على هامش حرق وإهانة العَلَم المغربي (تاريخ الراية المغربية) د. حميد بن بوشعيب العقرة

ما أقلقني وتأسفت له ما يقوم به بعض من يحسب على هذا البلد من ذوي النعرات المفرقة، وجرثومة التعصب الخبيثة ما نراه بين الفينة والأخرى من حرق وإهانة للعلَم المغربي، مع أن العلَم سفكت لأجله الدماء وأزهقت على بقائه الأرواح حتى يستمر رفرافا بين أهل هذا البلد.

يقول شيخ شيوخنا العلامة عبد الله الجراري: “للدول في إحداث الرايات سر دقيق، ومغزى سام ومعنى جليل. ذلك أنه إذا اجتمع قوم تحت لواء واحد دلّ ذلك بوضوح على ارتباط قلوبهم، بمعنى أن هذا اللواء يكون شارة على اجتماع كلمتهم، واتحاد قلوبهم مما يصبحون به كالجسد الواحد يألف بعضهم بعضا أشد من ائتلاف ذوي الأرحام” (الغاية من رفع الراية ص:5).

ولابد لكل مغربي حر محب لوطنه من معرفة تاريخ راية بلاده والمراحل التي مرت منها، والحِقب التي توالت عليها من عهود الدول المتعاقبة على هذا البلد.

نشأت الراية المغربية الإسلامية بقيام الدولة الإدريسية، فكان لون الراية الإدريسية هو البياض، أما رايات دول زناتة الأولين من بني العافية ومغراوة وبني يفرن فلم تختص بلون واحد، وكانوا يرشونها بالذهب، ويتخذونها من الحرير الخالص حسبما أشار لكل هذا ابن خلدون في المقدمة (ص225).

أما رايات دولة المرابطين فيقول ابن السماك في الحلل الموشية في الأخبار المراكشية (ص194): “فكان في القلب -قلب الجيش-مع الأمير تاشفين المرابطون وأصحاب الطاعة، تقدمهم البنود البيض الباسقات المكتوبة بالآيات، وفي الجانبين كفاة الدولة، وحماة الدعوة من أبطال الأندلسيين، تقدمهم حمر الرايات بالصور الهائلات، وفي الجناحين أهل الثغور، وفي المقدمة مشاهير زناتة ولفيف الحشم، أهل العزائم الماضية والبصائر الثابتة بالرايات المطيفة والأعلام المنيفة..”.

وأما الدولة الموحدية فكان لون الراية الرسمي هو البياض كما في الأنيس المطرب بروض القرطاس لابن أبي زرع حيث قال: “وعقد لهم راية بيضاء”.

وقال العلامة المنوني رحمه الله: وكذا وقفت على ما يفيد أنه كان للموحدين راية أخرى لونها هو الحمرة” واعتمد رحمه الله على ما أورده فريد وجدي في دائرة المعارف الإسلامية (1/678).

ويضيف المنوني قائلا: ومن المهم أن نسجل هنا للفخار والاعتبار أن بعض رايات الموحدين الحمر لا تزال قائمة حية حتى الآن في إسبانيا، ومنها اللواء المغربي الذي شاهده الأستاذ أحمد زكي في خزانة كنيسة دير الراهبات ببرغش، وذكره في رحلته (السفر إلى المؤتمر) ومدحه بأنه في غاية الإبداع والجمال.

وكذلك أشار لهذا اللواء فقيد العروبة الأمير شكيب أرسلان في كتابه الحلل السندسية (انظر مقال على هامش رفع الراية للمنوني).

وقد كان أول أمر الموحدين سبع رايات تيمنا بهذا العدد كما يقوله ابن خلدون، ثم آل الأمر إلى ما ذكرتُه.

أما لون الراية المرينية فهو البياض، وهذا العلم الأبيض هو الذي أشار إليه أبو البقاء الرندي في مرثية الأندلس التي مطلعها (لكل شيء إذا ما تم نقصان):

يا أيها الملك البيضاء رايته

أدرك بسيفك أهل الكفر لا كانوا

أما رايات الوطاسيين فليس بين أيدينا نص صريح في بيان لونها، وإن كان الشيخ المنوني يرجح أنه البياض كما هو الحال عند المرينيين، قال: “لا أستبعد أن تكون على غرار رايات بني مرين” (مقال المنوني).

