الكتب الأقطاب (1) إبراهيم بلفقيه اليوسفي

 

معلوم أن منح الله لا تعد ولا تحد، وكذا مننه على عباده أشكال وأنواع، فمنها الصحة والجمال والرفعة والمال، لكن حديثنا في هذه الورقة عن نوع آخر من النعم التي حظي بها أهل الكمال من السادة العلماء، والأئمة الفضلاء، إنها نعمة قبول كتبهم وانتشارها في الآفاق، ومجاوزتها حدود الزمان والمكان، واستئثارها بعناية العلماء وتآليف الفضلاء.

ولا نعرف هذه الخصيصة إلا لهذه الأمة المباركة التي شرفها ربنا بكتابه، وأعلى شأنها برسوله صلى الله عليه وسلم، ذلك أن الناظر في مناهج الدرس والتحصيل في لدى الأمة عبر العصور، يلحظ وهو يقلب نظره فيها شيوع كتب بعينها في البلاد شرقا وغربا، حتى سارت مسير الشمس، ولو أراد أحد استقصاء من درسَعا ودرَّسها في المدارس قديما لعجز عن الإحاطة، وسلَّم لها بالاشتهار وبلوغها مبلغ الليل والنهار، وسنذكر جملة منها حتى يعرفها من لا علم له بها فيعقل، ولا يهوله ما يرى من انتشار صور ساقطة لهذا أو تلك في هذا الزمان، مع ذكر بعض مما دار حولها وقاربها بعناية من العنايات، حتى نعرف بعض هذه الأقطاب التي استبدت بالاهتمام أكثر من غيرها، وما ذاك إلا لارتباطها بخدمة القرآن الكريم والذكر الحكيم.

ولأن القرآن لا يفهم إلا على سنن العرب في كلامها كان لا بد من دراسة النحو والترقي في مدارجه، وأشهر مختصراته الآجرومية التي عملها الإمام أبو عبد الله محمد بن محمد بن داود الصنهاجي الفاسي (ت723هـ) وقد بلغت شهرتها السند والهند، وشرحت أكثر من مائة شرح وحاشية.

فمن النحاة الكبار الذين عنوا بها أبو زيد عبد الرحمن المكُّودي الفاسي (ت801هـ) وابن البناء العددي، وأشهر شروحها شرح خالد الأزهري الذي حشَّى عليه أبو العباس أحمد ابن محمد بن حمدون السلمي (ت1316هـ)، وهناك شرح المحدث أبي إسحاق التادلي والعلامة الكفراوي، وآخر شروحها الذائعة شرح محمد محيي الدين عبد الحميد الموسوم بـ”التحفة السنية” وبه سارت تدرس اليوم غالبا.

ويأتي بعدها في التحصيل الخلاصة الألفية لأبي عبد الله محمد جمال الدين ابن عبد الله بن مالك (ت672هـ) وهذا المتن مبارك رزق القبول حتى عفَّى ما قبله من المتون، ويقول الدارسون إن العناية بها بلغت خمسين ومائتي كتاب (250) بين شرح وحاشية وتقرير وتهذيب وإعراب وتلخيص واستدراك… فنذكر من شروحها شرح ابن الناظم (ت686هـ) وابن عقيل (ت729هـ) وعليه حاشيتان مشهورتان الأولى للسجاعي أحمدِ بن أحمد (ت1191هـ) والأخرى للخضري محمدِ بن مصطفى (ت1287هـ) وشرح ابن أم قاسم المرادي (ت849هـ) وهو أصل شرح الأشموني نورِ الدين علي بن محمد (ت929هـ) وعليه حاشية الصبان محمد بن علي (ت1206هـ) التي يعرفها الصغار والكبار، لكن أكبر شروحها وأوسعها مادة وأعمقها تحليلا هو شرح أبي إسحاق إبراهيمَ بن موسى الشاطبي (ت790هـ) وقد طبع معنونا ب “المقاصد الشافية” طبعة علمية فاخرة.

هذا بعض مما عنَّ بخصوص كتب النحو ومازال هناك الكثير، لكننا نصرف القول إلى غيره من الفنون في حلقات أخرى إن شاء الله، والله الموفق للصواب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *