أدركوا الشباب من وحل شبهات الضلال ذ.أحمد اللويزة

جاء في الآثار أن “القلوب ضعيفة والشبه خطافة”، لذلك تواتر عن أهل العلم من أهل السنة تحذيرهم من مجالسة أهل البدع والأهواء والمجادلون بالباطل، والمنع من مناقشتهم حتى لا تلتصق شبههم بالقلوب فيصعب إخراجها؛ أو على الأقل تحدث تشويشا على اليقين الذي ينبغي أن يكون هو أساس الإيمان الذي لا تزعزعه الأهواء، ولا تكدره الشبهات، بحيث يكون راسخا رسوخ الجبال الراسيات.
إن هذا المبدأ الذي كان أصلا في منهج السلف كان سائدا بطبيعة الحال في واقع ليس فيه إلا طلبة العلم والعلماء والمحققين، وما ذلك إلا اعترافا بخطورة الشبه على القلوب التي هي بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، واقتناعا بحالات أثبت الواقع أنها لم تصمد أمام قوة الشبهة رغم وجود العلم؛ لأنها لم تلتزم منهج السلامة والحرص على القلب من الفتن وعدم فتحه لمن هب ودب من كل شاردة وواردة من المفاهيم والأفكار والمقالات المضلة.
وهذا المنهج ليس عجزا منهم عن مواجهة هذه الضلالات والخرافات والشبه المضلة، بل قد واجهوها بقوة البينة ونور الدليل الذي يبدد ظلامها؛ وذلك بعد أن منَّ الله عليهم بالعلم الراسخ، وقوة الشكيمة؛ مع التوفيق والسداد في رد الباطل وإحقاق الحق.
لكن جعل الخصومات والمجادلات والمناظرات مع أهل الأهواء ديدنا ومسلكا لابد أن له مخاطر كما ذكرت، هي التي من أجلها منع العلماء من الخوض فيها أو مع معتنقيها، حتى وهم على قدم راسخة من العلم. وكفانا على ذلك دليلا قول الإمام مالك -وما أدراك ما الإمام مالك- لرجل جاء يناظره: “أما أنا فعلى ثقةٍ من ديني، وأما أنت فابحث عن شاكٍ مثلك”؛ وقوله في شأن من يسأل عن الاستواء “أخرجوه عني أظنه رجل سوء”.
هذا شأن الكبار والجبال في العلم ومن يليهم في الطلب؛ فكيف حال قوم اليوم قلوبهم فارغة من ريح العلم ورائحة المعرفة الشرعية، وهي في زمن تتطاير فيه الشبه كالغبار؛ وتنتشر كالنار في الهشيم؛ وتنقل بسرعة البرق بين الأغيار؛ ولها دوي كدوي الرعد، تصل إلى الفئام من الناس في نفس اللحظة وفي كل البقاع. ومن يمنعها والسماء مشرعة الأبواب، والمنع صار عصيا على الإمكان.
وهذا النت والإعلام وساكنوه يصولون ويجولون يبثون في الأذهان كل الشبه العقدية والفكرية والمنهجية والسلوكية والتعبدية، وتتلقفها العقول الفارغة من مناعة الكتاب والسنة، لأنهم لم يلقحوا بها يوم أن خرجوا للوجود ضد أدواء الفكر المنحرف والعقيدة المشوهة والسلوك المنحط، فخربت العقول والقلوب وخربت معها الحياة، لأن التركيز على تلقيح الأجساد التي لا تفيد إلا في الاستهلاك، ولما تنتجه الآلة الرأسمالية من منتوجات تنمي المادة وتقتل الروح، فيصير الإنسان بلا قيمة في الوجود على حد قول القائل
أقبل على النفس واستكمل فضائلها … فأنت بالروح لا بالجسم إنسان
شبابنا يضيع اليوم بين وديان الشهوات والمغريات، قلوبهم أفرغ من فؤاد أم موسى فيما يتعلق بعلم الكتاب والسنة الذي تتهاوى على صخرته كل الشبه مهما كانت قوتها، فهم اليوم يواجهون مكر المفترين وتأويل الجاهلين بصدور عارية، معرضون للتضليل بدون أية مقاومة، فيكون مصيرهم الغرق في بحر الضلال وأين المنقذ من الضلال؟
شباب يضيع شبابه اليوم دون أن نلتفت إليهم، إلا بعد أن يصبحوا عالة على المجتمع من خلال انحراف عقدي وسلوكي يمارسونه انتقاما من واقع لم تتهيأ لهم فيه ظروف المعرفة العاصمة من قواصم الشبهات، لكن بعد فوات الأوان، أو بعد أن تصبح عملية التطهير القلبي مكلفة أكثر مما لو كانت عملية التتبع والملازمة العلمية الرصينة سارية المفعول قبل أن يقع المحظور.
إن الأمر يتطلب ثورة علمية شرعية تأصلية متينة يتولاها العلماء الراسخون، تدوم بدوام الأبد، وتستمر ما استمرت الشبه تتخطف العقول والقلوب، وإن خطبة جمعة أو الدرس الوعظي العابر أو البرنامج العلمي شرعي المقرر مدرسيا أو جامعيا أو حتى إعلاميا، كل هذا لا يسمن ولا يغني من جوع، ولا يستطيع أن يمكن التلميذ أو الطالب أو عموم الناس من أيسر وسائل الدفاع في ساحة الحرب الفكرية التي تستعمل فيها الأسلحة الفتاكة والمدمرة.
ولذلك يعجز هؤلاء اليوم أن يردوا على أبسط الشبه والدعاوى الباطلة التي سمعوها من بعض أساتذتهم، أو من زملائهم، أو قرءوها في المواقع أو الصحف والمجلات، فيأتون يسألون عنها وفرائصهم ترتعد من شدة وقعها عليهم، مع أنها لا تعد شيئا في ميزان العلم الشرعي لو تلقوه بالمنهج الصحيح والقدر الكافي ولكن للأسف، فوضع كهذا يجعلنا ندرك كيف ينتشر فينا وبين شبابنا؛ بل وبين الكهول والشيوخ فكر التشيع والإلحاد والزندقة والقاديانية وعقيدة التنصير والتهويد وهلم جرا. وتنتشر شبه الحيرة والشك التي تتعلق بالخالق والبعث والفناء والقضاء والقدر وغيرها.
وهذا يوقع الشباب في حيرة وألم نفسي وهوس يوصلهم إلى درجة الوسواس القهري، فيتقهقر كل شيء في حياتهم: مستوى معيشي ودراسي؛ وصحة نفسية وتفاهم أسري.. ويصبح عندهم البديل الأحسن من كل البدائل: الإدمان على الأدوية والمخدرات..
فلمن نترك هؤلاء؟
ومن يكون بجوارهم؟
ومن يتحمل مسؤوليتهم؟
فأينما حلوا وارتحلوا تلاحقهم فتن الشبهات والشهوات، وهم عرايا من وسائل الدفاع عن الدين والعقيدة التي انتموا إليها بالتاريخ والجغرافيا، ولم ينتموا إليها بالعلم والمعرفة واليقين الذي لا يزعزعه الشك، فضياعهم ضياع للأمة، ولكن يبدو أن هناك من يريد لهم هذا الضياع حفاظا على مصالحه الخاصة.
لكن إذا وقع المحذور لن ينجو منه معذور؛ ويبعث الناس على نياتهم.
فهذه صيحة نذير؛ فأدركوا هذه الأمة صغارا وشبابا وشيوخا، رجالا ونساء، قبل فوات الأوان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *