الأسبوعان الماضيان كانا حافلين بمحطات كبيرة وأحداث مثيرة؛ أبرزها الخطاب الملكي بالرياض الذي كشف بشكل واضح وجلي عن المخططات الغربية الرامية إلى تمزيق وتدمير عدد من دول المشرق والمغرب العربي، وأن المنطقة العربية تعيش على وقع محاولات تغيير الأنظمة وتقسيم الدول، وبعض الدول ليست استثناء، كما يروج بعضهم، وإنما تدخل ضمن مخططات مبرمجة، تستهدفنا جميعا .
الخطاب الملكي اعتبره عدد من المتتبعين خطابا غير مسبوق، لأنه نأى عن لغة المجاملات وروتين القمم العربية المملة، وبيَّن أننا نعيش فعلا مرحلة فاصلة، مرحلة ما نريده ونطمح إليه، وما يريده منا الآخرون ويريدون منا أن نكون عليه.
كما أوضح الخطاب أن من يشكك في الأطماع الغربية الرامية إلى تقسيم العالم الإسلامي إلى دول صغيرة متناحرة إثنيا وعقديا، ويعارض هذه الحقيقة بدعوى المبالغة في نظرية المؤامرة، يعيش خارج السياق والواقع والتاريخ؛ لأن المؤامرات -وفق الخطاب الملكي دوما- تستهدف المس بأمننا الجماعي، وأن هناك تحالفات جديدة، قد تؤدي إلى التفرقة، وإلى إعادة ترتيب الأوراق في المنطقة. وهي في الحقيقة، محاولات لإشعال الفتنة، وخلق فوضى جديدة، لن تستثني أي بلد.
ومن الخطاب الملكي، إلى مفاوضات الحكومة مع النقابات المركزية وتعثر الحوار الاجتماعي ووصوله إلى طريق مسدود..
وإلى خروج إدريس لشكر من كهفه وتجاهله للاحتراب الداخلي لرفاق الوردة، واتهامه أمريكا (الشيطان الأكبر) بدعم العدالة والتنمية ومساعدته في استحقاقات 2011..
وإلى اتهام إلياس العماري حكومة بنكيران ببناء دولة تحت الدولة..
وإلى ابتزاز قايد الدورة لامرأة متزوجة، ومقايضته للجنس مقابل غضه الطرف عن بناء غير مرخص له..
وإلى قايد القنيطرة الذي تسبب في حرق “مي فتيحة” بائعة البغرير وامتنع أن يمد لها يد العون والنار تلتهم وجهها وجسدها الضعيف..
وإلى توقيف خطيب تطوان؛ والسبب كالعادة مخالفة الثالوث المقدس..
وإلى تعرض شاذ جنسي مجددا للضرب بالشارع العام بمكناس بعد أن استفز المارة بلباسه وحركاته..
وإلى جريمة القتل البشعة، التي راح ضحيتها عشرة أشخاص بالقدامرة ضواحي الجديدة، والتي كشفت عن تنامي أشكال جديدة للجريمة تطال الأصول والفروع.
وإلى الخطبة الموحدة العرجاء لوزارة التوفيق التي شددت على حرق النفس -وهو كبيرة لا نقاش فيها- وأهملت بشكل مقصود وسافر الحديث عن الاضطهاد والإقصاء والظلم الذي يطال عددا من المواطنين ويدفعهم -في إطار غياب التأطير الديني- إلى مثل هذا السلوك الجانح المحرم شرعا.
أحداث مجتمعنا لم تنته عند هذا الحد؛ حيث نص المجلس الاقتصادي والاجتماعي، في مشروع تقريره الخاص بوضعية المرأة والمساواة في المغرب، والذي ناقشه في دورته الأخيرة نهاية الأسبوع، على إلغاء فصلين من القانون الجنائي يجرمان الزنا والخيانة الزوجية.
معللا مطلبه بأن الفصلين إذ “يجرمان العلاقات الجنسية الرضائية وغير الرضائية خارج إطار الزواج، يقفان حاجزا أمام حق النساء في التبليغِ عن الاغتصاب”، ومضيفا أن “تجريم العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج والصورة السلبية المكرسة عن النساء العازبات وعن أبنائهن، الناتجة عن تجريم تلك العلاقات، يشكلان انتهاكا لمبدأي عدم التمييز والمصلحة الفضلى للطفل المنصوص عليهما في الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل”.
وحتى نفهم مرامي مجلسنا الموقر، وبلغة الخشيبات؛ فحيث أن المرأة لا يمكنها التبليغ عن الاغتصاب يتعين علينا رفع التجريم عن الزنا والخيانة الزوجية، وحيث أن المجتمع ينظر إلى الزانية التي وضعت مولودا (الأم العازبة) نظرة احتقار يجب علينا أن نوافق قوانينا مع ما نصت عليه الاتفاقيات الدولية لحقوق المرأة والطفل.
ترى؛ لماذا لم يضع المجلس الذي يترأسه نزار بركة مقاربة أخرى غير التي قدمها للحد من ظاهرة الاغتصاب وفشوه؛ تراعي الدستور ومرجعية المغرب وأنه بلد مسلم؟
لماذا يصر المجلس على أن يمرر قناعات جمعيات حقوقية علمانية ما فتئت تطالب بإلغاء الفصلين 490 و491؟
ثم هل إسقاط الفصلين سيحد فعلا من حالات الاغتصاب؟
هذا ما تكذبه التجارب الغربية التي تخلت عن المرجعية الدينية واستعاضت عنها بالعلمانية التي تحرر الجنس من كل القيود؛ حيث أن حالات الاغتصاب مرتفعة جدا -مثلا- في أمريكا التي باتت تحتل المركز الأول في قائمة أكثر دول العالم من حيث جرائم التحرش الجنسي والاغتصاب.
وحسبما نص مكتب الإحصاءات الحكومي الرسمي فإن أكثر من 91% من الضحايا هن من الإناث، وكشفت جمعية مناهضة للعنف ضد المرأة أن واحدة من بين 6 نساء أمريكيات تتعرضن للاغتصاب سنويا.
كما أن السويد الحداثية تتصدر قائمة البلدان الأوروبية الأكثر تسجيلا لحالات الاغتصاب، وكشف تقرير أن امرأة من بين أربعة تتعرضن للاغتصاب، كما أن معدلاته ترتفع سنة بعد أخرى.
وكشفت دراسة أخرى شاركت فيها منظمة اليونيسيف للأمومة والطفولة وجمعية ذاكرة جرحى وضحايا الاعتداءات الجنسية في فرنسا أن هناك 260.000 ضحية اغتصاب أو محاولة اغتصاب سنويا تشهدها فرنسا.
فتحرير الجنس لن يحد من الاغتصاب، والهدف غير المعلن هو ترسيم نموذج وحيد وفريد تفرضه دول التحكم عبر مؤسساتها الرسمية.
إن المغرب رغم استقراره واستثنائه المتميز؛ تتهدده مخاطر خارجية وداخلية، وهو ما يستدعي يقظة وحذرا، ووعيا كبيرا بمقتضيات المرحلة وحساسيتها، فكل خطوة متهورة أو غير محسوبة من شأنها أن تؤثر سلبا على الاستقرار الذي ننعم به جميعا.