التعامل مع الزوجة الناشز من منطور الشرع وفقه الموازنات د. عبد العزيز وصفي

فقد أرشد الله عز وجل الأزواج في حال نشوز زوجاتهم بقوله تعالى: ﴿وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34)([1]).

 

فما المقصود بالنشوز أولاً؟ وما حدود الضرب الناتج عنه بغية التأديب؟

وإذا كان الضرب بسبب النشوز كما في الآية الكريمة فينبغي علينا تعريف هذا النشوز لنقف على حكمة التشريع:

المقصود بالنشوز:

النشوز: هو عصيان المرأة زوجها فيما له عليها من حقوق([2])، قال ابن قدامة المَقدِسي: «معنى النشوز: معصيتها لزوجها فيما له عليها، مما أوجبه له النكاح، وأصله من الارتفاع، مأخوذ من النشز، وهو المكان المرتفع؛ فكأن الناشز ارتفعت عن طاعة زوجها، فسميت ناشزاً، فمتى امتنعت من فراشه، أو خرجت من منزله بغير إذنه، أو امتنعت من الانتقال معه إلى مسكن مثلها، أو من السفر معه، فلا نفقة لها ولا سكنى، في قول عامة أهل العلم…»([3]).

وورد في بدائع الصنائع للكاساني 4/22: النشوز في النكاح: أن تمنع نفسها من الزوج بغير حق، خارجة من منزله بأن خرجت بغير إذنه، وغابت أو سافرت.

فإذا نَشَزَتِ الزوجةُ وتَرَكَتْ طاعةَ ربِّها وخَرَجَتْ عن طاعة زوجها؛ فقَدْ أعطى اللهُ تعالى من خلال هذه الآية الكريمة حقَّ التأديب للزوج، وتقويمُها إنما يكون بالتدرُّج مع زوجته في استعمال الوسائل التأديبية المشروعة بنصِّ الآية، والتي تبيّن وسائل التأديب والتدرُّج فيها، فإن لم ينفع الوعظُ معها انتقل الزوجُ في تأديبه لزوجته إلى الوسيلة الثانية المتمثِّلة في الهجر في فراش النوم، بأن يولِّيَها ظَهْرَه ولا يجامعَها ولا يتحدَّث معها إلَّا قليلًا عند الحاجة؛ ليحملها هذا التصرُّفُ على الرجوع عن عصيانها وتركِ نشوزها([4]).

وخوف النشوز فسره بعضهم بالعلم به، وفسره آخرون: بالظن، أي: بظهور علاماته، قال الشافعي -رحمه الله-:

«وأشبه ما سمعت -والله أعلم- في قوله تعالى:  ﴿وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ: أن لخوف النشوز دلائل، فإذا كانت  فَعِظُوهُنَّ؛  لأن العظة مباحة، فإن لججن فأظهرن نشوزاً بقول أو فعل فاهجروهن في المضاجع، فإن أقمن بذلك على ذلك فاضربوهن، وذلك بين أنه لا يجوز هجرة في المضجع؛ وهو منهي عنه ولا ضرب إلا بقول أو فعل أو هما… قال: ويحتمل في  تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ  إذا نشزن فأبن النشوز فكن عاصيات به أن تجمعوا عليهن العظة والهجرة والضرب…

قال: وأصل ما ذهبنا إليه من أن لا قسم للممتنعة من زوجها ولا نفقة ما كانت ممتنعة؛ لأن الله تبارك وتعالى أباح هجرة مضجعها وضربها في النشوز، والامتناع نشوز… قال: ومتى تركت النشوز لم تحل هجرتها ولا ضربها، وصارت على حقها كما كانت قبل النشوز»([5]). 

وهذه الأمور وردت في تأديب المرأة على الترتيب بالتدرج، فلا ينتقل إلى مرحلة إلا بعد استنفاد ما قبلها، وهذا الذي فهمه العلماء من الآية الكريمة، قال الإمام الرازي في تفسيره: «والذي يدل عليه نص الآية: أنه تعالى ابتدأ بالوعظ، ثم ترقى إلى الهجران في المضاجع، ثم ترقى إلى الضرب؛ وذلك تنبيه يجري مجرى التصريح في أنه مهما حصل الغرض بالطريقة الأخف وجب الاكتفاء به، ولم يجز الإقدام على الطريقة الأشق»([6]).

هذا دليل على التدرج في ضرب الزوجة، وقد نص المفسرون والفقهاء على لزوم التدرج على النحو الذي ذكرته الآية الكريمة.

ومن ذهب إلى وجوب الترتيب يرى أن ظاهر اللفظ يدل على الترتيب، والآية وردت على سبيل التدرج من الضعيف إلى القوي ثم إلى الأقوى؛ فإنه تعالى ابتدأ بالوعظ، ثم ترقى منه إلى الهجران، ثم ترقى منه إلى الضرب، وذلك جار مجرى التصريح بوجوب الترتيب، فإذا حصل الغرض بالطريق الأخف وجب الاكتفاء به، ولم يجز الإقدام على الطريق الأشد.

أقول: ولعل هذا هو الأرجح، لظاهر الآية الكريمة، والله اعلم([7]).

ففهم من هذا المعنى التدرج من الأخف إلى الأثقل.

وقد نقل الـفخر الرازي عن بعضهم قوله: «ينبغي أن يكون الضرب بمنديل ملفوف بيده، ولا يضربها بالسياط، ولا بالعصا»، قال الرازي -رحمه الله تعالى-: «وبالجملة فالتخفيف مراعى في هذا الباب على أبلغ الوجوه»([8]).

 ويظهر بهذا: أن المقصود الأول بالعقاب هو العقاب المعنوي لا الحسي، وإلا ما الذي يفعله سواك أو منديل.

لكن إذا خرج الضرب عن حده التأديبي، أو «أدى إلى الهلاك وجب الضمان»([9]).

 

([1])- سورة النساء، الآية 34.

([2])- يقال: نشزت المرأة أو الرجل، أي: استعصـى وأسـاء العشرة. (المعجم الوسيط، أحمد حسن الزيات وآخرون، ص922).

فالمرأة الناشز: هي المرتفعة على زوجها، التاركة لأمره، المعرضة عنه، المبغضة له. تفسير القرآن الكريـم، ابن كثير، 1/537.

([3])- المغْني، 8/236، والمغني مع شرح الخرقي، 7/611.

([4])- قال ابنُ كثيرٍ -رحمه الله- في «تفسيره»، 1/492: «قال عليُّ ب

التعامل مع الزوجة الناشز من منطور الشرع وفقه الموازنات

 

د. عبد العزيز وصفي

Madhabmaliki100@gmail.com

 

 

فقد أرشد الله عز وجل الأزواج في حال نشوز زوجاتهم بقوله تعالى: ﴿وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34)([1]).

 

فما المقصود بالنشوز أولاً؟ وما حدود الضرب الناتج عنه بغية التأديب؟

وإذا كان الضرب بسبب النشوز كما في الآية الكريمة فينبغي علينا تعريف هذا النشوز لنقف على حكمة التشريع:

المقصود بالنشوز:

النشوز: هو عصيان المرأة زوجها فيما له عليها من حقوق([2])، قال ابن قدامة المَقدِسي: «معنى النشوز: معصيتها لزوجها فيما له عليها، مما أوجبه له النكاح، وأصله من الارتفاع، مأخوذ من النشز، وهو المكان المرتفع؛ فكأن الناشز ارتفعت عن طاعة زوجها، فسميت ناشزاً، فمتى امتنعت من فراشه، أو خرجت من منزله بغير إذنه، أو امتنعت من الانتقال معه إلى مسكن مثلها، أو من السفر معه، فلا نفقة لها ولا سكنى، في قول عامة أهل العلم…»([3]).

وورد في بدائع الصنائع للكاساني 4/22: النشوز في النكاح: أن تمنع نفسها من الزوج بغير حق، خارجة من منزله بأن خرجت بغير إذنه، وغابت أو سافرت.

فإذا نَشَزَتِ الزوجةُ وتَرَكَتْ طاعةَ ربِّها وخَرَجَتْ عن طاعة زوجها؛ فقَدْ أعطى اللهُ تعالى من خلال هذه الآية الكريمة حقَّ التأديب للزوج، وتقويمُها إنما يكون بالتدرُّج مع زوجته في استعمال الوسائل التأديبية المشروعة بنصِّ الآية، والتي تبيّن وسائل التأديب والتدرُّج فيها، فإن لم ينفع الوعظُ معها انتقل الزوجُ في تأديبه لزوجته إلى الوسيلة الثانية المتمثِّلة في الهجر في فراش النوم، بأن يولِّيَها ظَهْرَه ولا يجامعَها ولا يتحدَّث معها إلَّا قليلًا عند الحاجة؛ ليحملها هذا التصرُّفُ على الرجوع عن عصيانها وتركِ نشوزها([4]).

وخوف النشوز فسره بعضهم بالعلم به، وفسره آخرون: بالظن، أي: بظهور علاماته، قال الشافعي -رحمه الله-:

«وأشبه ما سمعت -والله أعلم- في قوله تعالى:  ﴿وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ: أن لخوف النشوز دلائل، فإذا كانت  فَعِظُوهُنَّ؛  لأن العظة مباحة، فإن لججن فأظهرن نشوزاً بقول أو فعل فاهجروهن في المضاجع، فإن أقمن بذلك على ذلك فاضربوهن، وذلك بين أنه لا يجوز هجرة في المضجع؛ وهو منهي عنه ولا ضرب إلا بقول أو فعل أو هما… قال: ويحتمل في  تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ  إذا نشزن فأبن النشوز فكن عاصيات به أن تجمعوا عليهن العظة والهجرة والضرب…

قال: وأصل ما ذهبنا إليه من أن لا قسم للممتنعة من زوجها ولا نفقة ما كانت ممتنعة؛ لأن الله تبارك وتعالى أباح هجرة مضجعها وضربها في النشوز، والامتناع نشوز… قال: ومتى تركت النشوز لم تحل هجرتها ولا ضربها، وصارت على حقها كما كانت قبل النشوز»([5]). 

