نيل المنى

وداخل لان يكون السبـب ** يوجد عادة به المسـبب
وهو الذي قد مر في التقرير ** وحاله يليق بالجمـهور
ثم ذكر حال أهل الرتبة الثانية، فقال: «و» منهم «داخل» في ذلك «لـ» أجل «أن يكون السبب يوجد» ويحصل «عادة به» أي بواسطته «المسبب» ومحصوله طلب المسبب عن السبب لا باعتقاد الاستقلال، بل من جهة كونه موضوعا على أنه سبب لمسبب، فالسبب لا بد أن يكون سببا لمسبب؛ لأنه معقوله، وإلا لم يكن سببا، فالالتفات إلى المسبب من هذا الوجه ليس بخارج عن مقتضى عادة الله في خلقه، ولا هو مناف لكون السبب واقعا بقدرة الله تعالى؛ فإن قدرة الله تعالى تظهر عند وجود السبب وعند عدمه، فلا ينفي وجود السبب كونه خالقا للمسبب، لكن هنا قد يغلب الالتفات إليه حتى يكون فقد المسبب مؤثر ومنكرا، وذلك لأن العادة غلبت على النظر في السبب يحكم كونه سببا ولم ينظر إلى كونه موضوعا بالجعل لا مقتضيا بنفسه.
«وهو» يعني وهذا الضرب من تلك الأحوال «هو الذي قد مر في التقرير» الذي أورد في المسألة السابقة ـ المسألة الخامسةـ حيث الحديث عن حكم القصد إلى المسببات بفعل الأسباب «وحاله» أي حال هذا الضرب هو الذي «يليق بالجمهور» لأنه غالب أحوال الخلق ـ المسلمينـ في الدخول في الأسباب.
وداخل في ذاك غــير ساه ** ان المسبــبات فعل الله
ومقتضى هذا اعتبار السبب ** بحيث ما ينتسب للمسبب
أما حالة الرتبة الثالثة فقد أوردها فقال: «و» منهم «داخل في ذاك» القصد، حال كونه «غير ساه» عن أن المسببات إنما هي «فعل الله» وخلقه، فيكون الغالب عن صاحب هذه المرتبة اعتقاد أنه مسبب عن قدرة الله وإرادته، من غير تحكيم لكونه سببا؛ فإنه لو صح كونه سببا محققا لم يتخلف، كالأسباب العقلية، فلما لم يكن كذلك تمحض جانب التسبب الرباني بدليل السبب الأول، وهنا يقال لمن حكمه: فالسبب الأول عماذا تسبب؟ وفي مثله قال عليه الصلاة والسلام: (فمن أعدى الأول؟) فإذا كانت الأسباب مع المسببات داخلة تحت قدرة الله فالله هو المسبب لا هي؛ إذ ليس له شريك في ملكه.
«و مقتضى هذا» المعتقد هو اعتبار السبب «فيه» أي في المسبب «من حيث» يعني من جهة «ما ينسب» من الخلق والإيجاد «المسبب» ـ بكسر الباءـ يعني الخالق سبحانه فقط، فصاحب هذه المرتبة يرى أن السبب إذا طلب به المسبب وجعل وسيلة لذلك، خلق الله ـ تعالى ـ ذلك المسبب بذلك إن شاء الله فالخلق إنما هو له سبحانه وحده.
وترك الالتفات للمســبب ** القاصدون نحوه في رتــــب
فمنهم الداخل في حكم السبب ** من حيث انه الى الشرع انتسـب
ووضعه للعالم الانســــاني ** للابتلاء والامتــــــحان
وقاصد ذا مهتد في قــصده *** وعامل لله في تعبــــــده
والابتلاء منه للعــــقول ** من حيث ما تنظر في المعـــقول
« فصل»
في ان تارك الإلتفات إلى المسببات على مراتب ثلاثة:
قال الناظم: «وترك الإلتفات» والقصد «لــ» حصول أو تحصيل «المسبب» بعد الإتيان بسببه «القاصدون» بأسبابهم نحوه أي «نحوه» أي نحو عدم الالتفات لتحصيل المسبب، أو حصوله، الذين بنوا عقيدتهم في الشأن على المضي في هذه الجهة -عدم الالتفات- هم «في رتب» يعني على درجات ثلاث.
«فمنهم الداخل في» تحصيل «حكم السبب» وكسبه «من حيث» أي من جهة «أنه» أي السبب «إلى الشرع» إلا لاهي «انتسب» «و» قد «وضعه» الشارع «لــ» قصد «الابتلاء» للعباد «والامتحان» لهم من غير التفات إلى ما سوى ذلك «و قاصد» معتقد «ذا» هذا الأمر «وقاصد» له من اكتساب السبب والإتيان به «مهتد» إلى الحق «في مقصده» هذا «و» هو «عامل لـ» وجه «الله» تعالى «في تعبده» بذلك، وتقربه إليه –سبحانه- بذلك.
«و» هذا الابتلاء الحاصل «منه» أي وضع الأسباب والمسببات هو على وجهين، فمنه ما وضع «لـ» ابتلاء «العقول» وذلك العالم كله، وكذلك «من حيث» أي من جهة ما تنظر في أحواله وأحكامه من المعقول أي المدرك بالعقول من آيات وبراهين دالة على علوم ومعارف، ومن صنعة الإلهية يستدل بها على ما وراءها من صفات القدرة والعلم والإرادة الإلهية وغير ذلك، هذا هو الوجه الأول.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *