..إن انتشار الفكر العلماني والتمكين له في وسائل الإعلام لهدم ومحاربة التدين ونشر الإباحية في شتى المجالات الفكرية والسلوكية والاجتماعية، والانتشار الواسع للقنوات الإباحية، وأفلام الجنس، وأغاني “الفيديو كليب”، والمهرجانات، وجرائد ومجلات العري التي تتفنن في إظهار الفتيات بملابس عارية، هو الوقود الذي أذكى سعار التحرش الجنسي.
أجرت جريدة الأحداث في عددها رقم 3559 الصادر يوم الخميس 06 نونبر 2008 استجوابا مع عضو من مركز “فاما” حول التحرش الجنسي وطرق مواجهته، وخصصت الجريدة المذكورة صفحة كاملة للموضوع، حاولت من خلالها إيصال رسالة إلى النساء المغربيات اللائي يتعرضن للتحرش الجنسي مفادها أن:
– المرأة من الضروري لها أن تثق بنفسها وتواجه المشكل بذكاء، هذا في الوقت الذي يجب أن تتمسك فيه بحقها في اختيار لباسها وزينتها فهما ليستا السبب في التحرش بها؟؟!!
– المرأة يجب أن تجتنب الإحساس بالذنب واتهام الذات.
– لا تلومي نفسك، أو الظروف، فالتحرش الجنسي هو جذب انتباه جنسي مفروض عليك دون أدنى ذنب لك” اهـ.
حقيقة إن العور مرض لا يصيب العين فقط بل هو مرض يصيب الفكر كذلك، فإصرار الجريدة وادعاؤها أن التحرش الجنسي لا يدخل في جملة أسبابه الزي أو اللباس الذي ترتديه المرأة مكابرة ودعوة صريحة إلى مخالفة الدين والعقل والفطرة.
ورغم أن الأمر لا يكاد يكابر فيه إلا معاند، يأبى العلمانيون إلا المكابرة والادعاء من أن أسباب التحرش الجنسي بالمرأة ليس هو إظهارها لمفاتنها وعدم التزامها بالحجاب الشرعي، وما يدعو إليه الدين من العفة والحياء والحشمة، زاعمين أن هناك حالات عديدة من الاعتداءات الجنسية وقعت حتى على النساء المحجبات، وإلا كيف نفسر الاعتداء على الأطفال؟ وكيف نفسر التحرش من طبيب، أو مهندس بخادمته؟
لنقلها صراحة، إن التحرش الجنسي أضحى ظاهرة تعيشها المرأة يومياً في الشارع وفي وسائل النقل، وفي المؤسسة التي تعمل فيها، ويرجع الأخصائيون المحايدون المنصفون أسباب استفحال الظاهرة إلى زعزعة واضطراب منظومة القيم والأخلاق، وضعف الوازع الديني عند الرجال والنساء، وتغييب خلق الحياء، والتفسخ من التقاليد والأعراف التي تدعو إلى الشهامة والأخلاق الحميدة سواء من جانب المرأة أو الرجل. والغالبية العظمى من الحوادث التي تقع، سواء في الاغتصاب أو الخطف أو التحرش، هي لفتيات أو سيدات غير محتشمات في ملابسهن أو سلوكهن العام، نعم قد تحدث في القليل النادر أمور مشابهة لفتيات أو سيدات محجبات، ولكن ذلك على سبيل الاستثناء والنذرة، إذ غالبا ما تفرض السيدة أو الفتاة المحتشمة في ملابسها وفي سلوكها العام على الجميع احترامها وعدم التعرض لها.
ثم إن انتشار الفكر العلماني والتمكين له في وسائل الإعلام لهدم ومحاربة التدين ونشر الإباحية في شتى المجالات الفكرية والسلوكية والاجتماعية، والانتشار الواسع للقنوات الإباحية، وأفلام الجنس، وأغاني “الفيديو كليب”، والمهرجانات، وجرائد ومجلات العري التي تتفنن في إظهار الفتيات بملابس عارية، هو الوقود الذي أذكى سعار التحرش الجنسي.
كما أن الاحتفاء بالشواذ في المنابر العلمانية (كمجلة نيشان، ونساء من المغرب وTelquel، وجريدة الأحداث، والصباح، والقناة الثانية..) وتلميع صورة المتحول جنسيا “نور”، والشاذ “عبد الله الضائع” وغيرهما، هو إشاعة لهذا النوع من الفاحشة في المجتمع، كما يعتبر من أهم العوامل التي من شأنها أن ترفع من نسبة التحرش والاعتداء الجنسي سواء على الأطفال أو النساء.
إن المُشاهد لهذا الكم الهائل من الصُّور المثيرة للغرائز والمحركة للشهوات لا مفر أمامه خصوصا مع غياب الوازع الديني أو ضعفه من أن يبحث له عن مصرف يصرف فيه شهوته ويقضي فيه حاجته، ولو كانت بهيمية حيوانية.
لقد ظهر جليا على أرض الواقع أن المفاهيم العلمانية أنتجت لنا ظواهر وسلوكات شاذة عن مجتمعنا، وقف العلمانيون حيالها حيارى، لا قدرة لهم على التصدي لها أو التقليل من ضررها، سوى المطالبة بإصدار قوانين زجرية تودي بمقترفيها إلى غياهب السجون، كما هو صنيع الجمعيات والمنظمات النسائية التي تطالب بتفعيل القانون المجرم للتحرش الجنسي، مع الإصرار على نفي التلازم القائم والظاهر بين ضعف التشبث بالقيم الدينية وارتفاع معدل الجرائم المتعلقة بالجنس، مما تبقى معه المقاربة القانونية لحل المشاكل والظواهر الاجتماعية مثل الأطفال ضحايا المغامرات الجنسية، والبغاء، والأمهات العازبات، والتحرش الجنسي، مقاربة عاجزة عن الحد من استفحال مثل هذه الظواهر بله القضاء عليها ومعالجتها جذريا.
إن التحرش الجنسي ظاهرة أفرزها تغييب الدين ومنعه من تأطير المجتمع، ولن يحدّ من استفحالها إلا الرجوع إلى المنبع الصافي المتمثل في الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، وتقوية منظومة القيم والأخلاق الإسلامية التي وقفت زمنا طويلا سدا مانعا أمام كل سلوك شاذ ومنحرف.