” إن الحرب الضروس المفتعلة اليوم مهما تعددت تلاوينها، واختلفت أشكالها، لتتجلى واضحة المعالم لمن ألقى السمع وهو شهيد، إنها حرب على الهوية، والقيم الإسلامية…
فتارة يقول لك: نريد الديموقراطية (التي لا يعرف منها إلا الاسم، أو ما رضعه من حليب الغرب المتعفن، فلقَّنُوه كلاما أشبه ما يكون بالطلاسم التي يرددها في كل نادٍ بلسان بَبَّغاوي)..
وتارة أخرى يقول لك: نريد الحرية، فهذا المسكين الذي طُبع وخُتم على قلبه بخاتم من حديد، يظن أن الإسلام قمع الحريات الفردية وأقبرها، بل الإسلام هو من ضَمِن الحريات والحقوق قبل إعلانهم العالمي لحقوق الإنسان الذي يتبجحوا به صبح مساء..
إن الخطاب المُعَلمن حربائي اللون يريد أن يتحرر من شيء اسمه الدين، لا تهمه لا حقوق ولا حريات، وهو اليوم يسعى جاهدا وبكل ما أوتي من قوة أن يبسط سيطرته على المجتمع؛ فهو المالك لدفة الإعلام، والاقتصاد… ويخوض في عالم السياسة بخطابات تضرب في عمق الهوية، متناسيا أنه يمس المجتمع في شريانه الذي يمده بالحياة، وأن هذا الخط أحمر لا يحق له تجاوزه، فَيَخْنَسُ ويرجع حسيرًا مُطَأْطَأَ الرأس، صفر الأيدي مما عزم ورام تحقيقه، فما بلغ مُدَّ ذلك ولا نصيفه…
ومن يتأمل المشهد السياسي ليتضح له جليا ما يقوم به أنصار التيار الحداثي من فرض وجوده على الشعب، لكنه لا يدري أن هذا الشعب لم يتعاطى مخدرا فغاب عقله حتى يصدق هذه الأراجيف والأباطيل التي يتبجح بها هؤلاء صبح مساء…
هذا الخطاب كل يوم هو في شأن، لا يثبت على حال ولا يستقيم على منوال… واليوم نراه قد اصطبغ بلون آخر، وبلغ درجة النشوة بالنصر الذي زعمه، والصفقة التي ربحها، “مصادرة النقاب” بعد كر وفر، ومناوشات لا تحصى ولا تعد، فلم يهنأ لهم بال ولم يسكن لهم قرار حتى ينجزوا ما خططوه، وما دبروه، هذا القرار لم يكن في الحسبان، ولم تلح معالمه في الخيال، لكن هذا الافتراض سيزول إذا أيقنا أنه حيك في الظلام ودبر تدبيرا بعيد المدى، صودر (بيع) النقاب بدعوى خطره على الهوية (في زعمهم)، وبدعوى حمولته الإرهابية التي لا تجيد إلا لغة الدم والرصاص والبندقية، وأن هذا اللباس تختبئ وراءه كل من اقترفت ذنبا أو جريرة لتواري سوأة جرمها، وترتديه كل من أرادت أن تحيك مآمرة، أو تنفذ غارة… وحبل معطوفات بهتانهم وترهاتهم طويل الذَّنَبِ.
لكن الكيس الفطن يضرب صفحا عن كل ما قيل، لأنه زَبَدٌ يذهب جفَاء، ولا يَمْكُث في الأرض، ولسان حاله يردد: “سبحانك هذا بهتان عظيم”.