤسسات الرسمية في دعم العابثين، وتقصيرها في حماية الدين والأخلاق الإسلامية المغربية؛ فما تابعناه في 15 سنة الماضية؛ يبعث على القلق والتخوف خصوصا عندما نستيقن أن العابثين بالدِّين والقيم والأخلاق يقومون بذلك من خلال مؤسسات عمومية رسمية وبالمال العام الذي يدفعه المغاربة المسلمون.
فعندما تقوم الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة بشراء عشرات المسلسلات التي يبلغ عدد حلقات أغلبها عدد أيام السنة؛ وتدبلجها باللهجة المغربية لتوصل ما تتضمنه من قناعات وأفكار إلى شرائح واسعة من المغاربة، قصد التمكين لثقافة الزنا والدعارة وممارسة الرذيلة والخيانة الزوجية وتعاطي الخمور والسجائر والعري المتهتك؛ وغيرها من الانحرافات العقدية مثل دعاء الصليب والاعتقاد في ألوهية رسول الله عيسى عليه السلام، وكذا مختلف المعتقدات النصرانية المخالفة بل المناقضة لعقيدة المغاربة الإسلامية الحنيفية؛ فعندما تقوم الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة بشرائها من أموال الشعب وبثها في بيوت أسره تكون بذلك تحارب الإسلام في مغرب الإسلام؛ وتنتهك أمن أسره العقدي والديني.
أضف إلى ذلك البرامج التي تنتجها القناة الثانية 2M، والتي تحاول من خلالها نشر التوجه العلماني الشهواني؛ والتسويق له على أساس أنه هو الواقع المغربي؛ مظهرة أن النفاق الاجتماعي هو فقط العامل الأساس في التضييق على الحرية الجنسية والشذوذ؛ في محاولات متعددة طيلة سنوات مديدة لتفتيت منظومة القيم الإسلامية لدى المغاربة وتثبيت عبث اللاقيم المتحلل من تعاليم الإسلام ونظمه الأخلاقية التي حكمت السلوك العام في مجتمع مغربي يشهد أشرس الحروب من أجل إخضاعه بمنظومة قيمية عبثية لا تحفل بالدِّين وتُهمّش أهله.
فمؤسسة عمومي مثل الشركة المذكورة المفترض فيها والواجب عليها أن ترعى دين المغاربة وتعمل على ترسيخ قيمه وأخلاقه من خلال ما تبثه وتنشره بين أبنائنا؛ فما الذي يمنعها من القيام بهذا الدور الأساسي؟؟
بل ما الذي يجعلها تحارب ما هو أخلاقي تربوي إسلامي؟؟
إن عملية إخضاع المجتمع المغربي “للقيم” العلمانية والمفاهيم اللادينية تندرج ضمن ما أطلقته جهات سياسية منذ سنوات وأسمته: محاربة أسلمة المجتمع المغربي وميزت في مشروعها بين المواطنين المغاربة وقسّمتهم إلى:
-مغاربة مسلمين.
-ومغاربة إسلاميين.
وجعلت المغاربة الإسلاميين هم من يدعو إلى الرجوع إلى العمل بشريعة الإسلام وتفعيل تعاليمه وقيمه في المقررات التعليمية والبرامج الإعلامية؛ ويطالب الدولة بحماية الملة والدين والاستجابة الفعلية لمقتضيات إسلامية الدولة المنصوص عليها في الدستور.
في حين جعلت قسم المسلمين يتضمن كل مغربي يعتبر الإسلام والدين أمرًا شخصيا، لا ينبغي للدولة التدخل فيه؛ ويرى من حق الشواذ واللادينيين والملحدين والمنصرين أن يدعو لمعتقداتهم وما يدافعون عنه.
ولا شك أن هذا التصنيف الغرض الأساسي منه إظهار الدعاة والعلماء والوعاظ والفاعلين الإسلاميين وكل التيارات الإسلامية بمظهر المتطرف النشاز عن المجتمع المغربي؛ في حين أن الحقيقة على أرض الواقع تفيد أن المغاربة كلهم إسلاميين حسب تصنيف أصحاب مشروع محاربة أسلمة المجتمع المغربي؛ والذي يعني من حيث المآل محاربة أي محاولة للرجوع إلى مقتضيات الإسلام ومقومات الهوية المغربية التي من أجَلّ وأهم عناصرها الدين الإسلامي شريعة وعقيدة وسلوكا.
إن مشروع محاربة أسلمة المجتمع المغربي يتم تنزيله عبر واجهات متعددة؛ ومن خلال مؤسسات رسمية وأخرى غير رسمية لكنها مدعومة من جهات رسمية وسنحاول إجمالها في الواجهات التالي:
-1- الواجهة السياسية:
وتتمثل في محاربة الإسلاميين في الحكومة، والحيلولة دون نجاح تجربتهم وإضعاف وجودهم السياسي من خلال ما عشناه في هذه السنة بالخصوص؛ كما نلحظ في هذه الواجهة السياسية قيام أحزاب بالمشاركة المباشرة في مشروع محاربة أسلمة المجتمع المغربي وتنزيله؛ مثل حزب الأصالة والمعاصرة وحزب الاتحاد الاشتراكي.
