نزل القرآن على سبعة أحرف فكيف نزلت هذه الأحرف السبعة؟

نزل القرآن على حرف واحد أول الأمر، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يستزيد جبريل عليه السلام حتى أقرأه على سبعة أحرف.
وقد صح عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: “إِنِّي قَدْ سَمِعْتُ أُولَى الْقُرَّاءِ، فَوَجَدْتُهُمْ مُتَقَارِبِينَ، فَاقْرَءُوهُ كَمَا عُلِّمْتُمْ، وَإِيَّاكُمْ وَالتَّنَطُّعَ وَالِاخْتِلَافَ، إِنَّمَا هُوَ كَقَوْلِ أَحَدِكُمْ: هَلُمَّ وَتَعَالَ” رواه ابن أبي شيبة (6/127).
والقراءات السبعة هي -جميعاـ طرق متنوعة، في أداء حرف واحد من هذه الأحرف السبعة، وهو الحرف الذي كتب به المصحف العثماني الإمام، الذي جمع عثمان رضي الله عنه عليه المسلمين. فإنه لما بلغه اختلاف الناس، وجاءه حذيفة رضي الله عنه وقال: أدرك الناس، استشار الصحابة الموجودين في زمانه كعلي وطلحة والزبير وغيرهم، فأشاروا بجمع القرآن على حرف واحد حتى لا يختلف الناس، فجمعه رضي الله عنه، وكَوَّن لجنة رباعية لهذا، يرأسهم زيد بن ثابت رضي الله عنه، فجمعوا القرآن على حرف واحد، وكتبه ووزعه في الأقاليم حتى يعتمده الناس، وحتى ينقطع النزاع.
فالقراءات السبع أو القراءات العشر موجودة في نفس ما جمعه عثمان رضي الله عنه، في زيادة حرف، أو نقص حرف، أو مد، أو شكل للقرآن، كل هذا داخل في الحرف الواحد الذي جمعه عثمان رضي الله عنه.
قال ابن الجزري رحمه الله:
“ذَهَبَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْمَصَاحِفَ الْعُثْمَانِيَّةَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى مَا يَحْتَمِلُهُ رَسْمُهَا مِنَ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ فَقَطْ، جَامِعَةٌ لِلْعَرْضَةِ الْأَخِيرَةِ الَّتِي عَرَضَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جِبْرَائِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، مُتَضَمِّنَةٌ لَهَا، لَمْ تَتْرُكْ حَرْفًا مِنْهَا.
وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي يَظْهَرُ صَوَابُهُ، لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ وَالْآثَارَ الْمَشْهُورَةَ الْمُسْتَفِيضَةَ تَدُلُّ عَلَيْهِ وَتَشْهَدُ لَهُ…” انتهى من “النشر في القراءات العشر” (1/31-32).
وقال السيوطي رحمه الله: “أَخْرَجَ ابْنُ أَشْتَةَ فِي الْمَصَاحِفِ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي فَضَائِلِهِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عُبَيْدَةَ السَّلْمَانِيِّ قَالَ: الْقِرَاءَةُ الَّتِي عُرِضَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ، هِيَ الْقِرَاءَةُ الَّتِي يَقْرَؤُهَا النَّاسُ الْيَوْمَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَشْتَةَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: كَانَ جِبْرِيلُ يُعَارِضُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ سَنَةٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مَرَّةً، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ عَارَضَهُ مَرَّتَيْنِ، فَيَرَوْنَ أَنْ تَكُونَ قِرَاءَتُنَا هَذِهِ عَلَى الْعَرْضَةِ الْأَخِيرَةِ.
وَقَالَ الْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: يُقَالُ إِنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ شَهِدَ الْعَرْضَةَ الْأَخِيرَةَ الَّتِي بُيِّنَ فِيهَا مَا نُسِخَ وَمَا بَقِيَ، وكتبها لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَرَأَهَا عَلَيْهِ، وَكَانَ يُقْرِئُ النَّاسَ بِهَا حَتَّى مَاتَ، وَلِذَلِكَ اعْتَمَدَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فِي جَمْعِهِ وَوَلَّاهُ عُثْمَانُ كَتْبَ الْمَصَاحِفِ” انتهى من “الإتقان” (1/177).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “القول المرضي عند علماء السلف، الذي يدل عليه عامة الأحاديث وقراءات الصحابة: أن المصحف الذي جمع عثمان الناس عليه، هو أحد الحروف السبعة وهو العرضة الأخيرة، وأن الحروف الستة خارجة عن هذا المصحف. وأن الحروف السبعة كانت تختلف الكلمة، مع أن المعنى غير مختلف ولا متضاد” انتهى من “الصارم المسلول” (ص 126).
وأما عن الطريقة التي تلقي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، فقد كان جبريل عليه السلام يقرأ ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينصت، فإذا فرغ جبريل من قراءته، ردد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده، وذلك القرآن كله بأحرفه.
روى البخاري (3219) ، ومسلم (819) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (أَقْرَأَنِي جِبْرِيلُ عَلَى حَرْفٍ، فَلَمْ أَزَلْ أَسْتَزِيدُهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *