إلقاء الرعب في القلوب طارق برغاني

الرعب والرهبة والخوف كلها من جنود الله تعالى يلقيها في قلوب أهل الكفر والشرك والنفاق، هي جنود يؤيد الله بها المؤمنين في مواقف الشدة ولحظات العسرة أمام طواغيت الباطل ودعاة الفسق، “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا” الأحزاب:9، أمر الله تعالى لقاءهم بالقتال وفرض ردعهم بالسيف متى بادروا بالقتال وأعلنوا الحرب وتجاوزوا الحد في انتهاك حرمات الله وإشاعة الفساد والرذيلة بين المسلمين، “وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ” البقرة:190.
وإلقاء الرعب في قلوب الكفار سبب من الأسباب الروحية للنصر ووسيلة من الوسائل الإلهية للظفر هيأها الله تعالى للمؤمنين فضلا عن العدة والعتاد والعدد، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الوسيلة في مواضع متفرقة وبينتها السنة النبوية، وعاين أثرها أهل الإيمان بالمشاهدة والحس، ولهذه الوسيلة مقتضيات متعلقة بها:
فضيلة نبوية: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “أُعطيتُ خمسًا، لم يُعطَهنَّ أحدٌ قَبلي: نُصِرتُ بالرُّعبِ مَسيرةَ شهرٍ، وجُعِلَتْ لي الأرضُ مسجدًا وطَهورًا، فأيُّما رجلٍ من أُمَّتي أدرَكَتْه الصلاةُ فلْيُصلِّ، وأُحِلَّتْ لي المغانمُ ولم تَحِلَّ لأحدٍ قَبلي، وأُعطيتُ الشفاعةَ، وكان النبيُّ يُبعَثُ إلى قومِه خاصةً، وبُعِثتُ إلى الناسِ عامةً” البخاري: 335، وهذه خصيصة ربانية اختص بها النبي صلى الله عليه وسلم عن باقي الأنبياء في الحرب، وفي ذات الوقت فيها تثبيت للصحابة وطمأنة لهم وزيادة لهم في التسليم بالنصر وفي المقابل هي إرباك للعدو واضطراب في صفوفه وإضعاف لقوته.
نزول الملائكة: مدد من السماء يؤيد الله به المؤمنين، ويُلزمهم بالإقدام على العدو وفيه البشارة السارة والتسلية الحسنة لأنه تخفيف للعبء وجلاء للخوف والتوجس، ومنه استشعار قرب الله تعالى ودنوه ومعيته، فتزداد طاقة المؤمنين وتشحذ هممهم وتشتد عزيمتهم، “إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ۚ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ” الأنفال:12، وجاء في الأثر من غزوة بدر “…فأمدَّه اللهُ بالملائكةِ، قال أبو زميلٍ: فحدَّثني ابنُ عباسٍ قال: بينما رجلٌ من المسلمين يومئذٍ يشتدُّ في أثر ِرجلٍ من المشركين أمامَه، إذ سمع ضربَةً بالسوطِ فوقَه، وصوتُ الفارسِ يقول :اقدُمْ حَيزومُ، فنظر إلى المشركِ أمامه فخرَّ مُستلقيًا، فنظر إليه فإذا هو قد خُطم أنفُه، وشُقَّ وجهُه كضربةِ السوطِ، فاخضرَّ ذلك أجمعُ، فجاء الأنصاريُّ فحدَّثَ بذلك رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال: (صدقت، ذلك مدد السماء الثالثةِ) فقتلوا يومئذٍ سبعين، وأسَروا سبعين…” مسلم: 1763.
الشرك: يوهن القلب ويذهب قوته، يطفئ نوره ويوطن فيه الخوف والرعب وهو رأس الذنوب وأعظمها، “سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا ۖ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ ۚ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ ” آل عمران: 151، وذلك لكون المشرك يحس في باطنه خواء روحيا وانطفاء قلبيا بسبب بطلان قضيته وفساد معتقده واختلال مقصده، فإن ناصر وقاتل فإنما يقاتل حمية أو من أجل طاغوت إنس أو جن، أو لإبطال حق وإحقاق باطل، بينما المؤمن فيقينه راسخ بالنصر وإلا فالشهادة وهي في ذاتها أعظم انتصار يصيبه لأنها تأشيرة لخلود في جنات النعيم.
التعلق بالأسباب المادية ونسيان المسبب: ومنشأه اختلال في المعتقد وداء في القلب، وهو ضرب من الأمان من مكر الله واستبعاد عذابه، والركون لإمهاله والاعتماد على الأدوات المادية، “هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ۚ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا ۖ وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ۚ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ” الحشر: 2، “…هي الوطيح والنطاة والسلالم والكتيبة … وكانوا أهل حلقة -أي سلاح كثير- وحصون منيعة، فلم يمنعهم شيء منها فأتاهم الله أي: أمره وعذابه…” الجامع لأحكام القرآن: 6/18.
الإعداد مع حسن التوكل: وهو تصحيح للمسألة السابقة، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى اللَّهِ منَ المؤمنِ الضَّعيفِ، وفي كلٍّ خيرٌ، احرِص على ما ينفعُكَ، واستِعِن باللَّهِ ولا تعجِزْ” مسلم:2664.
والأخذ بأسباب القوة لدى المؤمن يلقي المهابة في نفس الكافر ويقذف الرهبة في قلبه، وهي قسمان الأول معنوي ويتضمن قوة الإيمان وهو الأصل والمبدأ ثم قوة التوكل وله شروط ومقتضيات، والثاني مادي وهو تابع ومكمل للأول ولا يؤتي ثمرته إلا بتحقق خالص للأول فعليه ينبني ويتأسس، “وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ” الأنفال:60.
وحال أمتنا اليوم شاهد على ما آلت إليه من ضعف القلوب وانطفاء الهمم وفتور العزائم بسبب التعلق بالدنيا وملذاتها وتغليب قوى المادة على قوى الإيمان، فنزع الله مهابة المسلمين من قلوب الكافرين، حتى تجاسروا على حرمات الله وتداعوا على أعراض المؤمنين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “يُوشَكُ أن تَداعَى عليكم الأممُ كما تداعَى الأكلةُ على قصعتِها، قيل : يا رسولَ اللهِ أمِن قلةٍ بنا؟ قال: لا ولكنَّكم غثاءٌ كغثاءِ السيلِ، تُنزَعُ المهابةُ من قلوبِ عدوِّكم منكم ويُوضعُ في قلوبِكم الوهنُ، قالوا: يا رسولَ اللهِ وما الوهنُ؟ قال: حبُّ الدنيا وكراهيةُ الموتِ” مجموع فتاوى ابن باز: 5/106.
يقول مصطفى السباعي في ذات السياق: “أعظم مصيبة للحق في جنوده اليوم فتور عزائمهم، وقد كانوا في صدر الإسلام يكهربون الدنيا بنبضات قلوبهم” هكذا علمتني الحياة، ص:233-234.
اللهم انزع الوهن من قلوبنا وألق المهابة في قلوب أعدائنا.
والحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *