منذ أن ابتلي العالم الإسلامي بزمرة من المنسلخين عن الهوية والمتسربلين بثقافة غربية محضة، يفكرون بفكرها وينظرون بمنظارها، ويقيمون الأشياء بميزانها، فلا حسن إلا ما حسنه الغرب، ولا قبيح إلا ما قبحه الغرب، ولذاك تراهم لا يفترون عن العويل والصراخ متهمين المنظومة الإسلامية ومن ينادي بها لتخليق الحياة بالجمود التخلف والنكوص عن ركب الحضارة، والتلكؤ عن صعود سلم الرقي العلمي والتكنولوجي، فالإسلام والتراث الإسلامي وعلماء الإسلام وحملة رايته كانوا ولا زالوا في نظر هؤلاء هم سبب مشاكل العالم الإسلامي، فهو يتضرج في دماء تخلفه بسبب فتاوى الفقهاء، وتفاسير المفسرين، وتأصيل الأصوليين، وأراء العلماء، وغيرهم مما أصبح جزأ من ماض بئيس، كذا يرونه بأعينهم التي أصابها رمد الجهل وأعمتها غشاوة الحقد والخيانة.
فكل ما يتخبط فيه العالم الإسلامي من زمان فالمسئول عنه الموروث الثقافي عند المسلمين، وهم بذلك يعنون الإسلام بمنهاجه المتكامل، وإنما يسمون الأشياء بغير اسمها، لكن المتأمل في حياة المسلمين في الماضي القريب والحاضر يرى الإسلام رسومات هنا وهناك، فالعلمنة حاضرة بقوة متحكمة في الثقافة والمجتمع والاقتصاد والتعليم والسياسة.. فأين هو الإسلام في هذه المناحي حتى نحمله وزر ما لم يتحمل فيه نصيب، وعند سرد المشاكل التي يتخبط فيها المسلمون ترى عجبا، وتحكم بالجهل والتغابي على من يريدون أن يحاكموا الإسلام بجريرة اقترفها غيره، بينما نجا المقارف صاحب الذنب الذي لن يكون سوى غول العلمانية الذي لم يترك أمامه شيء.
العلمانيون الذين يصرخون ليل نهار منددين بالفكر الظلامي -كذا زعموا- في الصحف والمجلات والقنوات، وكل ما يملكون من وسائل الدعاية، وما يحظون به من دعم مادي ومعنوي داعين إلى تهذيب الإسلام وتنقيته مما لا يتناسب وأهواؤهم المريضة، وأفكارهم المسلوبة، وفطرهم المنكوسة، وعقولهم المبهورة ببريق الغرب الخادع، وحفاظا على ما يدخل جيوبهم المليئة من الأموال المشبوهة، والتي يتقاضونها مقابل خدماتهم الدنية، وثمنا لخيانتهم الأمة، وذلك تحت مسميات النوادي والجمعيات والمنتديات.. وهلم جرا، مما ظاهره الرحمة، وباطنه محاربة الدين والتدين والمتدينين.
فعلماء الإسلام عندهم هم سبب الإجرام المتفشي بشكل رهيب، وسبب ظهور الفقر والجهل والبطالة والانحراف والزنا والربا والشذوذ وأطفال الشوارع والأمهات العازيات، وتفشي المخدرات والخمور، وهم سبب حوادث السير وانتشار الرشوة والزبونية والمحسوبية والتملص الضريبي، وتدني مستوى التعليم والتخلف العلمي والحضاري واللائحة تطول، والمشاكل لا تعد ولا تحصى، كل ذلك عندهم يتحمله العلماء الذين كممت أفواههم من زمان، واشتري بعضهم بالمناصب والمال، ووضعوا على حافة الطريق تقضى الأمور دونهم، ولا يستشارون إلا فيما يخدم مصلحة العلمانيين، بعدما صار يتحكم فيهم عن بعد، ومع ذلك يصر أذناب الغرب وسدنة الحداثة المنكوسة على تحميل المسؤولية للإسلام والداعين إلى منهاجه، والذين لا يسمع لهم صوت إلا كمن ينادي من قعر بئر سحيق.
لقد علمهم الغرب كيف يزورون الحقائق، ويطوعون الأفكار، فيجعلون الحق باطلا، والباطل حقا، والخير شرا، والشر خيرا، ويجعلون ما ليس بحق حقا، وما هو حق ليس بحق، لتكون آخر صيحاتهم أن دور القرآن أغلقت حفاظا على الأمن الروحي والأخلاقي للمغاربة!
يا لها من خرافة تحكى في واضحة النهار، ويسمعها العقلاء الذين يراد استغباؤهم من لدن قائلي هذا المنكر والزور العظيم، فإذا كانت دور القرآن كذلك فماذا تعمل مواخير الفساد ودور الدعارة والعلب الليلية والمهرجانات الماجنة والمخدرات المروجة على أوسع نطاق، وبرامج الخنا ومسلسلات التفسيق والتمييع؟!
أهؤلاء يسهرون على حماية أخلاق المغاربة وأرواحهم من خطر التنصير والتكفير والتشيع والانحراف والتيه المرَضي؟!!
كلا ورب الكعبة إن لم تكن هي السبب فلن يكون غيرها سببا، ولكن قد قالها قبلهم فرعون حين نادي في ملئه “ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ” غافر.
وختاما أقول لكل من كان سببا في إغلاق دور القرآن: لا زال الوقت أمامكم لتكفروا عن زلتكم قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله، والوقوف بين يد العزيز الجبار، والعاقبة للمتقين.