وهذه الأمور وردت في تأديب المرأة على الترتيب بالتدرج، فلا ينتقل إلى مرحلة إلا بعد استنفاد ما قبلها، وهذا الذي فهمه العلماء من الآية الكريمة، قال الإمام الرازي في تفسيره: «والذي يدل عليه نص الآية: أنه تعالى ابتدأ بالوعظ، ثم ترقى إلى الهجران في المضاجع، ثم ترقى إلى الضرب؛ وذلك تنبيه يجري مجرى التصريح في أنه مهما حصل الغرض بالطريقة الأخف وجب الاكتفاء به، ولم يجز الإقدام على الطريقة الأشق»([6]).

هذا دليل على التدرج في ضرب الزوجة، وقد نص المفسرون والفقهاء على لزوم التدرج على النحو الذي ذكرته الآية الكريمة.

ومن ذهب إلى وجوب الترتيب يرى أن ظاهر اللفظ يدل على الترتيب، والآية وردت على سبيل التدرج من الضعيف إلى القوي ثم إلى الأقوى؛ فإنه تعالى ابتدأ بالوعظ، ثم ترقى منه إلى الهجران، ثم ترقى منه إلى الضرب، وذلك جار مجرى التصريح بوجوب الترتيب، فإذا حصل الغرض بالطريق الأخف وجب الاكتفاء به، ولم يجز الإقدام على الطريق الأشد.

أقول: ولعل هذا هو الأرجح، لظاهر الآية الكريمة، والله اعلم([7]).

ففهم من هذا المعنى التدرج من الأخف إلى الأثقل.

وقد نقل الـفخر الرازي عن بعضهم قوله: «ينبغي أن يكون الضرب بمنديل ملفوف بيده، ولا يضربها بالسياط، ولا بالعصا»، قال الرازي -رحمه الله تعالى-: «وبالجملة فالتخفيف مراعى في هذا الباب على أبلغ الوجوه»([8]).

 ويظهر بهذا: أن المقصود الأول بالعقاب هو العقاب المعنوي لا الحسي، وإلا ما الذي يفعله سواك أو منديل.

لكن إذا خرج الضرب عن حده التأديبي، أو «أدى إلى الهلاك وجب الضمان»([9]).

—————————————

([1])- سورة النساء، الآية 34.
([2])- يقال: نشزت المرأة أو الرجل، أي: استعصـى وأسـاء العشرة. (المعجم الوسيط، أحمد حسن الزيات وآخرون، ص922).
فالمرأة الناشز: هي المرتفعة على زوجها، التاركة لأمره، المعرضة عنه، المبغضة له. تفسير القرآن الكريـم، ابن كثير، 1/537.
([3])- المغْني، 8/236، والمغني مع شرح الخرقي، 7/611.
([4])- قال ابنُ كثيرٍ -رحمه الله- في «تفسيره»، 1/492: «قال عليُّ بنُ أبي طلحة عن ابنِ عبَّاسٍ: الهجران: هو أَنْ لا يجامعها ويضاجعها على فراشها، ويُولِّيَها ظهرَه. وكذا قال غيرُ واحدٍ، وزاد آخَرون ـ منهم: السدِّيُّ والضحَّاك وعكرمةُ وابنُ عبَّاسٍ في روايةٍ: ولا يكلِّمها مع ذلك ولا يحدِّثها».
([5])- الأم، 5/194.
([6])- تفسير الرازي (التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب)، تفسير سورة النساء، تفسير قوله تعالى: (فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ)، 10/93.
([7])- روائع البيان في تفسير آيات الأحكام، لمحمد علي الصابوني، 1/470.
([8])- مفاتيح الغيب، 10/93.
([9])- الجامع لأحكام القرآن، 5/172.
نُ أبي طلحة عن ابنِ عبَّاسٍ: الهجران: هو أَنْ لا يجامعها ويضاجعها على فراشها، ويُولِّيَها ظهرَه. وكذا قال غيرُ واحدٍ، وزاد آخَرون ـ منهم: السدِّيُّ والضحَّاك وعكرمةُ وابنُ عبَّاسٍ في روايةٍ: ولا يكلِّمها مع ذلك ولا يحدِّثها».
([5])- الأم، 5/194.
([6])- تفسير الرازي (التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب)، تفسير سورة النساء، تفسير قوله تعالى: (فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ)، 10/93.
([7])- روائع البيان في تفسير آيات الأحكام، لمحمد علي الصابوني، 1/470.
([8])- مفاتيح الغيب، 10/93.
([9])- الجامع لأحكام القرآن، 5/172.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *