لا ينقضي عجب المتتبع لقضية إغلاق دور القرآن من تصريحات شكيب بن موسى وزير الداخلية والتي رددها محمد مبديع عضو البرلمان في لقاء بثته قناة الجزيرة ليلة الأربعاء الماضي.
فقد تتابعا على ربط دور القرآن بالتعليم العتيق من أجل تسويغ قرار الإغلاق بذريعة عدم التزام هذه الدور بالقانون المنظم لأنشطة التعليم العتيق.
و فيما يلي توضيح للفروق بين دور القرآن ومدارس التعليم العتيق، وهي فروق تؤكد بطلان الحجة التي سُوِّغ بها الإغلاق اللاقانوني:
الفرق القانوني
دور القرآن تعمل في إطار قانون الجمعيات المؤسس بالظهير الشريف رقم: 377-58-1 الصادر في 3 جمادى الأولى 1378هـ الموافق 15 نونبر 1958م والمعدل والمتمم بالظهير الشريف رقم: 233-73-01 الصادر في 06 ربيع الأول 1393هـ الموافق لـ: 10 أبريل 1973م.
ويؤكد هذا أن هذه الدور مارست أعمالها لما يزيد على ثلاثة عقود بترخيص وتشجيع ومتابعة من السلطات المعنية، فالزعم بأنها تابعة لقانون المدارس العتيقة محدث وغريب، ويشكل في حقيقته طعنا في مئات المسؤولين الذين رخصوا لهذه الدور وقبلوا طيلة تلك السنوات عملها بصفتها منضوية تحت قانون الجمعيات!
الفرق من حيث المخاطب
دور القرآن تؤدي خدمة تعليم القرآن الكريم لشرائح المجتمع المختلفة ممن لا يتمكنون من التفرغ للحفظ والدراسة الشرعية.
أما التعليم العتيق فموجه للطلبة الذين انقطعوا لحفظ القرآن الكريم وغيره من العلوم الشرعية، ويتعلمون في إطار دراسة نظامية ذات مراحل ومناهج لا يتمكن من متابعتها إلا المتفرغون.
فعجبا للخلط بينهما مع هذا الفرق الجلي!
وهو فرق يبطل ما تم التصريح به من انتفاء اشتمال الإغلاق على إضرار بشريحة كبيرة من المواطنين، وأن عددهم لا يتجاوز: 2800!
بل هم ألوف مؤلفة يترددون على دور القرآن كما يتردد غيرهم على المقاهي أو السينمات أو النوادي الرياضية، وقد يكون منهم من يجمع بين التردد على بعض تلك المرافق.
فكيف يمكن حصر هؤلاء في العدد المذكور؟!
وهذا كما لو قام مسؤول بإغلاق دور السينما في المغرب بزعم أن عدد روادها قليل!
الفرق الدعوي
لا يمكن لمتتبع منصف أن ينكر الفرق الدعوي العلمي بين دور القرآن ومدارس التعليم العتيق.
وإذا كانتا كلاهما تعملان في إطار القانون، فإن القانون يكفل حق الاختلاف ولا يجوز لجهة أن تصادر رأي أخرى وتفرض عليها مبادئها.
وقد أضحى بيِّنا أن التوجه الديني لوزير الأوقاف توجه صوفي متشدد يقوم على إحياء الفكر الديني الظلامي الذي يشوه دين الله الحق بما يحويه من الخرافات والشعوذات التي يتبرأ منها التدين المغربي القائم على منهج أهل السنة والجماعة وعلى رأسهم الأئمة مالك والأشعري والجنيد رحمهم الله.
بل من قبيل اليقين لا الظن أنه لو اطلع هؤلاء الأئمة على بدع وخرافات غلاة المتصوفة الذين يمجدهم وزير الأوقاف لأنكروا ذلك إنكارا شديدا، وإذاً لعدوه جنوحا بالإسلام عن الجادة وتشويها لجماله ورونقه.