وأما الدولة السعدية الشريفة فاختارت اللواء العظيم الأبيض، وكانوا يسمونه اللواء المنصور، ويتقدمه ويتأخر عنه ألوية عديدة أكثرها أحمر (الاستقصا 5/124).

وأما رايات الدولة العلوية الشريفة فيحدثنا عنها العلامة المنوني بقوله: “وكان لون الراية العلوية الخاصة هو الخضرة، وكانت تحف بها راياتٌ كثيرةٌ حمر.

وقد ذكر الراية العلوية الخضراء الشاعر المغربي الكبير محمد بن الطيب العلمي في قصيدته التي يمدح بها السلطان العظيم الشأن المولى إسماعيل، وهي مذكورة في الأنيس المطرب ومطلعها:

لك العز والتأييد والفتح والنصر

أيا ملكا يصبو له البر والبحر

هزمت جيوش الكفر في كل معرك

وشيدت ركن الدين فانتقض الكفر

وفككت أسر المسلمين من العدا

ومنك الأعادي لا يفك لهم أسر

إلى أن يقول:

فكم راحة بيضاء تحمر بالدما

إذا انعقدت للحرب ألوية خضر

ثم قال: وعلى هامش الراية العلوية الخضراء نحاول هنا أن نفهم الروح التي جعلت الدولة العلوية تعدل عن البياض شعار أكثر دول المغرب أو كلها إلى لون الخضرة، ولأجل هذا نرجع لثنايا كتب التاريخ ونبحث عن الدول التي اتخذت الخضرة شعارا لها.. ولاشك أننا نجد ذلك في دولتين:

نجده في تاريخ حياة المأمون العباسي الذي حاول أن يخرج الخلافة من آل عباس، ويجعلها في آل علي.

فقد جاء في ترجمته أنه بايع بولاية العهد لعلي الرضا بن موسى بن جعفر الصادق، وسماه: الرضا من آل محمد، وأمر جنده باستعمال لون الخضرة في اللباس والأعلام شعارًا للدولة العلوية الجديدة، بدلا من لون السواد شعار الدولة العباسية، وكتب بذلك إلى الآفاق.

والدولة الثانية التي كان شعارها الخضرة هي: دولة الأمويين بالأندلس التي طالما خفق لواءها الأخضر فوق قرطبة. فكأن مؤسسي الدولة العلوية الشريفة لاحظوا -حسبما يظهر لي- في اتخاذ الخضرة شعارا ما يأتي:

أولا: أن يكون تأسيس هذه الدولة الجديدة تحقيقًا لفكرة الدولة العلوية بشعارها وأبهتها هذه الدولة التي حاول المأمون العباسي أن يؤسسها.

ثانيا: أن يكون اتخاذ الخضرة شعارًا تيمنًا بشعار الأندلس أيام عظمتها وازدهارها، عسى أن يكون المغرب تحت ظل الدولة العلوية على غرار الأندلس إبان عزها وحضارتها. انتهى

إن لون العلم المغربي الحالي الذي هو الحمرة كان شائعا في الرايات المغربية إلى جانب العلم الأصل، فرأيناه عند الموحدين وقبلهم المرابطين.

المهم بقيت الراية المغربية حمراء لا يخالطها لون إلى عهد السطان مولاي يوسف رحمه الله الذي أصدر ظهيرا شريفا بتاريخ 09 محرم عام 1334 الموافق 17 نوفمبر سنة 1915. بجعل الخاتم السليماني المخمس في وسطها باللون الأخضر.

فهذه هي قصة الراية المغربية، ومن شاء التوسع فعليه بما ذكرت من مصادر كـ”الغاية من رفع الراية”، ومقال العلامة المنوني، ومقال الأستاذ التهامي الوزاني بعنوان “الراية المغربية” رحم الله الجميع، وغيره ممن كتب في الموضوع.

أسأل الله تعالى أن يحفظ بلدنا وسائر بلاد المسلمين من كيد الكائدين وحقد الحاقدين الذين لا يريدون الخير لهذا البلد وأهله، فأصمتهم العصبية وأعمتهم عن الحق وأهله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *