أثار الفيلم الأمريكي عن نبي الله نوح عليه السلام جدلا كبيرا لدى مختلف الأوساط الثقافية في العالم، ومعلوم أن علماء الإسلام أفتوا بعدم جواز مشاهدة مثل هذه الأفلام لما فيها من استهانة بمقام النبوة، ولما تحتويه من مغالطات كثيرة وشبهات خطيرة، لاسيما أنها تعتمد على الدبلجات الدرامية مما يجعل الإنسان يميل إلى مشاهدتها، بل قد يصل به الأمر إلى تصديق كل ما جاء فيها، وهذا هو مكمن الخطورة.
الفيلم الذي منعت عرضه مجموعة من الدول الإسلامية، منها قطر والإمارات العربية المتحدة والبحرين، فضلا عن مؤسسة الأزهر في مصر التي أصدرت عدة فتاوي تحرم فيها عرض فيلم يجسد قصة حياة أحد رسل الله، تبدأ قصته بأن نوحا عليه السلام يرى في منامه رؤيا لطوفان عظيم يحل بالأرض، فيبدأ بصنع سفينة لحماية عائلته.
ومعلوم مقرر أن قصص القرآن الكريم كلها حق وصدق، ومنها نقرر بأن نبي الله نوحا عليه السلام هو من أولي العزم من الرسل، والذين هم: إبراهيم، ونوح، وموسى، وعيسى، وخاتم الأنبياء محمد، صلى الله وسلم وبارك عليهم أجمعين؛ ولقد مكث نوح في الأرض يدعو الناس إلى توحيد الله تعالى وينهاهم عن الشرك به، مدة بلغت تسع مائة وخمسين عاما، كما قال الله تعالى: {ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون} (العنكبوت: 14).
طرق عليه السلام في المدة المذكورة جميع الأبواب، واستغل فيها جميع الوسائل والأسباب، واستخدم كل الأساليب لكي يؤمن قومه بما جاء به من الوحي، لكنهم أبوا إلا الكفر والعناد، وسخروا منه واستهزأوا، وصبر هو واحتسب، ودعاهم ليلا ونهارا، سرا وجهارا، فاستكبروا وأصروا على عبادة الأوثان، فلما ضاق بهم ذرعا، دعا ربه: {أني مغلوب فانتصر} (القمر:10)، فحل بهم الطوفان، بعدما أذن الله له بأن يصنع السفينة ويصعد فيها هو ومن آمن معه، وما آمن معه إلا قليل، {واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون} (هود:37).
ولم يحمل عليه السلام في سفينته أهله وعائلته كما يصور ذلك الفيلم، بل دعا ابنه إلى الصعود على متن السفينة، فأبى إلا أن يحتمي من الطوفان بالالتجاء إلى الجبل، قال سبحانه: {يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين} (هود:42-43).
وكذلك لم يحمل معه في السفينة امرأته لأنها كفرت به وبدعوته، قال الله تعالى عن حالها: {ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين} (التحريم:10).
فمثل هذه الأفلام من شأنها الحط من قيمة ومكانة رسل وأنبياء الله عليهم السلام، والترويج للعقائد الباطلة والزائفة حولهم، فالقرآن حكى قصصهم لنأخذ منه العبرة والعظة، ولنتخذ الأنبياء والمرسلين عليهم السلام قدوة، قال تعالى: {فبهداهم اقتده}، وليس بعد كلام الله تعالى شيء.