وغير خاف أن هذا المسلك الذي سلكه وزير الأوقاف مسلك أمرت به الوصية أمريكا ويحرص عليه التوجه العلماني غاية الحرص لأنه يخدم مشروعه الفتاك لعلمنة المجتمع المغربي.
ومن أراد الوقوف على حقائق وبراهين هذا الطرح فليقرأ كتاب الدكتور محمد وراضي بعنوان: (عرقلة الفكر الظلامي الديني للنهضة المغربية).
فربما كان منهج دور القرآن الذي يرفض هذا التوجه المنحرف، ويتشبث بالثوابت الدينية المغربية الأصيلة والتي تتلخص في لزوم منهاج أهل السنة والجماعة المتصف بالوسطية والاعتدال، وراء هذه الهجمة الشرسة لوزير الأوقاف ووزير الداخلية على دور القرآن والجمعيات المؤطرة لها.
أما المدارس العتيقة فتفرض عليها الوزارة المعنية رأي رئيسها، ولا ترخص هذه الوزارة إلا لمن سار على ذلك الطريق، وهذا أشبه ما يكون بالاستبداد ومصادرة الحريات المنضبطة بالقانون.
ولعل من نافلة القول أن أذكر هنا بأن الدعوة السلفية التي يحاربها وزير الأوقاف، دعوة أصيلة متجذرة في التدين المغربي، وتاريخ علماء ملوك العلويين رحمهم الله كاف لإثبات ذلك.
وهذه حقيقة أكَّدها كبار رجالات المغاربة من أمثال الأستاذ علال الفاسي الذي يقول: “إن الحركة السلفية هي التي تريد الرجوع بالدين إلى أصله الأصيل، ومصدره النقي لتزيح عنه كل ما ألصقته به الأجيال من آثار الجمود والجحود، وما غطت به حقائقه الناصعة وتأويلات المبطلين وتحريفات الجاهلين” [حديث المغرب في المشرق ص.3].
والدكتور عبد الهادي بوطالب الذي يقول: “لو أردت أن أختصر الحركات الإصلاحية عبر تاريخ المغرب لقلت إن المغرب بلد السلفية التواق دائما إلى العودة إلى جوهر العقيدة الصافي، فالسلفية ترتبط بتاريخ المغرب ارتباطا قويا..” [مقالة: السلفية استشراق مستقبلي].
فدعوة هذا حالها لا يجوز ولا يحق شرعا وقانونا لوزير الأوقاف ولا لغيره أن يصادرها ويحاربها.
الفرق السياسي
ويفهم في ضوء الفرق المتقدم؛ أن بعض المتنفذين الذين تسللوا إلى بعض مراكز القرار يحملون فكرا عدائيا استئصاليا للأصالة المغربية: منهاج أهل السنة والجماعة أو منهاج السلف الصالح.
فهذا المنهاج في التدين والدعوة مرفوض عند الساسة الفعليين في أمريكا والذين يتحركون بأمر اللوبي الصهيوني الذي خطط ويخطط لحرب الدعوات الإصلاحية وإحياء الدعوات البدعية متجاوزا الشعارات التي رفعها حين أراد إضعاف تمسك المسلمين بدينهم؛ وهي: الحرية والإخاء والمساواة.
فهذه الشعارات انقلبت بعد أن أدَّت دورها وانحرفت بكثير من مفكري ومثقفي وساسة وعلماء الأمة إلى ما تريده..
انقلبت تلك الشعارات إلى ضدها: فصارت الحرية تضييقا، وأضحت المساواة انحيازا وظلما، وبات الإخاء عدوانية وكراهية.
هذه هي الفروق بين دور القرآن ومدارس التعليم العتيق؛ ويمكن إجمالها في:
دور القرآن مرفوضة عند أمريكا وحلفائها، ومدارس التعليم العتيق مرضي عنها.
وفي الختام أرجو أن يوفق القضاء لإنصاف المظلوم ومداواة المكلوم، والبرهنة على عدالة القضاء المغربي واستقلاله وعدم خضوعه لضغوط الاسئصاليين الحاقدين في الداخل والخارج.