-2- الواجهة الحقوقية:
وتتمثل في الجمعيات والمنظمات الحقوقية التي تنشر بوعي أو دون وعي ثقافة حقوقية مناقضة للإسلام ومناهضة لمعتقداته ومنظومته الأخلاقية والسلوكية؛ بحيث نراها تدافع عن الشذوذ الجنسي وممارسة الزنا معتبرة أن ذلك يندرج ضمن الحرية الجنسية وتطالب بتعديل القوانين المجرمة لهذه السلوكيات؛ كما تستميت في الدفاع عن المجرمين في مثل هذه القضايا التي تثير الرأي العام؛ معتبرة ذلك اضطهادا للحريات الفردية، زِد على ذلك الدفاع عن حرية الاعتقاد مهما كان هذا الاعتقاد مناقضا لعقائد المسلمين، وتدعو الدولة إلى احترام حقهم في نشر ما يعتبر في الفقه والمعتقد الإسلامي كفرا وفسوق وضلالا، لا زالت القوانين المغربية تعاقب على ارتكاب بعضه..
-3- الواجهة العلمية الدعوية:
وتكمن في التحكم في المؤسسات العلمية والدعوية وتحييدها عن الصراع المفتعل بين الإسلام والعلمانية في المغرب؛ وتوظيفها في محاربة الأسلمة المجتمعية من خلال تركيز عملها ومشاريعها في مواجهة الإرهاب والتطرف الذي يرتكبه بعض الجهال في الداخل والخارج؛ في حين تغض الطرف عن التطرف العلماني وهجماته على معتقدات المغاربة، ونشر العلمانيين للمقالات ومواد إعلامية تطعن في النبي صلى الله عليه وسلم وتشكك في دواوين السنة الشريفة، ومنعها من الرد والمواجهة لعمليات الإفساد المتعددة في الواجهات المختلفة المذكورة.
ويندرج في هذه الواجهة العزل الممنهج للخطباء والوعاظ من طرف وزارة الأوقاف، خصوصا في حق من ينتمون للتيارات الإسلامية؛ أو من يظهر موقفا صريحا مخالفا للتيارات العلمانية ومؤسساتها.
-4- الواجهة الإعلامية والفنية:
وتتلخص في الهجمات الشرسة التي تقودها صحافة التشهير والكذب وتزوير الحقائق؛ والتي تستهدف في الظاهر الإسلاميين وتغلِّف هجوماتها بمحاربة التطرّف في حين تقوم بحرب صريحة على الإسلام شريعة وسلوكا وعقيدة؛ مع مبالغة مفضوحة في دعم الشواذ والمرتدين وآخرها ما بدأت تنشره إحدى الجرائد الإلكترونية من مقالات للمرتد رشيد المغربي.
كما يندرج تحت هذه الواجهة ما ذكرناه من عمليات الإفساد الممنهج الذي تسخَّر له القنوات التلفزية الرسمية، وما تنشره من مسلسلات وبرامج تفتت منظومة القيم الإسلامية السلوكية والعقدية.
-5- الواجهة الجمعوية والتنظيمية:
وتتمثل محاربة الأسلمة على مستوى هذه الواجهة في التضييقات السافرة التي تتعرض لها الحركات الإسلامية والجمعيات التابعة لها؛ والتضييق عليها بمنع الأنشطة أو إغلاق مقرات الجمعيات وتوقيف الخطباء والوعاظ المنتمين إليها؛ وذلك قصد الحيلولة دون استنهاض همم المواطنين إلى المزيد من التشبث بالإسلام ونشره والدعوة إلى امتثال شريعته بين مختلف شرائح المجتمع المغربي.
إن الدور الأساسي المنوط بالدولة ومختلف مؤسساتها لا يتمثل فقط في حماية الدين والإسلام من الهجومات الداخلية والخارجية؛ بل يتمثل بالأساس في القيام بنشره والدعوة إليه ليس بالشكل المهلهل الذي نشاهده؛ بل الواجب أن نلمس دورا حقيقيا للدولة من خلال رفعها من قيمة إقامة التوحيد بمحاربتها للمخالفات الشركية التي تحفل بها الموالد والمواسم البدعية وما يمارس في الأضرحة والزوايا من مخالفات عقدية وسلوكية، وكذلك الإعلاء من شأن الصلاة بحيث يتجلى ذلك من خلال برامج ومشاريع حكومية ترمي إلى تحسيس المسلمين بهذا الركن الأساسي من أركان الإسلام؛ زِد على ذلك واجب قيام الدولة بمحاربة الشعوذة والسحر الذي أصبحت كل أحياء المغاربة تعرف دُورا مخصصة لهما فاقت في عددها عدد المصحات والمدارس.
إن وظيفة حماية الملة والدين هي وظيفة المؤسسات بالدرجة الأولى، وهي أجدر ما تنفق فيه الأموال العامة لأنها مرتبطة ارتباطا مباشرا بالأمن العام في الدنيا والآخرة.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم
آبراهيم الطالب