حكم سابّ النبي عند علماء المالكية وباقي علماء المسلمين

بالرجوع إلى المراجع الشرعية التي بحثت حكم ساب النبي صلى الله عليه وسلم؛ نجد أن الآيات والأحاديث قد تواترت؛ وأن الصحابة والعلماء أجمعوا على كفر الساب المتطاول على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان مسلمًا، وعلى انتقاض عهده إذا كان ذميًا أو معاهدًا، واتفق العلماء على وجوب قتله.
وهذا الإجماع قد حكاه غير واحد من أهل العلم كالإمام إسحاق بن راهويه وابن المنذر والقاضي عياض والخطابي وغيرهم. الصارم المسلول 2/13-16.
يقول القاضي عياض في كتابه الشفا 1/426: “قد تقدم من الكتاب والسنة وإجماع الأمة ما يجب من الحقوق للنبي صلى الله عليه وسلم، وما يتعين من بر وتوقير، وتعظيم وإكرام، وبحسب هذا حرم الله تعالى أذاه في كتابه، وأجمعت الأمة على قتل منتقصه من المسلمين وسابه، قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا) [الأحزاب 57]، وقال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، وقال الله تعالي: (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا) [الأحزاب 53]”.اهـ
وقال إسحاق بن راهويه: “أجمع المسلمون على أنَّ من سَبَّ اللهَ، أو سَبَّ رسولَه صلى الله عليه وسلم، أو دَفَعَ شيئاً مما أنزل الله عزّ وجلّ، أو قَتَلَ نبياً من أنبياء اللهِ عزّ وجلّ، أنه كافر بذلك وإن كان مُقِرّاً بكل ما أنزل اللهُ.” (الصارم المسلول؛ ص:12).
وقال ابن المنذر: “أجمعَ عوامُّ أهلِ العلمِ على أَنَّ حَدَّ من سَبَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم القتل، وممن قاله مالكٌ واللَّيثُ وأحمدُ وإسحاقُ، وهو مذهبُ الشافعي، وحُكي عن النعمان: لا يقتل -يعني الذمَّي- ما هُم عليه من الشركِ أعْظَمُ”(الصارم المسلول؛ ص:12).

وقد دل على هذا الحكم الكتاب والسنة:
أما الكتاب؛ فقول الله تعالى: (يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ، وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ، لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) التوبة.
فهذه الآية نص في أن الاستهزاء بالله وبآياته وبرسوله كفر، فالسب بطريق الأولى، وقد دلت الآية أيضاً على أن من تنقص رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كفر، جاداً أو هازلاً.
وأما السنة؛ فروى أبو داود (4362) عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ يَهُودِيَّةً كَانَتْ تَشْتُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقَعُ فِيهِ، فَخَنَقَهَا رَجُلٌ حَتَّى مَاتَتْ، فَأَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَمَهَا.
قال شيخ الإسلام في الصارم المسلول (2/126): وهذا الحديث جيد، وله شاهد من حديث ابن عباس.
وهذا الحديث نص في جواز قتلها لأجل شتم النبي صلى الله عليه وسلم.
وروى إمامنا مالك عن ابن شهاب الزهري عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المِغفَر، فلما نزعه جاءه رجل، فقال له: ابن خَطَل متعلِّق بأستار الكعبة!! قال صلى الله عليه وسلم: (اقتلوه). البخاري ومسلم.
والسبب في قتل ابن خطل وعدم دخوله في أمان النبي صلى الله عليه وسلم حين دخل مكة فاتحاً، حيث قال: (من دخل المسجد فهو آمن)، لكونه كان يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت له مغنيتان تهجوان النبي صلى الله عليه وسلم وتشتمانه.
قال الإمام مالك: “ومن سب النبي صلى الله عليه وسلم قتل ولم يستتب”.
وقال ابن القاسم: “من سبه أو شتمه أو عابه أو تنقصه، فإنه يقتل كالزنديق”.
وقال أبو مصعب الزهري وابن أبي أويس: سمعنا مالكاً يقول: من سب رسول الله أو شتمه أو عابه أو تنقصه قتل مسلماً كان أو كافراً ولا يستتاب”.
وقال محمد بن عبد الحكم: أخبرنا أصحاب مالك أنه قال: “من سب النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره من النبيين من مسلم أو كافر قتل ولم يستتب”.
وقال محمد بن سحنون: أجمع العلماء على أن شاتم النبي صلى الله عليه وسلم المتنقص له كافر، والوعيد جار عليه بعذاب الله له، وحكمه عند الأمة القتل. ومن شك في كفره وعذابه كفر. الشفا؛ 4/429.
وروى أشهب عن مالك قال: “من سب النبي صلى الله عليه وسلم من مسلم أو كافر قتل، ولم يستتب”.
وخلاصة القول:
أن سب النبي صلى الله عليه وسلم من أعظم المحرمات، وهو كفر وردة عن الإسلام بإجماع العلماء، سواء فعل ذلك جاداًّ أم هازلاً. وأن فاعله يقتل ولو تاب، مسلما كان أم كافراً. ثم إن كان قد تاب توبة نصوحاً، وندم على ما فعل، فإن هذه التوبة تنفعه يوم القيامة، فيغفر الله له.
وتجدر الإشارة إلى ولي الأمر والحاكم هو الموكل به إقامة حد السب؛ ولا يحق لأحد تنفيذ هذا الحكم حتى لا تعم الفوضى والفتنة بين الناس.
ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، كتاب نفيس في هذه المسألة وهو (الصارم المسلول على شاتم الرسول) ينبغي لكل مؤمن قراءته، لاسيما في هذه الأزمان التي تجرأ فيها كثير من المنافقين والملحدين على سب الرسول صلى الله عليه وسلم، لما رأوا تهاون المسلمين، وقلة غيرتهم على دينهم ونبيهم، وعدم تطبيق العقوبة الشرعية التي تردع هؤلاء وأمثالهم عن ارتكاب هذا الكفر الصراح.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *