إذا كان جلّ الباحثين والمتتبعين يرصدون ظاهرة انتشار الحجاب والنقاب وعودة النساء إلى التدين بشكل بارز ولافت للنظر سواء في العالم العربي أو الغربي، فإن عباقرة آخر ساعة لفت نظرهم خلع الفتيات للحجاب وعودتهن للسفور والتبرج من جديد!
فقد خصصت اليومية المثيرة للجدل “آخر ساعة” في عدد اليوم الجمعة -عيد المومنين- “ربورطاجا” بعنوان: (ظاهرة خلع الحجاب في المغرب، فتيات خلعن الحجاب بحثا عن الحرية).
صدرته بمقدمة كشفت فيها هدفها من إعداد الروبرطاج الذي يطرح أكثر من علامة استفهام حول المعطيات الواردة فيه، وجاء في المقدمة: “موازاة مع ازدياد أعداد النساء اللواتي يرتدين الحجاب في المغرب تزداد أيضا أعداد النساء اللواتي يخلعنه، فبعد أن ارتدين الحجاب لسنوات طويلة قررن فتيات في عمر الزهور تخليص شعورهن من هذا الثوب..”.
وأكثر ما ركز عليه الربورطاج المذكور هو أن الحجاب لا علاقة له بالدين والأخلاق، وأن كثيرا من الفتيات يرتدينه تحت إكراه الأسرة أو المحيط أو خوفا من التحرش..
واختارت اليومية التي أنشأها إلياس العماري، قبل أن يفوتها لأخيه فؤاد بعد اعتلائه مقعد الجرار، مجموعة من العناوين التي تكشف بالواضح المرجعية التي تحكم هذا المنبر، حيث نجد عناوين وعبارات من قبيل:
– أحس نفسي بدون حجاب حية وجميلة..
– ارتديه كي أستكمل دراستي..
– الحجاب لا علاقة له بالأخلاق..
– أرتديه لأحمي نفسي من نظرات الرجال..
– خلعته لأنه يحد من الطموح..
– بعد خلعها الحجاب أصبحت تتوافق مع نفسها..
– المنطق الجاهل الذي ينظر للمرأة كعوة..
– الفتاة حين تخلع حجابها فهي لا تخلع الثوب فقط وإنما أفكارها ومعتقداتها ونظرتها إلى الحياة..
– الحجاب كان يساعدني للعيش في قوقعتي بما فيها الأسئلة الوجودية والمشاكل النفسية.
وكي يسبل علمانيو “آخر ساعة” العباءة الدينية على اختياراتهم الشاذة رحلوا إلى الدول الإسكندنافية ليبحثوا عن فقيه يعزز اخيارهم، فعثروا على شخص يدعى “مصطفى شنضيض” يشغل منصب رئيس المجلس المغربي الإسلامي في الدول الإسكندنافية، فأفتاهم بما يشتهون وقال لهم بأن “نزع الحجاب من صغائر الذنوب التي يمسحها فعل الخير”. و”التحذير من نزع الحجاب فتنة وولوج للتطرف من أوسع أبوابه”.
ولا أدري حقيقة لماذا تكلف معد الربورطاج عناء الذهاب إلى دولة إسكندنافية ليبحث عمن يفتيه، ولم ينظر من حوله ويسأل أحد أعضاء المجلس العلمي، أو يبحث فقط عن قول السادة المالكية في هذا الباب؟!
المهم، أعلم أن كثيرا من المتابعين حين سيقرؤون هذا الهراء سيشعرون بالغثيان، وأعلم أيضا أن الشبه التي يلقي بها العلمانيون لإيقاف مد العودة للحجاب لم تُجدِ، بل أتت بنتائج عكسية واستفزت النساء فعدن إلى التمسك بهويتهن ودينهن مرة أخرى، لكن ما باليد حيلة، فهذا هو ما تروجه عدد من الجرائد الورقية والمنابر الإعلامية داخل وطننا الكبير.
نعم “آخر ساعة” جاءت في آخر ساعة، لكنها لازالت تكرر دون حياء ما لم ينفع أخواتها في الفكر والأيديولوجيا، بل تقع في أخطاء جسيمة كانت سبب أفول منابر إعلامية من قبل والظاهر أنها ستلقى المصير نفسه.
النقاش بين دعاة الحجاب ودعاة السفور نقاش قديم يتجدد في عدد من المحطات التي تبرز هوة الخلاف بين من يتبعون الشهوات ويريدون من النساء أن يملن ميلا عظيما، ومن يدعونهن إلى التزام حكم اللطيف الخبير الذي خلق البشر ويعلم ما يصلحهم في الحال والمآل، فقال سبحانه: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً} (النساء:27)، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} (الأحزاب:59).
فائدة:
قول السادة المالكية في الحجاب: قال الخرشي في شرح مختصر خليل (1/346): “..والمعنى أن عورة الحرة مع الرجل الأجنبي جميع بدنها حتى دلاليها (ما تدلى واسترسل من شعرها) وقصتها (شعر الناصية)، ما عدا الوجه والكفين ظاهرهما وباطنهما”، وانظر عيون المجالس للقاضي عبد الوهاب (1/311)، والشرح الصغير للدردير 1/289، والتفريع لابن الجلاب المالكي (1/240)، والتمهيد لابن عبد البر 6/364، وما شئت من كتب المالكية، (للتوسع انظر “حجاب المرأة في المذهب المالكي” للباحث مصطفى باحو).