واقع رهيب وبدون مبالغة لمن نظر بعين التأمل والتمحيص لواقع جيل اليوم حيث يقشعر البدن ويقف الشعر وترتعد الفرائص، لأنه واقع يحمل نذر مستقبل مخيف بمنظور البشر؛ على قاعدة من أراد أن يعرف المستقبل فلينظر إلى الحاضر لأن بينهما تأثيرا ورابطا لا ينفك إلا بمشيئة ربانية وقدر إلهي.
ولأن الأمم الأخلاق ما بقيت فإنهم ذهبت أخلاقهم ذهبوا، فإنا ذاهبون لا محالة على ما نرى من مظاهر وسلوكات لا أخلاقية مشينة غاية في الوقاحة، أينما وليت وجهك فهي بين عينك تتراءى لك رغما عنك لكثرتها وكثرة من يتلبسون بها دون أدنى مزعة من حياء، لأن الأمر مرتبط بجيل سبق أوان انغماسه في عالم المجون على تقدير ولادة نوازعه في وقت عمري معين، حيث سلوكات المراهقة قبل أوانها؛ وعلاقات الغرام قبل حينها؛ وأفكار منحرفة قبل إبانها؛ إذ الطفولة لم تمح آثارها بعد.
فالخطب جلل وعظيم، وسقوط الأخلاق بشكل مدو وقع دون أن يسمعه أحد إلا قليلا.
فهؤلاء رجال ونساء الغد أكثرهم بل سوادهم يجري وراء الشهوات والموضة، ويتجرأ على محارم الله ولا يرقب فيها إلا ولا ذمة، كيف وهم من فتحوا أعينهم على عالم يعج بالمنكرات ما ظهر منها وما بطن، وترعرعوا وتربوا في هذا الواقع حيث الأفلام والمسلسلات الوقحة، والأغاني والكليبات الساقطة، والمهرجانات المائعة، وبرامج صناعة النجوم المظلمة كالستار أكاديمي وستوديو دوزيم، ولا ناهي ولا منتهي لا من أب ولا أم ولا أخ ولا أستاذ… بل ليس تمت إلا مشجع ومحفز ومعين على المنكر ولا حول ولا قوة إلا بالله.
إن جيل اليوم ما دون العشرين وفوقها بقليل جيل رهيب اكتسب من الجرأة ما لا تقدر عليه الجبال، وإنهم لشر خلف لشر سلف، وهي الأخلاق تتوارث في الأغلب، فإذا أضيف إليه أجيال سابقة وأخرى لاحقة، وتراكم الشر والوقاحة والمنكر بعضه على بعض فأين المفر، وإلى أين نصل، وكيف يطيب العيش في واقع هذا شأنه وهكذا أهله.
تطوقنا العهارة والدعارة؛ والخنا والعري الفاحش؛ والكلام الساقط والسلوك المنحط؛ كل هذا أصبحنا نتعايش معه رغما عنا، وهو ليس من الحضارة كما يزايد علينا رعاة هذا الانحطاط الأخلاقي؛ ويريدون إلزامنا بقبوله بدعوى قبول الحداثة والآخر.
فهذا لا يكون ولن يكون إلا تسيبا خلقيا شاء من شاء وأبى من أبى، فأخلاق الإسلام تتنافى مع هذه الظواهر الشاذة التي يعرفها المجتمع في جهاته الأربع، وهذا لا يشرف شعبا يعتز بدين الاسلام ويفتخر بالانتساب إليه ولو رسميا وخطابيا وشفويا، وإظهار العواطف الجياشة نحوه..
وإن كان أمرا حسنا فإنه لا يجدي -إذا لم يصاحبه عمل يدل على صدق آيته- الالتزام بأخلاق الإسلام، ونبذ هذه الانحرافات التي ولدت مع أجيال ويحياها أجيال ويولد فيها أجيال، فصارت كالطوق يتولى حمايته شرذمة من منحرفي الفطرة يقدمون على أنهم دارسون ومختصون ومهتمون، فسبحان من جعلهم لا يختصون إلا في التنظير للوقاحة وتبرير الخنا وتشجيع الانحراف، تحت مسميات براقة خادعة يروج لها إعلام متواطئ ويتبناها تعليم تائه، ولا يطبق في حقها قانون مسطر، ويتغاضى عنها أصحاب الشأن الديني!
إن الخطب العظيم والانحلال جسيم وهو يتخطى أسوار البيوت ويهجم بلا رحمة، ولم يسلم من خطره حتى بعض أهل الفضل، فضاع أبناؤهم وبناتهم ولم تسلم زوجاتهم، وهم يبكون فلذات أكبادهم الذين اختطفهم الفساد الأخلآقي، وإن كان أكثر الآباء والأولياء لا يبالون ولا يتحرك في وجدانهم شعور بالعار لما عليه أبناؤهم وبناتهم ونساؤهم وتلك حكاية أخرى.
فليس في الأمر مبالغة، ولو نطق الزمان لأبلغ في الشكوى ولو تكلم أهل العلم لانجلت البلوى، فالأمانة جسيمة والمسؤولية عظيمة وليس على كل غيور إلا أن يسلم بنفسه وأهله وذويه، ولا يتأتى ذلك إلا بجهد جهيد في التربية والمراقبة والمتابعة، وقبل هذا وبعده طلب العون من الله وصدق اللجوء إليه فإنه له الأمر من قبل ومن بعد.
سلمنا الله في أنفسنا وأهلينا وذرياتنا..
“رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا”.