ما العلاقة بين (المساواة) و(التمييز الإيجابي)؟ ذ.الحسن العسال

آفة بني علمان الكبرى هي أن الغرب ينخرهم حتى النخاع، فهم لا يكتفون بالدعوة للتقليد التكنولوجي المحض، المنحصر في الاستهلاك المغذي لجشع الشركات الغربية العابرة للقارات، عوض استفراغ الجهد والوقت لإبداع ما يخرج الأمة من تبعيتها التكنولوجية، بل إنهم يناضلون أكثر من أجل التقليد القيمي والثقافي والفكري، ويعلون المنابر، ويستشرفون الشاشات، متباهين بتبعيتهم، وكأنهم يحتفلون ببنيات أفكارهم، وما هم إلا رجع صدى لمخططات أسيادهم، الذين يدفعونهم دفعا للإيغال في التبعية، بدعوى تحرير الشعوب من التخلف، وتنفيذا لما كان سطره أحد سدنة فكرهم، من أن أي أمة أرادت التقدم، لا يمكنها تحقيق ذلك، إلا بالمرور من نفس المراحل التي مرَّ منها الغرب، وإن أفلحت هذه الأمم في صعود درجات سلم التطور، فإنها لن تتجاوز ما وصل إليه الغرب بحال، لأنه يمثل سقف التطور، بمعنى أن أي أمة أرادت التقدم، لن تكون إلا نسخة مشوهة للغرب، لأنه هو من يملي عليها مراحله وتفاصيله ونهايته.
فلا يغرنكم يا بني علمان احتفاء الغرب بكم، والتظاهر بالحرص على مصالحكم ومصالح الشعوب التي تنتمون إليها، لأنه يضمر وراء ذلك، رغبته الجامحة في استعبادنا، تحت شعار تحريرنا، لأنه في قرارة نفسه؛ وحقيقة أمره؛ لن يسمح لأي كان، خارج منظومته بأن يساويه، فضلا عن أن يتجاوزه، ومن أفلح في ذلك، فليس إلا على حين غرة منه.
لذلك، لا أحد يحلم ولو مجرد حلم، أن الغرب سيعمل على تقدمه، بل ليكن على يقين أن تعامله مع من يناقضون ثقافته لا يمكن أن يفهم إلا ضمن هذا السياق، سياق الانتهازية التي يمارسها علينا، لأنه لا يعترف بشيء اسمه الصداقة، أو الندية في التعامل، بل على العكس من ذلك، فإن مفهوم الحرب معشش في فكره ووجدانه، ولو بدون سلاح، وخارج ساحات الوغى.
لأنه إذا كان الهدف من الحرب دحر العدو، وتدمير عتاده، من أجل فرض شروط السلام عليه، فهذا ما يطبقه الغرب ضد الآخر في جميع المجالات، مستقويا بقدراته التكنولوجية، وهبته الاقتصادية، وتفوقه العسكري، لفرض شروطه المهينة، المغلفة بالتعاون والإنسانية، واستحداث استعمار جديد للشعوب على الأصعدة الثقافية والفكرية والسياسية والاقتصادية، بدل الاستعمار العسكري المكلف ماديا ومعنويا، وتصريح الصهيوني برنارد لويس لازال يقرع الآذان، و﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾.
ومن هذا الاحتلال الثقافي والفكري الذي يمارسه الغرب، فرض مفاهيمه على الأمم بدعوى كونيتها، من خلال أتباعه غير المنتمين إليه في الأصل، وإنما انتموا إليه فكريا، ولبثوا يدافعون عنه وجدانيا، ثم أقنعوا أنفسهم، وصدقوا أن ما يلهجون به هو من إبداعهم، ومن بنيات أفكارهم.
ومن هذه المفاهيم التي يروجون ويقيمون المعارك من أجلها، مفهومي “المساواة”، و”التمييز الإيجابي”.
فما العلاقة بين المساواة والتمييز الإيجابي؟
بل؛ ما المقصود بالمساواة والتمييز الإيجابي؟
إن المقصود بالمساواة عند القوم، هو المساواة المطلقة، التي لن يبقى بعدها فوارق من أي شكل من الأشكال بين الجنسين، كي تصبح الأنثى ذكرا، والذكر أنثى، وهذا مناقض للعقل والفطرة معا، ولأن الأسياد فطنوا لهذه المُسَلّمة، استعاروا مفهوما نشأ بالأساس لنبذ التمييز بين أفراد المجتمع الأمريكي في الحصول على العمل الحكومي ألا وهو التمييز الإيجابي، وسلموه لبني علمان قصد تسويقه، كما سلموهم سابقه، ولم يجد هؤلاء غضاضة ولا تناقضا بين المفهومين، لأن العبد بين يدي سيده، كالميت بين يدي غساله، واتباعه في خطئه أولى من الاعتراض عليه.
فما هو التمييز الإيجابي؟
إنهم يقولون إنه يستخدم تعزيزا لإجراءات تستهدف عدم التمييز! فلم لم يبقوا على مفهوم المساواة منفردا، وهو يعني عندهم “عدم التمييز”!
إن الحقيقة ليس كما قالوا، بل لأنهم وقعوا في الحرج من أن المرأة تحتاج دائما لمن يسند ضعفها ماديا ومعنويا، إذ يتمثل الضعف المادي في ليونة جسدها، بينما يتمثل ضعفها المعنوي في تدفق عاطفتها، وهذا هو ما يميز أنوثتها، ويعتبر عنصر تكامل مع قوة الرجل وخشونته، وبما أنهم عجزوا عن أن يجعلوا من الأنثى ذكرا، ومن الذكر أنثى، مسخا للفطرة التي فطر الله الناس عليها، كمن أدرك عجزه عن أن يجعل من القمر شمسا، ومن الشمس قمرا، فتحايلوا بإخراج التمييز الإيجابي، كالمنقذ من الحرج، وتبعهم في ذلك ببغاواتنا.
وحتى لا يظنن أحد أننا نتجنى على القوم في وصفهم بالتبعية الفكرية، إليك الدليل على استنساخ المفهومين سالفي الذكر من أسيادهم.
فمفهوم المساواة رفعته الثورة الفرنسية كأبرز شعار لها، حتى غدا علما عليها، لا تعرف الثورة إلا به، ولا يعرف إلا بها. وكان المقصود منه، المساواة في الحقوق والمواطنة والحرية، ومحو الأفكار السائدة عن التقاليد، والتسلسل الهرمي، والطبقة الأرستقراطية، والسلطتين الملكية والدينية.
أما التمييز الإيجابي فيجد أول ظهور له في الويلات الأمريكية في الأمر التنفيذي 10925 الذي وقعه رئيس أمريكا آنذاك جون كنيدي بتاريخ 6 مارس 1961م، والذي كان يشترط على أرباب العمل التابعين للحكومة اتباع سياسة التمييز الإيجابي في التوظيف، بغض النظر عن العرق أو الدين أو الأصل القومي، ثم تمت إضافة نوع الجنس إلى قائمة مناهضة التمييز سنة 1968م.
إذا؛ فالمساواة كانت شاملة، تستهدف تحقيق العدالة بين طبقات المجتمع الفرنسي وفئاته، كما أن التمييز الإيجابي في بدايته كان يرنو تحقيق تكافؤ الفرص بين أبناء الشعب الأمريكي الذين نخرتهم العنصرية. أما الآن فلا حديث عن المساواة والتمييز الإيجابي إلا فيما يخص المرأة، وكأن الرجال جميعهم يرفلون في بحبوحة من العدالة والعيش الكريم.
فلماذا مثلا لا يتحدث عن المساواة بين أرباب الفساد ومهضومي الحقوق في التمتع بخيرات البلاد المتمثلة في رخص مقالع الرمال، ورخص الصيد فيما وراء البحار، ورخص المأذونيات؟
ولماذا لا يدفع في اتجاه فرض التمييز الإيجابي لصالح العالم القروي، أو قل البدوي، خصوصا في أصقاع جبال الأطلس؟
ولماذا الدندنة دائما حول التمييز الإيجابي الذي يخص المرأة المحظوظة، في حين يتغافل عن المرأة التي تعيش التشرد، وهي بين أحضان أسرتها، وداخل مأواها؟
بل، لماذا لا نتخلص أصلا من هذه المفاهيم التي لا يمكن استيرادها دون حمولتها العفنة، ونرجع إلى شرعنا وعلمائنا، لإمدادنا بما يفي بالمطلوب من المفاهيم والإجراءات المعلية من شأن المرأة، التي كرمها الله تعالى أما وبنتا وأختا وزوجة وإنسانا؟
لذلك أدعو بني علمان إلى ألا يعطوا الدنية في أنفسهم، وأن يكونوا أحرارا كما يدعون، فإن التمسنا لهم العذر في الاستسلام للتقليد التكنولوجي، نظرا لعدم امتلاك ناصيته بعد؛ فلا يقبل منهم عذر في الركون إلى الاستنساخ الفكري.
ألا يخجلون من أنفسهم لما يرددون وراء الغرب، كل ما ينطق به؟
هل أكياسهم الفكرية فارغة إلى هذا الحد؟
ألا يزعجهم أن عقولهم، التي يدعون حريتها وتحررها هي في ملك الغرب، يملؤها بما شاء، ومتى عنَّ له ذلك؟ وإلا فليأتوا لنا بنتاج فكري ليس فيه للغرب نصيب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *